خليّة أزمة أميركية لسوريا ولبنان

كما كان متوقعا لم تنحصر تداعيات الازمة الداخلية في سوريا على سوريا، بل امتدّت وبسرعة الى لبنان، في حركة غير مفاجئة وعابرة للحدود. ولعل كلمة السر التي تلقاها غير مسؤول لبناني مؤيّد لسوريا، تمحورت حول ضرورة تشكيل حكومة لبنانية سريعا، وذلك بعدما انتفت الحاجة الى التريّث، ودقّت ساعة القرارات الحاسمة التي تحمل طابع المواجهة. فقبل اندلاع الشرارة السورية في درعا، كان نظام الرئيس بشار الاسد يتحسّب لإغلاق النوافذ والثغرات امام اي امتداد لحركة الثورات العربية الى الداخل السوري، ويأتي من ضمن هذا التحسب خطوات كثيرة لها طابع داخلي واقليمي ولبناني على السواء. ففي الموضوع الداخلي، اجتهد النظام السوري في محاولة طمأنة الرأي العام الى نيّته القيام بالكثير من الإصلاحات، وإلى نيّته القيام برفع المستوى الاقتصادي للشعب السوري ايضا. وفي الموضوع الاقليمي، خالف الرئيس السوري التوقعات كلها، فذهب الى حد إبداء الدعم الصريح للمملكة العربية السعودية في البحرين، وعارض التوجهات الايرانية، ولم يكن تأييده هذا تسليفا للسعودية، او معدّا للاستثمار في لبنان او في فلسطين، بل كان قرارا وقائيا على مستوى المنطقة، مُعدا لمنع تأثر الداخل السوري بالاحتقان الطائفي الذي بات يمتد من المحيط الى الخليج. أما في الموضوع اللبناني، فإن التحسّب السوري تمثّل في تأخير تشكيل الحكومة، انتظارا لمحاولة التوصل الى حل وسط مع المملكة العربية السعودية، تتيح محو الآثار السلبية التي نتجت عن دعم سوريا حزب الله في اسقاط حكومة الحريري، وهذا التحسّب ادى ايضا الى ابقاء قنوات الرئيس المكلف نجيب ميقاتي مفتوحة، انتظارا لتسوية يمكن ان تهبط في اللحظة الاخيرة. ويبقى السؤال: هل سقط الآن التحسّب السوري، بعد أن عجزت الخطوات الوقائية عن منع وصول شرارة الاحتجاجات الى سوريا؟
الواضح ان احداث درعا واللاذقية انضجت لدى القيادة السورية خيارا ترجيحيا في الملف اللبناني، سوف يذهب الى تذليل عقد التشكيلة الحكومية وصهر متناقضات الاطراف المتناقضة، والمتضاربة مصالحها، في تشكيلة تصلح لأن تكون تشكيلة حكومية تواجه تحديات تريد منها القيادة السورية مواجهتها في المرحلة المقبلة. وفي معطيات بدأت تتسرّب لغير طرف داخلي، وهي أن القيادة السورية باتت أحوَج الى هذه الحكومة اكثر من اي وقت مضى، وأن هذه القيادة باتت مقتنعة بممارسة الضغوط على بعض حلفائها لتسهيل تشكيل الحكومة اليوم قبل الغد، ينتظر في هذا الاطار ان تمارس الضغوط على العماد عون، ليقبل بحلّ معقول وبحصة معقولة داخل الحكومة.
الواضح اذا أن الاحداث الداخلية في سوريا قد تركت اثرها الفوري على لبنان، وهذا ما سيحكم سلوك حلفاء سوريا، الذين باتوا سيشكلون الاكثرية البرلمانية. وبرأي مرجع ديبلوماسي عربي، فإن لبنان سيكون كملف، في قلب استراتيجية القيادة السورية لمنع وصول الاحداث الداخلية، الى النتيجة ذاتها التي سجلت في مصر وتونس وليبيا. ويعدد المرجع بعضا من الخطوات الخلاصات التي ستطبقها القيادة السورية للدفاع عن النظام، وابرزها: 1 – استخلاص الاخطاء التي ارتكبها النظامان المصري والتونسي، وعدم تكرارها، وتلافي اعتماد تكتيكات تؤجج الاحتجاجات. 2 – الإسراع بوعد الرأي العام بإجراء اصلاحات حقيقية وجذرية لاحتواء الاحتجاجات. 3 – تجنّب ظهور رأس الهرم اعلاميا لتفادي إعطاء المحتجين ووسائل الاعلام العربية والدولية قاعدة انطلاق يبنى عليها للتصويب على النظام. 4 – ربط الساحة اللبنانية بالساحة السورية، وإعطاء رسالة للعالم بأن تهديد الاستقرار داخل سوريا سيكون البداية لهزّ استقرار لبنان. 5 – تحريك المخاوف لدى الاقليات من خطر تسلم الاصولية السنية الحكم في سوريا، وتوجيه هذه المخاوف برسالة عبر البريد السريع الى اوروبا والعالم الغربي. ويبقى السؤال: هل تنجح القيادة السورية في استعمال الملف اللبناني كحائط دفاع متقدم في وَجه الحراك العنيف للشارع السوري؟ اللافت ان ما شهده لبنان من احداث امنية في الايام الماضية يعزز هذه النظرية، ويرغم القوى الدولية والعربية المتابعة للوضع في سوريا، على أخذ العامل اللبناني هذا بعين الاعتبار. وربما، وتبعا لتسارع الاحداث داخل سوريا ومحاولة الربط بينها وبين الملف اللبناني، سارعت الدول الكبرى الى وضع الملف السوري تحت المجهر. وربما وللأسباب نفسها، قامت الادارة الاميركية منذ ايام قليلة، بتشكيل خليّة أزمة لمتابعة الملفّين اللبناني والسوري.

السابق
تكليف انعام عسيران
التالي
حديث الإصلاحات: توقّعات وآمال مقابل خيبات وتآمر