بيبي ومنديل بيرس

هناك من يصف العلاقات بين بيرس وبيبي بأنها "الزوجان الغريبان"، على اسم مسلسل التلفاز الكوميدي وفيه أعزبان، مختلفا الطباع يتقاسمان الشقة نفسها. هناك من يتحدثون عن التكافل في العلاقة بين الاثنين. باعتبار بيرس الرئيس الأكثر سفرا ممن كانوا عندنا، أصبح الآن خصوصا الرجل الذي يعادل ليبرمان بعرض اسرائيل سليمة في العالم.
يُعد بيرس في ولايته الحالية مسافرا أكبر من كل أسلافه. وسؤال هل كان متلذذا طوال حياته المهنية لم يعد ذا صلة الآن. فهو باعتباره كان والد العلاقات الخاصة بفرنسا وهو على ثقة بأن فرنسا هي الى الأبد، خرج ودخل من باريس واليها الى أن فرض ديغول حظر السلاح على اسرائيل عشية حرب الايام الستة. يُخيل إلينا انه لم يسكن في تلك الفترة فنادق نجمتين.
باعتباره السياسي الأكبر سنا في العالم ورجل السلام، يُستقبل باحترام كبير في الدول المشحونة بالدعاوى علينا مثل قنبلة. إن خطابه في البوندستاغ الذي جذب أدباء وفلاسفة الى مقاعد الجمهور وُصف بأنه خطاب منقطع النظير، في حين سافر بيبي الى هناك كي يعتذر للمستشارة ميركل.
لا يوجد أي تكافل بين بيرس وبيبي. فبيرس ببساطة يدخل الفراغ الذي أحدثه بيبي وسياسته. لم يعد بيبي وباراك ايضا في المدة الاخيرة ضيفين مطلوبين حقا في عواصم الدول التي تصوغ ترتيب العالم. إن اللياقة البدنية لبيرس بالنسبة لعمره تثير التأثر. هناك من يقولون إن عائلته والاشخاص في مكتبه هم الذين يُدبرون بعض رحلاته كي لا يتهاوى. وهو يفعل الآن ما أحبه دائما، ويستمتع بكل لحظة. لا ينسى مساعدوه المقربون أن يُذكروا وقت اعداد اللقاءات بأن بيرس تنبأ منذ زمن بـ "الشرق الاوسط الجديد"، وإن لم يكن قد أصاب بالضبط ما يحدث الآن حولنا بالفعل.
لا يسأل بيرس بيبي هل يسافر بل يُعلمه فقط بأنه مقلع بالطائرة. ليست العلاقات بينهما جيدة حقا، لكن بيرس يُكثر دعوته الى أحاديث بل يوبخه على أمور فعلها أو لم يفعلها ويُحذره من الخطر الذي يهدد اسرائيل. قال بيرس عند افتتاح جلسة الكنيست الشتوية انه لا ينام في الليل بسبب وضعنا السياسي. يقطف بيرس الثمار العفنة لسياسة بيبي. لا يعلم الجميع ما الذي يقوله له، لكن من الواضح ما الذي يعتقده في أداء بيبي والى أين يفضي ذلك.
كان بيرس إذ كان وزير دفاع عند رابين صقرا وساعد على الاستيطان – وهذه نقطة في حياته يفضل ألا يتذكرها. عند تلخيص سنة ما ذكّرته بهذا الفصل ولا سيما سبسطية التي أُنشئت برغم أنف رابين. في يوم النشر اتصل بيرس بي وبدل ان يقول "سلام" سمعته يصرخ في السماعة "أيها الوغد". ليس لذيذا لكنه ليس فظيعا من قبل سياسي أسماه رابين "متآمرا لا يكل".
لا ينسى بيرس أن بيبي هزمه في الانتخابات الشخصية لرئاسة الحكومة بعد قتل رابين، ولم ينس لباراك انه ثبّط اقتراح انتخابه في 1997 "رئيسا لحزب العمل"، بلا صلاحيات. يستخف باراك به علنا ولا يضيع أي نكتة على حسابه. ويجتهد بيبي، الذي يعرف من قريب كيف يحترمون والدا واسع العلم عمره مئة سنة، باستغلال الأفضل من رحلات بيرس. كان يريد بطبيعة الامر ان يكون مكانه في البيت الابيض، لكن اوباما يفضل سماع الحقيقة، وأن ينقل في موازاة ذلك الرسائل غير اللطيفة عن طريق بيرس.
الآن والاشاعات تقول انه يوجد نحو من 100 دولة قد تعترف بدولة فلسطينية في حدود 1967 في الجمعية العامة للامم المتحدة في ايلول، من المهم للادارة ان تعلم اسرائيل حقيقة ما يحدث وما يجب ان يُفعل. ليس مؤكدا ان تُغير رحلات بيرس الوضع، لكن من المهم ان تستمع الحكومة الى الحقيقة. إن بيرس يُبيض قهوة بيبي ويُخرج له حبات الكستناء من النار. يفضل بيبي ألا تكون تسريبات من بيت الرئيس تُضاد سياسته. وفي الحقيقة ان بيرس حذر ويحذر ألا يتدخل.
في معجم السياسة الاسرائيلي، بقلم عاموس كرميل، يوصف بيرس بأنه قد عُرض على مر السنين بصفته مفكرا ومثقفا وأديبا وسياسيا ذا رؤيا. لكنه اتُهم في مقابلة ذلك بطموح غير مقيد وبضحالة وانتهازية وبحصر العناية في العلاقات العامة وبالتآمر. الآن يصمت بيرس برغم رحلاته ولقاءاته لكبار ساسة العالم. لقد تبنى الكلمة الشهيرة للرئيس حاييم وايزمن وهي ان المكان الوحيد الذي يحق له ان يدس أنفه فيه هو منديله.

السابق
أبو سيسي واللسعة الاردنية
التالي
محفوض: مواقف الحريري ليست جديدة و”حزب الله” لا يجيد سوى لغة تخوين خصومه