سلة الضرائب الجديدة: حبل السرة بين سياسة التجويع والحروب المستحيلة

تظاهرة ضد الضرائب
الأبعاد الاقتصادية والسياسية لمأزق الوضع اللبناني

وقعت الواقعة مجددا، واقر المجلس النيابي سلة ضرائب جديدة، ان اي تدقيق في طبيعة هذه الضرائب يثبت ان الاثر الأشد وطاة سيكون من نصيب الفئات  المتوسطة والفقيرة.

إقرأ أيضا: مجلس النواب يقر ضرائب تطال السلع وتفوق حاجة السلسلة

خلال السنوات الأخيرة بلغ الوضع الاقتصادي عتبة الانهيار، فبعد أن تم  دفع الدولة الى حافة العجز المالي، تحت وطأة ديونها المتراكمة، وبفعل النهب المتواصل لموراردها، وسرقة مرافقها ومرافئها، وبفعل السياسة الانفاقية الممعنة في تبديدما تبقى من مواردها.

عجز متصاعد في الموازنة، وتضخيم للدين العام، وهدر في الانفاق العام، وعجز عن الإصلاح الإداري، وامعان في نهج الفساد والإفساد، وامعان في نهج  التقاسم الطائفي بالتراضي لمقدرات الدولة ومراكزها، ما أدى إلى تحويل هذه الدولة شركة محاصصة،  يتوزع القائمون عليها، بكل مكوناتهم، واحزابهم الطائفية، الحصص والمناصب .

ومن البديهي أن تكون لهذا الانهيار أبعاد سياسية فضلا عن ابعاده الاقتصادية، فالانهيار الاقتصادي والمعيشي هو انهيار سياسي في الاساس.

هذا الانهيار السياسي، هو المحصلة الراهنة لدخول الوضع اللبناني، في مسار من التفكك الطائفي والمذهبي، الذي طاول اطراف المعادلة الكيانية اللبنانبة، ورمى بثقله على مختلف القوى والجبهات والكتل السياسية الفاعلة، بكل ما حملته من توجهات، ومشاريع سياسية منذ مدة طويلة .

فليس امرا بسيطا ان تستهلك الأزمة اللبنانية حتى الآن، كل المشاريع السياسية الكبيرة، مثلما ما تزال تستهلك كل مشاريع التسويات والأدوار الداخلية والاقليمية .

وليس أمرا بسيطا ان تتعطل انتخابات رئاسة الجمهورية الى ما يقارب السنتين والنصف،  وليس امرا بسيطا ان لا يتم إقرار قانون جديد للانتخابات الا بعد ثماني سنوات على البدء في نقاشه، وليس امرا بسيطا ان يجري التجديد للمجلس النيابي للمرة الثالثة، كما انه ليس بامر بسيط ان يتم حسم الصراع السياسي الداخلي بين الكتل السياسية في ايار ٢٠٠٨ بان يحتل احد الاحزاب المتصارعة العاصمة، ويخضعها لقبضة يده  الحديدية سعيا إلى فرض شروطه السياسية، ولا داعي هنا لتعداد المزيد من عشرات تجليات حال استمرار مظاهر التفكك الطائفي والمذهبي والمناطقي، واستمرار حال  الفوضى السياسية المنفلتة من كل عقال  .

وإلى الأبعاد الاقتصادية والسياسية لمأزق الوضع اللبناني، تضاف الأبعاد الاجتماعية، والتي ترتبط بها وعلى نحو عميق، وتنعكس عليها في آن. هكذا يترافق تسارع المأزق الاقتصادي والسياسي مع زحف شبح الكارثة الاجتماعية والمعييشية، الذي بدأ ينذر بعد إقرار سلة الضرائب الجديدة بان يتسع ويعمم تهديده على كافة الفئات الشعبية على اختلاف انتماءاتها الطائفية والمذهبية والمناطقية، ليشمل شرائح جديدة.

