مشروب «الطاقة»…أو الاستعباد البطيء

إقبال الشباب على تناول مشروبات الطاقة بلغ ذروته في الآونة الأخيرة، بالتزامن مع موسم الامتحانات الفصلية التي يشهدها عدد كبير من الجامعات. هذه العادة الجديدة تسللت إلى نمط حياة الطلاب، وباتت لا تنفصل عن مختلف أنشطتهم اليومية. “يعطيني القوة”، “يمدّني بالحيوية اللازمة”، “يخلق فيّ الرغبة والحماسة”… هذا ما عبّر عنه عدد من الطلاب الذين التقيناهم وأثنوا على أهمّية توافر “اختراع” مشروب الطاقة.

من جهته، يجد الطالب شادي، الذي يتابع امتحاناته في جامعة القديس يوسف، صعوبة في التركيز من دون تناول أي صنف من هذه المشروبات، وقال: “إزاء الضغط النفسيّ الذي نختبره في أوقات الامتحانات، يشعر المرء بحاجة إلى قوة للمواظبة على الدرس، لذا لا أتردّد في شراء مشروب يمكن ان يمدّني بالطاقة، ولحسن الحظ أنّ الماركات تكاد لا تحصى ولا تعدّ، وهذا ما يزيد من حيرتي”.

تتعدد أسباب الإقبال على مشروبات الطاقة وتتنوّع في صفوف الشباب، فمنهم من يبحث عن الراحة، كما يقول الطالب جورج: “كي أتمكّن من متابعة الحلقات الدراسية مساء في الجامعة، وبعد يوم شاق من العمل قبل الظهر، أعمد يوميّا إلى شرب عبوة، فهي تمدّني بالاسترخاء والراحة، وكأنّ نهاري يطول، ويتجدّد”. أما بالنسبة إلى الطالبة رين، فتقول: “لا شك في أنّ كلّ ما زاد عن حدّه نقص، والملفت أنّ عبوة واحدة من مشروبات الطاقة، كافية لتمدّ المرء بالحيويّة الضرورية، لذا لا حاجة للتحذير من الإكثار منه”.

من جهته، اعتبر الدكتور في علم النفس والأمراض النفسية سمير جاموس أنّ السبب الأكبر الذي يدفع الشباب نحو هذا النوع من المشروبات، مردّه بالدرجة الاولى إلى “نمط الحياة المتسارع، الذي يضعهم في سباق دائم مع الوقت، على الرغم من وسائل الراحة المتاحة”. وتابع موضحا: “غالبا ما يضطرّ الشباب إلى العمل في أكثر من وظيفة ليتمكّنوا من توفير متطلّباتهم المعيشية، ويتحمّلون أكثر من مسؤوليّة، لاسيّما بالنسبة إلى من يعمل ويتعلّم في آن معا”. أضاف: “إزاء الضغط الكبير الذي يتحمّله الطلاب فإنهم يستنفذون كلّ قواهم الجسديّة، لذا يبحثون عن طاقة جديدة، بديلة، وللأسف يتجهون نحو خيارات سلبية، منها مشروبات الطاقة”.

جزء كبير من الصورة المطبوعة في مخيّلة الشباب حول مشروب الطاقة، ومفاعيله الإيجابية، مردّه الأكبر إلى دور الإعلانات المؤثّرة والصاخبة، فهي غالبا ما تظهّر القوة الخارقة التي يمكن أن يكتسبها المرء لمجرّد شربه المنتج. في هذا الإطار، لفت جاموس إلى أنّ “المشكلة تكمن في العصر الاستهلاكي الذي نعيش فيه، على نحو تغزو الإعلانات اللوحات الإعلانية، وشاشات التلفزة، بحيث تولّد لدى الشباب شعورا بنقص مستمرّ لحاجات ثانوية متنوّعة”. وإذا ذهبنا أبعد من ذلك، نجد أنّ البراهين كبيرة على سياسة جذب انتباه الشباب التي تتعمدها الشركات.يضيف جاموس: “البعض لجأ إلى تقديم الهدايا وتنظيم المسابقات لاستهداف أكبر عدد ممكن من المستهلكين، ممّا يزيد من الحماسة، ورفع وتيرة الشراء”.

