الراي: الفراغ الحكومي “ستاتيكو” مرشح للاستمرار حتى إشعار آخر

هل أصبح «الفراغ الحكومي» مصلحة للأطراف المعنية بتشكيل الحكومة؟ هذا السؤال يزداد حضوراً في بيروت و«ينافس» الاخبار اليومية المتداولة عن مساعي «الكر والفر» المرتبطة بتشكيل الحكومة، والتي مضى عليها نحو 70 يوماً.
اوساط واسعة الاطلاع في بيروت قالت لـ «الراي»، ان الستاتيكو الحالي القائم على «الفراغ الحكومي» ربما يشكل حاجة للأطراف المعنية في تشكيل الحكومة، لا سيما الرئيس المكلف نجيب ميقاتي و«حزب الله»، اضافة الى سورية.
وذكرت بأن مسألة «الفراغ» في لبنان لم تعد غير مألوفة بعدما استمر الشغور في رئاسة الجمهورية لستة اشهر بين نوفمبر 2007 ومايو 2008، وتالياً فإن بقاء الستاتيكو الحالي لفترة طويلة لن يكون مفاجئاً، خصوصاً وانه قد يكون حاجة لأكثر من طرف.

وثمة تقديرات في بيروت تتحدث عن ان ميقاتي، الذي يدرك ان لا بديل عنه لدى الاكثرية التي سمته بعدما جرى تكوينها بـ «شق النفس»، لن يجازف بتشكيل حكومة تغضب بعض العرب (الخليج) ولا ترضي المجتمع الدولي وتستفز نصف اللبنانيين او تكون سبباً في عزلته داخل طائفته (السنة).

ورأت بعض الاوساط المتابعة، ان انفجار الصراع الخليجي – الايراني، بعد احداث البحرين وشبكة التجسس في الكويت والمواجهة الاعلامية السعودية ـ الايرانية يزيد من مصاعب تشكيل الحكومة.
ولفتت الى ان ميقاتي الذي اتُهم بأنه جاء الى رئاسة الحكومة بانقلاب سياسي ـ دستوري قاده «حزب الله»، مضطر لأن «يعد للعشرة» في تشكيل حكومة يملك «حزب الله» الكلمة الفصل فيها مع تأزم العلاقات الخليجية ـ الايرانية.
وتحدثت الاوساط عينها، عن ان ميقاتي ربما وجد في المهادنة السعودية ـ السورية التي اعقبت احداث البحرين ما يشجعه على التمهل في الفريط بأوراقه في تشكيل حكومة احادية ومن «لون واحد»، ما مكّنه من عدم التسليم بشروط الآخرين.
ومن غير المستبعد، في تقدير دوائر مراقبة، ان تكون مصلحة ميقاتي التقت مع مصلحة «حزب الله» غير المستعجل في تشكيل الحكومة لأسباب ترتبط بمقاربته للأوضاع في الداخل وفي المنطقة على حد سواء، لا سيما وان الحزب يشكل الرافعة الرئيسية للحكومة العتيدة.

ولاحظت ان «حزب الله» الذي نجح في قلب الطاولة لحظة اطاحة الرئيس سعد الحريري وحكومته لن يفتح الطريق امام حكومة جديدة لا يملك فيها «الإمرة» في المسائل الاساسية، وتالياً لا يمانع في استمرار «الفراغ» الحالي، أقله في انتظار جلاء الاوضاع في المنطقة.

واللافت ان الطرف الوحيد الذي يقاتل من اجل الاسراع في قيام الحكومة، على طريقة «عصفور باليد ولا عشرة على الشجرة»، هو زعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون، الذي يعتقد انه يملك «القفل والمفتاح» لولادة حكومة له «حصة الأسد» فيها.

واذا كانت الحسابات «المتضاربة» لأطراف «الأكثرية الجديدة» بدت تطغى على سطح الحركة السياسية، فإن حركة «14 آذار» المعارضة، التي استوعبت صدمة إخراجها من السلطة، تبدو في موقع احسن حالاً وهي تراقب «تسونامي» التحولات الداهمة في المنطقة والتي بلغت ارداداته سورية.

وكان لافتا، امس، الزيارة المفاجئة التي قام بها الحريري لأنقرة والتي التقى خلالها رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان ووزير خارجيته داود اوغلو، حيث من المتوقع ان تكون المحادثات تركزت على الوضعين في لبنان والمنطقة.
وفي هذا الوقت بدت بيروت كمَن ينتظر «الفرَج» في ملف صار كـ «صندوقة الفرجة»، تملأه الشروط و»اللاءات المضادة»، وسلّة من التبريرات التي يكاد ان تختصرها معادلة تقوم على: تمسك ميقاتي بصلاحياته الدستورية في التأليف بالتشاور مع رئيس الجمهورية، وإصرار زعيم عون على ما يعتبره «حقوقه» التي تستوجب تمثيل تكتله (التغيير والإصلاح) بـ 12 وزيراً في حكومة ثلاثينية مع الحصول على حقيبة الداخلية السيادية.
علماً ان هذه المعادلة «تدعمها» عقدتان موازيتان ولا تقلان اهمية الاولى تتصل بالصراع بين عون والرئيس ميشال سليمان حول الداخلية وحصة الاخير، إضافة الى المطلب المشترك لأطراف الأكثرية الجديدة ولا سيما «حزب الله» حيال إشراك المعارضة السنية السابقة في أي حكومة.