ولعل الخوف من هذا الامتداد ومسارعة بعض المسؤولين والناطقين باسم القوى الطائفية، خصوصا الذين يرفعون شعارات الدفاع عن المستضعفين” و”المحرومين” يفسران السعي الدائم من قبل هذه القوى  على المشاركة في حملات  تدوير الزوايا، و في مسلسل يبدأ ولا ينتهي من  منوعات  التهرب، والتبرير، والتضليل عن المسؤولية عن هذه الازمة .

وليس خافيا ان هذه السياسة تهدف في ما تهدف اليه، الى تجهيل الفاعل، والتبرؤ من المسؤولية عن ايصال البلاد الى حافة الكارثة، وايصال الشعب اللبناني الى حال الجوع والعوز، مثلما تهدف من ناحية ثانية، الى تجيير الازمة الاقتصادية والمعيشية لحسساب القوى السياسية التي تقف في مواجهة هذه القوى، مما يؤدي الى تحويلها (الازمة) الى كرة يتبادلها افرقاء الطبقة السياسية، ويتقاذفون اتهام بعضهم البعض بالمسؤولية عنها .

والى ذلك كله، فإن اضطرار جميع أطراف الطبقة السياسية للاشتراك في التبرؤ من تبعات  الأزمة، ينم عن انها أصبحت تلقي بالمزيد من ثقلها على جمهورهم وقواعدهم، واذا كانت عمليات النهب المنظمة قد شكلت في السنوات الماضية قنوات لتقاسم وتوزيع المغانم والموارد، فإن الإمعان في سياسية النهب، قد ادى الى تآكل واستنزاف الكثير مما هو مشترك بين اللبنانيين، من موارد الدولة، الى الخدمات العامة الأساسية، كالكهرباء والمياه والبنى التحتية، والنفايات، وما سوى ذلك، وقد أدى ذلك  الى انكشاف متزايد لمأزق المشروع السلطوي، وما آل لليه من تهميش لفئات شعبية واسعة، هذا الانكشاف شكل مدخلا لتوليد بدايات وعي سياسي  لدى جمهور متسع يقذفه احتدام الأزمة واستفحا لها خارج دائرة الوعي السائد، والتباساته الطائفية، والمذهبية، ويدفعه لأن يفتش عمن ينطق باسمه .

ان ذلك لا يلغي في هذا الطور من أطوار الصراع السياسي-الاجتماعي، واقع غلبة أشكال من الوعي الطائفي العفوي للازمة.

بيد ان الهم المعيشي، الذي ظل غائبا ومهمشا، على المستوى السياسي في برامج وسياسات  اي من أجنحة الطبقة الحاكمة والأحزاب الطائفية، واذا حضر فمن أجل توظيفه في سياق الصراعات السياسية، بين قوى السلطة، لا من أجل  رفعه الى مستوى الأولويات، أو وضعه على جدول المعالجة السياسية   .

وهكذا أصبح الهم المعيشي مادة تكتيك يستخدمها هذا الطرف اوذاك في معاركه السياسية الفئوية، من دون أن ينطوي هذا الاستخدام، على اي حضور فعلي للمسألة الاجتماعية في جدول أولوياته، التي يجري تحديدها في الواقع، وفقا لمصالحه السياسية الفئوية، وتبعا لمقتضيات معاركه، وأولوياته الخاصة .

يضاف إلى ذلك أن الاستخدام التكتيكي للهم المعيشي، لا يؤدي إلى تهميش هذا الهم على المستوى السياسي فحسب، بل  يؤدي الى ان يلعب الحزب الطائفي دورا أساسيا في تضليل الفئات الشعبية، والحيلولة دون أن تبلور وعيها، بشكل موحد لواقع همومها ومصالحها المعيشية -السياسية الواحدة .

