في ذكرى تحرير صيدا.. الحلم الذي انكسر

شهداء صيدا
في مثل هذا اليوم منذ 33 عاماً، في 16 شباط 1985 اضطر العدو الإسرائيلي إلى سحب جيشه من مدينة صيدا ومنطقتها بعد احتلال دام لأكثر من 33 شهراً، لم يستطع العدو في خلالها الاستقرار في المدينة، ولم ينجح في تطبيع وجوده مع أهالي المنطقة.

لقد انهزم واضطر للانسحاب لسببين، السبب الأول: الموقف الصيداوي الوطني الحاسم والموحد الرافض للاحتلال والذي لم يستطع العدو الإسرائيلي من اختراقه على الرغم من المحاولات العديدة. كان موقف الأهالي والقوى الوطنية حاسماً وسريعاً من خلال التحرك بمختلف الوسائل ضد الاحتلال، والدفع باتجاه انسحابه من المنطقة. ولم يستطع بعض الأشخاص الذي حاول أن يروّج للاحتلال في بداياته أن يشكل حالة بلدية عامة. إذ سرعان ما تراجع هؤلاء تحولوا إلى حالة شاذة انتهت بانتهاء الاحتلال.
السبب الثاني: نجاح العمليات الفدائية التي نفذتها أطراف سياسية وطنية متنوعة وعاملة ضمن إطار جبهة المقاومة الوطنية، بإنزال خسائر فادحة في قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي وعملائه، وكانت التجربة رائدة ونموذجية يحتذى بها من خلال التنسيق والتعاون بين قوى وطنية مختلفة، فقد قاتل الناصري إلى جانب الشيوعي، والإسلامي إلى جانب القومي، وتعاونت قوى فلسطينية مع قوى لبنانية للوقوف في وجه الاحتلال.

اقرأ أيضاً: ذكرى تحرير صيدا: الاحتلال زال فهل الوطن باقٍ؟

عملية احتلال المدينة ومنطقتها كانت كارثة بحق الناس. مئات من الضحايا سقطوا خلال العملية، هل يمكن أن ننسى الشهداء والضحايا الذين دفنوا في المكان الذي يطلق عليه اليوم ساحة الشهداء ليكونوا شاهدين على قساوة الاحتلال مدى التاريخ؟ وهل تنسى عمليات تجميع الناس عند شاطئ البحر لساعات وأيام طويلة، واحتجاز الشباب في معمل صفا قبل نقلهم إلى أنصار وإلى داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة؟
شهداء المدينة أتوا من كل الوطن. فضل سرور من عيتا الشعب، وخليل قوصان من عيترون إلى جانب شهداء من المدينة نفسها كجمال الحبال ومحمود زهرة وغيرهم، وهل تخوننا الذاكرة وننسى من تم اختطافهم مثل ياسر البخاري ابن طرابلس وإبراهيم الكبش ابن صيدا وغيرهم، ولا يمكن أن ننسى كبيرنا المخطوف محي الدين حشيشو.
عندما انطلقت المقاومة بمختلف الوسائل، قال لي أحدهم: وهل تقاوم العين المخرز؟ أجبته بهدوء: إذا تكاثرت العيون ستتعب يد حامل المخرز. كنا نحلم بتحرير الأرض وتوحيد الوطن. كانت المقاومة الوطنية، بالنسبة لنا، مدخلاً لتوحيد الشعب بكل مكوناته بوجه العدو الواحد. لأن ما يخشاه العدو الإسرائيلي هو وحدة الشعب اللبناني، وهذا ما دفعه للعمل على إجراء عملية جراحية في الجسد اللبناني لضرب النسيج الاجتماعي المهلهل أصلاً.
كنا نتوجع عندما يتوهم البعض أن العدو هو حليفه، وأن بمقدوره استخدام العدو ضد شريكه في الوطن. مرة التقيت بأحدهم كان يحمل مسدساً بوسطه، وكان ذلك في تشرين الأول 1982، سألته بحدة: لماذا تضع هذه “الصرماية” على وسطك؟ أجابني لحماية صيدا من الأعداء. سألته: ومن هو العدو بنظرك؟ أليس من يشجعك على قتل شريكك في الوطن؟ وهل سيدعمك من قتل الآلاف من أبناء شعبنا اللبناني؟ حماية المدينة تقضي بوحدة موقفها ضد الاحتلال الإسرائيلي، ابتسم وتابع سيره. بعد تحرير صيدا التقيت به، تجاهلني وأسرع الخطى ولم ينظر أبداً في عيني.
جبهة المواجهة الوطنية التي قادها المناضل المرحوم مصطفى معروف سعد حافظت على الموقف الوطني الصيداوي ونسقت مع القوى الوطنية في المناطق الجنوبية الأخرى. وسجلت العمليات العسكرية ضد الاحتلال في مدينة صيدا أعلى نسبة من عمليات جبهة المقاومة الوطنية ما بين 1982 وحتى 1985.
في تشرين الثاني 1984، صرنا على قناعة أن العدو الإسرائيلي لم يعد قادراً على البقاء في صيدا ومنطقتها، لواء غولاني فشل في القضاء على الفدائيين، الموقف الوطني الصيداوي في تصاعد ضد الاحتلال. هذا الوضع فتح شهية أطراف إقليمية ومحلية للإمساك في المدينة بعد التحرير، وكانت محاولة اغتيال المناضل مصطفى معروف سعد، لكن هذه العملية زادت إصرار الناس على طرد المحتل ورفض الهيمنة على المدينة. آخرون جربوا مشروعاً آخر ضد المدينة تجلى بافتعال معارك شرق صيدا ما أدى إلى تهجير أهلنا من شرق صيدا.
لكن المدينة بقيت على موقفها الوطني المعادي للاحتلال، وأن البندقية لا ترفع إلا في وجه الاحتلال الإسرائيلي، وفي هذا السياق رفضت المدينة المشاركة في الحرب على المخيمات الفلسطينية، وتعرض المرحوم مصطفى سعد لضغوط شديدة لكنه كان حارساً للموقف الوطني اللبناني الذي لا يرى عدواً إلاّ الإسرائيلي المحتل.

اقرأ أيضاً: في ذكرى تحرير صيدا: هل تعود إلى موقعها الوطني؟

بعد عام 1987، وبعد أن كانت المدينة هي الاستثناء الوطني الذي يؤكد قاعدة وحدة الشعب وانتمائه، بدأ الخطاب المذهبي بالبروز كردة فعل على خطابات مذهبية أخرى سادت مناطق مختلفة. وبدأ الوضع يتراجع وخصوصاً بعد اتفاق الطائف حتى وصلنا إلى ما نحن عليه اليوم.
عندما بدأنا بقتال الاحتلال الإسرائيلي حلمنا بتحرير الوطن وتوحيده ورفعنا شعار “الوطن باق والاحتلال إلى زوال. هذا الحكم انكسر، نجحنا في تحرير الوطن، لكننا فشلنا في توحيده في وحدة ديموقراطية، فشلنا في بناء وطن يضم شعباً أفراده مواطنون متساوون ومستقلون، فإذا بنا نعود لنكون رعايا طوائف تقودها زعامات تعتمد المحاصصة والغنائم.
وعدنا لشهداء الوطن أن نبقى مواطنين لا تأسرنا أطر الطوائف ونبقى نحلم بوطن لكل أبنائه يضم شعباً واحداً موحداً ولا يبقى مشروع وطن معلق.

السابق
غانم: بعض من في السلطة حاول تدجين الاعلام وقد فشل في ذلك
التالي
بعد أن قتل والده شعبة المعلومات توقفه أثناء تقبله التعازي به!