فقدان سورية لـ “توازنها” يطرح اسئلة لبنانية جوهرية

لم يعد تشكيل الحكومة في بيروت مجرد عملية تركيب حقائب واسماء في صراع داخلي على الاحجام في البيت الواحد. لقد تحول الامر مع بلوغ حركة الاحتجاجات العاصفة سورية ومدنها المترامية الى ما يمكن وصفه بـ "العملية الكاشفة" على ثلاثة مستويات مترابطة:* إنها تكشف عن "الاتجاهات" التي يمكن ان يعتمدها النظام في دمشق ولو من بوابة حدث لبناني.
* إنها تكشف عن "المقاربة" التي سيعتمدها النظام في سورية حيال المنطقة والعالم إنطلاقاً‮ ‬من‮ "‬عينة‮" ‬لبنانية‮.‬ ‮* ‬إنها تكشف عن المنحى الذي‮ ‬سيسلكه حلفاء سورية،‮ ‬على تفاوت مستوياتهم،‮ ‬حيال المتغيرات من حولهم‮.‬ قبل احداث درعا السورية كان الاقليمي‮ ‬والمحلي‮ "‬يتوازنان‮" ‬في‮ ‬لعبة تشكيل الحكومة،‮ ‬فسورية‮ ‬يومها ارادت التمهل افساحاً‮ ‬في‮ ‬سبر اغوار التحولات في‮ ‬الاقليم،‮ ‬والداخل كان‮ ‬ينخرط في‮ ‬صراع على الحصص،‮ ‬الامر الذي‮ ‬علق ولادة الحكومة لنحو شهرين‮.‬ الآن الامر بدا مختلفاً‮ ‬وعلى نحو جوهري،‮ ‬فسورية،‮ ‬التي‮ ‬بدت مضطربة مع احداث تونسي‮ ‬ومصر وليبيا واليمن،‮ ‬صارت في‮ ‬قلب العاصفة،‮ ‬التي‮ ‬ما بعدها ليس كما قبلها على الاطلاق،‮ ‬لا في‮ ‬دمشق ولا في‮ ‬بيروت ولا في‮ ‬عموم المنطقة التي‮ ‬تشكيل سورية الاقليمية واحدة من دولها المركزية،‮ ‬ان لجهة موقعها على خط التماس العربي‮ ‬ـ الاسرائيلي،‮ ‬وإن لجهة موقعها على خط‮ "‬ربط النزاع‮" ‬العربي‮ ‬ـ الايراني‮.‬ من هنا فإن ارتباط تشكيل الحكومة،‮ ‬في‮ ‬ولادتها او استمرار مخاضها،‮ ‬اصبح وثيق الصلة بما‮ ‬يجري‮ ‬في‮ ‬سورية تحديداً،‮ ‬وفي‮ ‬التداعيات المتدحرجة للتطورات التي‮ ‬تشهدها دمشق،‮ ‬خصوصاً‮ ‬وان الجميع‮ ‬يدرك،‮ ‬في‮ ‬الداخل والخارج،‮ ‬ان اسقاط حكومة سعد الحريري‮ ‬تم بقرار سوري،‮ ‬وان الاكثرية الجديدة ولدت على‮ ‬يد القابلة السورية،‮ ‬مما‮ ‬يعني‮ ‬ان ما‮ ‬يجري‮ ‬في‮ ‬دمشق‮ "‬شريك اساسي‮" في‮ ‬تحديد خيارات‮ "‬السلطة الجديدة‮" ‬في‮ ‬بيروت‮. ‬ واللافت في‮ ‬هذا السياق ان دمشق التي‮ ‬اوحت على مدى نحو شهرين من ازمة تشكيل الحكومة انها ليست معنية،‮ ‬اطلقت على وقع احداث درعا،‮ ‬وفي‮ ‬مستهلها،‮ ‬اشارات مغايرة،‮ ‬تجلت في‮ ‬امرين‮:‬ ‮* ‬قرار الرئيس بشار الاسد باستقبال اقطاب من حلفائه اللبنانيين‮: ‬وليد جنبلاط،‮ ‬سليمان فرنجية،‮ ‬المعاون السياسي‮ ‬للأمين العام لـ‮ "‬حزب الله‮"‬،‮ ‬والمعاون السياسي‮ ‬لرئيس مجلس النواب نبيه بري،‮ ‬اضافة الى طه ميقاتي،‮ ‬شقيق الرئيس المكلف تشكيل الحكومة نجيب ميقاتي‮.‬
* ما نُسب الى مصادر اميركية عن ان الرئيس الاسد ارسل عبر وسطاء الى الاميركيين والفرنسيين والسعوديين اشارات مفادها انه لا يمانع بعودة الحريري الى رئاسة الحكومة، وهو الامر الذي فسر بأنه محاولة لكسب ود السعودية والمجتمع الدولي.
وبهذا المعنى فإن امر تشكيل الحكومة في بيروت تحول الى ملف من مجموعة ملفات يقارب من خلالها الرئيس الاسد الاوضاع الجديدة في بلاده، كقانون الطوارئ ورفع الرواتب وحرية الاعلام وقانون الاحزاب، وما شابه من "افكار" لامتصاص نقمة الداخل ولاحتواء غضب الخارج.
بعيد لقاءات الاسد اللبنانية جرت في بيروت إندفاعة في اتجاه تشكيل الحكومة من خلال مسودة وضعها الرئيس ميقاتي بمباركة من رئيس الجمهورية ميشال سليمان والنائب وليد جنبلاط. وقيل يومها ان العماد ميشال عون قام بتعطيلها بمؤازرة "حزب الله"، قبل ان توحي الامور وكأنها عادت الى المربع الاول.
هذا الدوران الحكومي على طريقة خطوة الى الامام خطوتين الى الوراء جرى يوم كانت الاحتجاجات في سورية تتم داخل درعا وعلى تخومها، اما اليوم فإن "بقعة زيت" الاضطرابات إنفلشت على نحو مثير حتى بدا الامر وكأن سورية انضمت الى قوس الاحتجاجات الممتد من تونس الى الاردن، مروراً بمصر وليبيا واليمن.
ازاء هذا الواقع المحكوم بمتغيرات متسارعة "تنتصب" في بيروت اسئلة جوهرية، منها: كيف سيتصرف الرئيس ميقاتي الذي ادارت له السعودية ظهرها وينتظره المجتمع الدولي "على الكوع" ويكاد الآن ان يفقد مظلة الاسد المحتاج الى مظلة؟ وكيف سيتصرف "حزب الله" الذي كان "قلب الطاولة" على رأس نصف اللبنانيين حين اقصى الحريري ومعه "14 آذار" عن السلطة؟ وهل من تبديل في خيارات "14 آذار" والحريري بعد قرار عدم المشاركة والانتقال الى المعارضة؟
انها اسئلة مركزية لا مكان فيها للعبة الصراع على الحقائب و"تناتشها"، فالأهم صار اي لحظة ستواجه لبنان في الوقت الذي تكاد سورية ان تفقد توازنها؟

السابق
“العربية”: استقالة الحكومة السورية متوقعة الثلاثاء المقبل..
التالي
ملك البحرين اتصل بالأسد مؤكداً وقوف بلاده إلى جانب سوريا بوجه المؤامرة