من يخاف نبيه بري ؟

ليس كل ما ينشر في شأن حرب تموز، في اطار ما يعرف بوثائق "ويكيليكس"، يهدف الى فضح الخصوم، وحدهم.
فالمراقب، سيئ الظن، سواء إثماً أو لحسن الفطن، لا يستطيع الا التنبه الى "إخلاص" مبالغ فيه في ترجمة نصوص معينة كان يفترض مراعاة حلفاء "حزب الله"، الواردة اقوال نوابهم ووزرائهم فيها، وخصوصاً ما ألصق بالرئيس نبيه بري وما قيل عنه، أو بلسانه.

يشير الحزب القائد، باستمرار الى صدقية الوثائق ما يعطي هذه الظنون صدقية موازية، لا يخفف منها الا منطق تطييب الخواطر بين الأحباء، اذا تحاببوا.
لكن، هل ان الأمر هو مجرد "أضرار جانبية" أو عارضة تأتت عن اطلاق نار عشوائي، أصاب الحلفاء، لعبورهم مسار النار الى الهدف؟
سؤال يطرحه الظانون، إثماً أو فطنة، في آن. فمن سياق الأمور، الذي اعتدناه في ظل هيمنة الحزب أن يستسهل نعت خصومه السياسيين، وتحديداً قوى 14 آذار، بالخيانة والعمالة وما من نسلها من الشائنات الوطنية.
لكن ما ليس في هذا السياق هو إصابة رذاذ الاتهامات وجوه من يسمى حليفاً، وبصورة خاصة "الأخ الكبير" أي الرئيس نبيه بري كما كان يسميه السيد حسن نصرالله. فالمتابعة الدقيقة، للمسماة وثائق، توحي بأن نشرها ينطوي على رسائل متعددة إلى الداخل ، "منها" طبعا ما يبغي مزيدا من الإدانة "الوطنية" لقوى 14 آذار ،"لكن منها أيضا ما يستهدف الأصدقاء والحلفاء" قديمهم والمستجد، لغايات في نفس الحزب قد يظهرها الآتي من الأيام.
لم تعكس النصوص المنشورة "العفو" عن "الجرائم السياسية" الذي أوحى الحزب به تجاه الخصوم السابقين العائدين إلى "موقع حماية السلم الأهلي والوحدة الوطنية" وهو أمر "يبقى فوق كل اعتبار، برغم صيحات الاستهجان التي لا تقيم للاستقرار وزناً، ولا تبحث سوى عن مصالحها الخاصة".

هذه حال وليد جنبلاط العائد من خصومة للحزب بلغت حد العداوة.
الحال الثانية، هي ما نسب إلى نائبين في كتلة "التغيير والاصلاح" هما ابرهيم كنعان وفريد الخازن. وبقدر ما يبدو موقفاهما أقرب إلى 14 آذار، يظهر موقف جبران باسيل، صهر الجنرال، اكثر لصوقا بـ"حزب الله" ورؤيته. وبقدر ما يشير "فضح" جنبلاط الى دعوة لمزيد من تلاوة فعل الندامة، يوحي نشر أقوال كنعان والخازن بتسهيل درب باسيل في التأثير على القرار السياسي للعم. فالاثنان متفقان على أن وثيقة عون مع الحزب، "غلطة… وشيء يصعب الدفاع عنه"، مع إشارة إلى أن الحزب "أطلق أزمة غير ضرورية… واستخدم سلطات يجب أن تكون محصورة بيد الدولة… وأعماله غير مسؤولة ومنافقة" وإلى "أكاذيب نصر الله على طاولة الحوار حين وعد بالحفاظ على هدوء الخط الازرق".
لكن الحالين السابقتين تبدوان عارضتين مقارنة مع ما استهدف الرئيس بري، وكأن تهشيم صورته كشريك للحزب أمر مباح، وربما مطلوب. فخلاصة القراءات، على مدى الأيام العشرة الفائتة، ترسمه كالآتي: يحلم بالقضاء على "حزب الله"… لـ"يستفيد من ذلك في إعادة تأكيد وضع حركة "أمل" لكونها أبرز مجموعة شيعية… يجب تعزيز قوة بري عبر انتشار واسع للجيش لإمرار بعض المساعدات الدولية لإعادة الإعمار عبر آليات يكون له فيها دور… السفير (الاميركي) قلق من ضرورة استفادة عائلة بري ماليا، وخصوصا زوجته رندة، كما فعلت مع صناديق تمويل تنموية سابقة في الجنوب… بري يفكر كل يوم بيومه… بري يمكنه أن يكون المحرك الشيعي الذي يستطيع الضغط على الحزب (وليد جنبلاط ومروان حمادة)… سيلعب لعبة حزب الله لبضعة أشهر ثم يتحرر منه (أمين الجميل)… وافق على شروط نشر 15000 جندي من دون إستشارة الحزب… وفصل مواقفه عنه (محرر الترجمة)… لا يثق بـ"حزب الله"… خدع بري الحزب بموافقته على قرار مجلس الوزراء نشر الجيش جنوبا… كان غاضبا من "خطاب النصر"… لكنه يبقى الشريك الأصغر… تذمر من الهجمات الاسرائيلية على شمال بعلبك لأنها تخدم فقط تدعيم الحزب… مجلس الجنوب تابع لنبيه بري (وهو) يعد بالوعة مالية… ووضعه في الواجهة يعطي دفعا شعبيا لبديل شيعي علماني من الحزب (حركة "أمل") لكن من دون ملء جيوب رندة بري في الوقت نفسه… خطاب نصرالله سيخيف بري إلى درجة امتناعه عن التفكير بأي قطيعة مع الحزب.
قد يكون كشف المستور مما يسمى وثائق ويكيليكس أمراً محض صحافي، لكن ما تناول الرئيس بري يعطي صورة له مؤذية ومهشّمة – سواء مما وصفه به الآخرون أو ما نقل عنه – إلى حد التخوف من أن تكون تمهيداً لتصفية سياسية، إذ تظهره مستعداً للخروج على الثنائية الشيعية في اللحظة المؤاتية، غير حريص على المال العام وغير موافق على سياسة نصرالله، ومرغماً على الالتحاق به. ولا يغيب عن سوء الظن مقالة تتهجم على النائب غازي يوسف بصفته رئيس مجلس الإدارة – المدير العام لشركة meas وتتهمه بجني مكاسب لـ"تيار المستقبل" و"شركاء آخرين على الضفة الأخرى، ولا سيما رئيس مجلس النواب… وربما هذا هو السبب في عدم ممارسته واجباته في منع يوسف من الجمع بين النيابة وإدارة شركة للدولة"، حسبما يقول النص.

قد يكون بعض الظن إثماً، وقد يكون من حسن الفطن. لكن في الحالين، لا يزال الرئيس نبيه بري على رأس مجلس النواب منذ 20 سنة، ولا مجال لزحزحته قبل الانتخابات النيابية عام 2013. حتى ذلك الوقت، راقبوا ما يسمى تفاعلات تحليق الفراشة. فبعض الزرع لا يحصد فوراً.

السابق
رئيس الوزراء المكلف نجيب ميقاتي الى مزيد من التريث في اعلان تشكيلته الحكومية
التالي
تاريخ سوري لبناني