كما اعتبر جاموس أنّ الشباب يبالغون في التوقف عند الإيجابيات التي يمدّهم بها مشروب الطاقة، فقال: “صحيح أنّ هذا النوع من المشروبات ينشّط الدماغ نظرا لاحتوائه مادة الكافيين المنبّهة. إلّا أنه سرعان ما يتحوّل إلى حالة من الإدمان لدى المرء”. وتابع موضحا: “مزيج من المشاعر السلبيّة تراود من يتناول مشروب الطاقة، منها: المزاج المتقلب، حالة الكآبة، فقدان التركيز”. وهنا يلفت جاموس إلى أنّ “تناول مشروب الطاقة يمكن ان يولّد تبعيّة لدى الفرد، بالتالي يفقد إستقلاليته”، ويذهب أبعد من ذلك منبّها” من وجود مؤامرة عالمية تهدف إلى استعباد الشباب من خلال موادّ تبعية منها مشروبات الطاقة، القهوة، التدخين، ومختلف أنواع المخدّرات الأخرى”. وفي هذا السياق، أكّد جاموس “أنّ بإمكان المرء التوقف عن تناول مشروب الطاقة بانقطاعه كلّيا عنه، والاعتماد على إرادته”.

في السياق نفسه، دعا الطبيب جوزف مشنتف إلى التمييز بين مشروب الطاقة والمشروبات الرياضية: “غالباً ما تحتوي هذه الأخيرة نسبة مرتفعة من السكر، تفيد الرياضيين، الذين يحرقون طاقة كبيرة فقط، إلا أنها قد تسبب البدانة الزائدة لباقي الأفراد”. يضيف: “أمّا بالنسبة إلى مشروب الطاقة، ففيه تكمن المشكلة الكبرى، لأنها تمدّ الشاب بطاقة كبيرة يصعب صرفها بسهولة، إلى حدّ قد يقودهم إلى الانهيار”. وهنا يلفت مشنتف إلى “أنّ منتجا واحدا من مشروب الطاقة يساوي نحو 4 فناجين قهوة، لذا المشكلة الأساس هي أنّ اللبنانيين لا يدرون ماذا يشربون”.

وحذّر مشنتف من خطورة مزج مشروب الطاقة مع مشروبات أخرى، “في كثير من أماكن السهر الليلية يعمد الشبان إلى مزج المشروبات، مما يضاعف من مضارّها، والنتيجة فقدان التركيز، ممّا يؤدّي إلى ارتفاع نسبة حوادث السير”.

أمّا عن البدائل التي يمكن ان يلجأ إليها الشباب للتعويض عن الطاقة التي يفقدها الشباب، فينصح مشنتتف “باحترام أوقات راحة الجسد، لأنه لا يمكن التحايل عليه بمشروبات منبّهة ومنشطات بديلة”. أضاف: “كذلك الحرص على تناول كمّية وافرة من المياه يوميّا، والاستعانة بمختلف أنواع العصير الطبيعية”، كما دعا إلى تشديد الرقابة على بيع تلك المنتجات ومنعها من الصيدليات”.

بعد الاهتمام الذي حظي به ملفّ التداوي بالأعشاب، تبدو قضية مشروبات الطاقة لا تقلّ أهمية عن ذلك، لاسيّما بعدما غزت ماركاتها أسواقنا التجارية. فهل ستبادر الدولة إلى اتخاذ خطوات عملانية تساعد في توعية الشباب؟

السابق
“الشرقية” تعترض بناء معمل للنفايات
التالي
الإستراتيجية الأميركية في شرق أوسط جديد