ديمقراطية المجتمعات النامية

إذا كانت الديموقراطية تعني حكم الشعب الذي يحاسب ويراقب ويشرع في اطار الدستور الذي ارتضاه وأكد فيه على مبادئ مثل العدالة الاجتماعية والمساواة، وتداول السلطة، والوحدة الوطنية، والتعددية الفكرية، والولاء للوطن وغيرها فإن حرية الاختلاف في الرأي مسار مشروع وضروري لأي مشروع إصلاح وتطوير، ومحاربة للممارسات والسلوكيات التي عادة تنحرف أو لا تتوافق مع كل ما يتضمنه الدستور ويؤكد عليه. لكن الديموقراطية ليست لباسا واحدا للجميع، فهناك ديموقراطيات مختلفة تتوافق مع القيم والتاريخ والموروثات والمعتقدات وغيرها من عناصر تشكل مكونات اجتماعية وسياسية لكل مجتمع، وتعتبر ايضا ديموقراطيات لكن ليست على غرار الديموقراطية الغربية مثلا التي أصبحت نموذجا في هذا العصر.

الشيوعية والاشتراكية والماركسية مثلا رغم بعدها عن الديموقراطية الغربية إلا انها ايضا أشكال أخرى من الديموقراطية عند الذين يؤمنون بها ولديهم أيديولوجياتهم وتصوراتهم عن الحياة والمستقبل. فلا ننسى تمسك السوفيات بالشيوعية واعتبارها النظام الأمثل للعالم. ومن منا لا يتذكر المبادئ الاشتراكية التي نادت بالعدالة في الحقوق وتوزيع الثروة على الناس ومحاربة الاحتكار وتسلط النخبة، ومن منا لا يعايش مسألة تضخم الفجوة بين الغني والفقير في مجتمعات غربية تعتمد على الرأسمالية؟
ان الديموقراطية الغربية ليست تماما هي الديموقراطية اليابانية أو الهندية أو الروسية، فهناك ديموقراطيات متنوعة تأخذ من بعضها البعض، والاختيار يبنى على أساس ظروف البيئة ونظام المعيشة وبما يتناسب مع تطلعات الناس في مستقبل حياتهم. وعندما تتعدد الديموقراطيات، فإن كل ديموقراطية يجب أن تحترم الأخرى، فلا تهيمن أو تفرض ديموقراطية معينة نفسها على أنها الأمثل، أو لا بد للعالم أن يتغير من أجلها لأنها الأفضل. لذلك لا نبالغ إذا قلنا ان استيراد ديموقراطيات لمجتمعات لا تتوافق مع أوضاعها خلقت أزمات بعضها تخفت بلباس الثيوقراطية أو الديكتاتورية بينما تدعى بالديموقراطية، أو انها تمارس ديموقراطية شكلية هزيلة ومبتورة.

الإشكالية الكبرى في الممارسات الديموقراطية تتعلق بظاهرة استيراد المجتمعات النامية للديموقراطية الغربية غير المتوافقة مع قيمها وكامل شؤونها. فماذا يفيد تبني ديموقراطية غربية في مجتمعات قبلية أو أنظمة عرقية ومذهبية تخلط الدين بالسياسة في ظرف حياة مختلفة ترسخت في جذورها التاريخية والمعتقدية؟ النتيجة هو ما نشاهده اليوم من تمزق في كيانات هذه المجتمعات وحدوث الكثير من الاضطرابات السياسية والأمنية فيها. ثورة الشباب مثلا والتي نشاهدها في هذه الأيام هي نتاج الصراع بين ديموقراطيات غازية وبين ديكتاتوريات محلية مضطهدة للناس. فلا الديموقراطية الغربية صالحة تماما لهذه المجتمعات، ولا الديكتاتورية التي حكمت لأعوام طوال وحاولت تبني سياسات الانفتاح والهدوء استطاعت أن تخلق حالة اتزان وتطور لشعوبها. هذا الواقع خلق تفككا في نسيج الوحدة الوطنية ونزاعا بين فئات المجتمع الواحد انعكس بكل تداعياته السيئة على إنجازات الأمة وتدهور أوضاعها، وربما ضياعها.

السابق
قداس احتفالي في صور لمناسبة عيد الام
التالي
موسى: لا أحد يعرف الى أين سيتجه تأليف الحكومة