«العرساليون» وماذا يريدون!

لفتت انتباهي اليوم في شريط أخبار أحدى المحطات الفضائية عبارات مثل: “العرساليون”، ويريد العرساليون، ويقبل العرساليون.. إلخ.
حبذا لو أقلعوا عن هذا السجع وفعلوا ما يريدون فعله بعيداً عن هذا الإقحام لـ يقبل ويريد “العرساليون”..
من يعرف ما يريد “العرساليون” وكيف؟
ومن يبالي حقاً بما يريده أهالي عرسال؟
عرسال بلدة نائية كانت صغيرة ويعتاش أهلها على زراعات بعلية اعتماداً على مطرٍ شحيح، إن بخلت السماء به خسر المزارع ما بذره في الأرض، وإن لم تبخل حصل على “مُونة” عياله لعامٍ كامل المقتصرة على الطحين والبرغل والكشك و..
ولم يحصل العرسالي من دولته إلا على التهميش والحرمان ومحاصرة الجيش لها في بعض المحطات، مثل فترة الخمسينيات كعقابٍ لها على تفاعلها مع الحالة القومية في مواجهة حلف بغداد في تلك الفترة.

اقرأ أيضاً : «حزب الله» يتحضّر لمعركة جرود عرسال
وتفاعل عرسال مع الحدث القومي ميزة لثقافة أهل هذه البلدة التي كانت دائماً عروبية وما عرف التطرف الديني وجوداً فيها يوماً، منذ الخمسينيات ومرحلة المد الناصري، إلى مرحلة الثورة الجزائرية والمقاومة الفلسطينية في الستينيات، مروراً بمرحلة السبعينيات والتسعينيات يوم خرجت عرسال بقضها وقضيضها في مظاهرة حاشدة إدانةً للغزو الأميركي للعراق، رغم إحصاء المخابرات السورية في تلك الفترة على الناس أنفاسهم، ورغم الاستدعاءات التالية لكل من اشتبهت أنه كان وراء تنظيم تلك التظاهرات..

في الفترة التي كان اهالي المناطق النائية والمهمشة يتوافدون بشكل شبه جماعي إلى بيروت بحثاً عن لقمة العيش، كان أهالي عرسال يتوجهون نحو جرودهم البعلية البعيدة الجرداء، يحفرون الأرض ليضعوا فيها أغراس الكرز المرة بعد المرّة، فليس كل ما يضعونه في تلك الأرض تُكتَب له الحياة بسبب قلة الأمطار، ثم يرعونها بعد ذلك ما يزيد عن عشر سنوات لتبدأ بالإنتاج الأولي، حتى أصبحت تلك الجرود تضم ملايين الأشجار المثمرة من الكرز والمشمش، إضافةً إلى مقالع الحجر التي انتشرت بالمئات، وما لحق بها من مناشير الحجر وورشات التلبيس وغيرها مما أتاح لأهالي البلدة آلاف فرص العمل، فازدهرت إلى حدٍ ما أحوال الناس المعيشية في تلك الظروف الحياتية القاسية، وانعكس ذلك انتعاشاً في كل المنطقة المحيطة بشكلٍ ما..
ثم جاءت الأحداث السورية وكان ما كان..

تعاطف الناس مع المنتفضين في سورية. تدخل حزب الله في سورية وهجر أهالي عشرات القرى التي وجدت ملاذاً لها في بيئة مؤيدة سياسياً ومتعاطفةٍ إنسانياً، انتشر مسلحو المعارضة في الجرود من الجهة السورية واللبنانية، بدأ حزب الله الحشد في الجرود استعداداً للمعركة، تمت شيطنة عرسال ودعشنتها في الإعلام، وتم التحريض عليها في المنطقة التي تشكل البيئة الحاضنة لحزب الله، وهي تشكل الممر الوحيد لأهالي عرسال في طريق يمتد لحوالي ستين كيلومتراً أو يزيد، تعرض أهالي عرسال لشتى أنواع التعديات، افتعلت داعش حربها على الجيش اللبناني بسبب اعتقال مسؤولها على أحد الحواجز التي اعتاد المرور عليها، بقدرة قادر بدأت فصائل المعارضة من الجيش الحر وغيره بالتآكل لصالح داعش والنصرة، حصلت معارك الجرود، ووقع أهالي عرسال بين أكثر من فكّي كماشة: سيطرت داعش والنصرة وحزب الله على الجرود وحرم أهالي عرسال من موارد رزقهم، تعرضوا للمحاصرة من المناطق المجاورة، تم تصوير عرسال وكأنها مجاهل طورابورا في أفغانستان..
وبعد أن تجاوزت عرسال القطوع الخطر جداً بدأ يتبين أن كل ما كان يروّج لم يكن صحيحاً، وكانت المحطة الأهم التي أظهرت زيف الاتهامات ضدها هي محطة الانتخابات البلدية.

جبهة عرسال النائمة إستيقظت فما الذي حصل ليل الثلثاء؟

اليوم يبدو أن هناك ما يحضّر للمنطقة، وبوادر ذلك بدأت بالظهور منذ شهور، وزادت هذه المؤشرات وضوحاً مع ما جاء في أكثر من كلمة لأمين عام حزب الله حسن نصرالله، وما حصل أخيراً خلال مداهمات الجيش لمخيمات اللاجئين السوريين.
وما يحضّر يتم في مطابخ المشاريع السياسية، والطباخون معروفون، والمشاركون في التنفيذ أيضاً معروفون..
التمظهرات الأمنية تعكس ما يتم رسمه في مطابخ الخطط السياسية.
وعودٌ على بدء، إن ما يحكى اليوم وما يسوّق له عما “يريده العرساليون” وما “يقبله العرساليون” قد لا يكون إلا ما يراد تنفيذه من قبل الممسكين بزمام الأمور والقرار.
“العرساليون” لا يريدون إلا “رحمة الله” كما يقول أهلنا. ولا أحد في الحقيقة يهمه ما يريده العرساليون.
افعلوا ما تودون فعله، لكن اتركوا “العرساليون” بعيداً عن خطاباتكم الإنشائية المبتذلة.
هذا رأيي.

السابق
الكلمة الحرفية للسيد نصرالله حول انتصار الموصل
التالي
النازحون السوريون يغادرون عرسال وحزب الله يتكفل إيصالهم إلى بلداتهم