واذا كانت تجارب العقود الاخيرة تقدم عشرات الوقائع التي تؤكد مرارا وتكرارا إدارة الظهر  من قبل الطبقة الحاكمة للمطالب المعيشية للفئات الشعبية، فإن غياب هذا الهم عند الأحزاب الطائفية، التي تقدم نفسها باعتبارها تدافع عن مصالح “المحرومين” والمستضعفين” الأمر الذي يؤشر الى مفارقة واسعة بين الخطاب السياسي الشعبيوي لهذه الحركات، وبين واقع ممارستها المتناقضة حقيقة، وواقعا مع مصالح الفئات الشعبية، هذا ما تؤكده غربتها  عن صعيد النضال الاقتصادي، والنقابي، والشعبي، كما تؤكده الكثير من الممارسات التي قامت بها هذه الأحزاب لإجهاض وتخريب الكثير من التحركات الشعبية، يصل في الكثير من الأحيان، إلى حد الاعتداء عليها بالسلاح. ولنا في ما حدث أثناء تحركات الحراك الشعبي في العام ٢٠١٥ احد الادلة الحية والقريبة على ذلك  ..

وهنا لابد من الإشارة إلى أن واقع مسؤولية هذه القوى عن الامعان في مسار التطييف الشامل، الذي ما زال يتولد على غير انقطاع، والذي أصاب الكتلة الشعبية اللبنانية، وحولها الى كتل مفككة، تعيش تحت هم معيشي واحد، من دون أن تكون قادرة على تحقيق وحدتها، واستعادة وعيها لمصالحها، وضرورة التواصل بين أطرافها.

والانكى من ذلك كله، أن هذه الأحزاب تمارس سياسة تغطية السماوات بالقبوات، ولنا في هذا المثال الحي والقريب خير دليل على ذلك. عند إقرار سلسلة الرتب والرواتب منذ أشهر، وفي أحد بيانات كتلة الوفاء للمقاومة في تلك المناسبة أصدرت الكتلة بيانا جاء فيه: “بذلنا جهودا لانتزاع المطالب المشروعة لاصحابها، وعارضنا زيادة الضرائب، ونأمل بعد اقرارالسلسلة بتحريك الركود الاقتصادي”.

وبعيد اقرار سلة الضرائب الجديدة من قبل المجلس النيابي منذ يومين، صرح احدنواب حزب الله “ليبشرنا” بان الحزب لم يوافق على رفع نسبة الTVA من 10 % الى11%.

مااقل بلاغة الأحزاب الطائفية، وماابلغ بؤس منطقها، عندما تقدم نفسها مدافعا عن المستضعفين، وعندما تقوم بمحاولة تضليلية فارقة ومكشوفة، لتبييض صفحة سياساتها، والتبرؤ من مسؤوليتها، كشريك اصيل لكل أجنحةالطبقة الحاكمة، وشريك اصيل في المسؤولية عن الازمة الوطنية السياسية الاقتصادية الاجتماعية الشاملة، وعن حال الانهيار المعيشي، الذي وصل الى حال ليس كمثله حال، ولم يشهد اللبنانيون مثله في المراحل السابقة، لا خلال سنوات الحرب الأهلية، ولا في اي من سواها من سني عهدهم بالاستقلال، والذي يهدد بإيصال الأكثرية الشعبية الى حافة العوز والمجاعة. أوليس هذا من فعل أياديكم، ومن نتاج سياسستكم أيها السادة؟

أوليس هذا نتاج امعانكم في خوض الحروب المستحيلة والعبثية، حروب الطوائف والمذاهب، في الداخل، وعلى امتداد المنطقة، هذه الحروب إلتي لإمكان فيها لمصالح الفئات الشعبية، ولا هي من مستلزماتها، ولا من أولوياتها، وليست مطروحة البتة على جدول أعماله؟

إقرأ أيضا: بالتفاصيل: هذه هي الضرائب التي أقرّها مجلس النواب في جلسة 16 اذار 2017

ما عرضناه ليس سوى لقطة واحدة من مشهد حي، للعلاقة العضوية بين سياسات الجوع، وسياسات الحروب المستحيلة. هي مجرد لقطة وليست كل المشهد.

السابق
المحكمة العليا الأميركية تبطل طعناً على حظر السفر
التالي
الخارجية الاميركية تنشر صورتي القياديين في حزب الله «شكر» و«حمية»