اما «ام العقد»، فتكاد ان تكون الصراع على «الأمر لمن» في الحكومة، وسط اصرار فريق 8 آذار على الإمساك بقرار الحكومة عبر الحصول على ثلثي اعضائها مع اعطاء سليمان وميقاتي ومعهما النائب وليد جنبلاط الثلث، وهو ما يرفضه الرئيس المكلف الذي كان نال وبحضوره دعماً لافتاً من المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى الذي شدد على «ضرورة احترام القواعد والتقاليد والتوازنات المتعارف عليها في دور أي رئيس مكلف وصلاحياته في اختيار الوزراء بمسؤولية»، مؤكداً ان ميقاتي «يحظى بثقتنا وتقديرنا لتشكيل حكومة قادرة على القيام بمسؤولياتها الوطنية والاجتماعية».

واشارت المعلومات التي كُشفت عن مداولات اجتماع «الشرعي الاعلى» برئاسة مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني، الى ان ميقاتي ثابت على «لاءاته» وحاول ان يحصل على غطاء لها من المرجعية الدينية للطائفة السنية بما يتيح له تعزيز موقعه التفاوضي، وهو ما لم يتأخّر عون في الردّ عليه بعد ساعات ملوّحاً بان الحكومة ستتألف «إن لم يكُن اليوم فَغداً، وإن ليس بهذا الشّخص (ميقاتي)، فَبِغَيرِه» ما اعتُبر نقلاً للعبة «شد الحبال» الى «حافة الهاوية».
وذكرت تقارير في بيروت ان ميقاتي، الذي يمكن ان يُصدر بيان مصارحة للشعب اللبناني في حال استمرّت المراوحة، ابلغ الى المشاركين في اجتماع المجلس الشرعي الاسلامي الاعلى في دار الفتوى، أن الحلفاء الذين رشحوه يضعون العقد في وجهه. وفيما لم يذكر رئيس البرلمان نبيه بري في سياق واضعي العقد، قال ميقاتي ان مطالب عون تشكل عقداً حقيقية، وان حليف العماد حزب الله لم يبذل ما يكفي من جهود لثنيه عن مطالبه.

كما كان معبّراً ما اعلنه الرئيس نبيه بري في تصريحات صحافية من أن لا صحة على الاطلاق لما تردد في بعض وسائل الاعلام حول مهلة زمنية محددة أو نهائية أعطيت للرئيس ميقاتي كي ينجز التأليف، مؤكداً ان لا مبرر للتأخير المتمادي في عملية تشكيل الحكومة والتي كان يجب الانتهاء منها منذ فترة طويلة. وشدد على انه قدم كل التسهيلات الممكنة لمساعدة الرئيس المكلف على إنجاز مهمته، مستغرباً هذا الصراع على ما تسمى «حقائب سيادية»، ومشيراً الى ان هناك تضخيماً في تقدير حجمها «كمن يخترع آلهة من تمر ثم يأكلها».

وخرقت جولة البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي البروتوكولية على القيادات السياسية والروحية امس الجمود السائد على مستوى الوضع الداخلي، ولا سيما انها تُوجت بلقاء وطني روحي جامع شارك فيه رؤساء الطوائف الاسلامية وعدد من المطارنة في دارة ميقاتي في فردان، الامر الذي اعتُبر جرعة دعم للرئيس المكلف.

واكد ميقاتي للقادة الروحيين استمراره في جهوده لتشكيل حكومة تتصدى للمشكلات الكبرى وتسعى الى تبديد الهواجس، مشدداً على «ان مفتاح الحلول للازمات السياسية هو التمسك بتطبيق نصوص الدستور وروحيته التي تحفظ لكل الفئات موقعها ودورها المتكامل مع مواقع الشركاء في الوطن وادوارهم بما يطمئن الجميع الى ان احدا لا يستطيع الغاء الآخر او الانتقاص من حضوره الفاعل في الوطن ومؤسساته».

السابق
الانباء: الراعي جال على القيادات السياسية والدينية وزيارته ميقاتي تحولت لقاء روحياً
التالي
الحجار: ما يعنينا هو البيان الوزاري للحكومة