إدانة وافية لإغتيال ناهض حتر

كان من الطبيعي أن تنْساب الإدانات لإغتيال الكاتب الأردني ناهض حتر لدى أبناء محور “الممانعة”، الذين تحولوا بلمحة بصَر إلى أصحاب منصّات للحرية. فالكاتب الغزير كان قلما مدافعا عن كل ما يدافع عنه هذا المحور: إيران، روسيا، بشار الاسد… وإن عجزت صحافة هذا المحور، اللبنانية خصوصاً، عن تحمّل تطرّف أرائه وعنصريته تجاه السوريين، فاستغنت عن خدماته.

وكان لافتاً، بالمقابل ان إدانة الجريمة في المعسكر المقابل، غير الممانع، توزعت بين إدانة “واجبة”، تعتمد الصيغ المعهودة، ولا تزيد، وبين إدانة ملتبسة، تقرأ بين سطورها، وفي قلب هذه السطور أحياناً، شماتة صامتة، تتلوّن باللامبالاة حيناً، وبالقهْقهة الملتوية أحيانا أخرى. هذا الموقف الأخير، أو “العواطف” الأخيرة، هي التي أود مناقشتها.

ناهض حتر ذهب ضحية مناخ، ليس جديداً لا على الاردن ولا على بقية الدول العربية. فقد درج الحكام العرب الشاعرين بتناقص شرعيتهم، أن يبحثوا في الدين، أو في رموزه، أو في الأحزاب الناطقة باسمه، عن ما يرفع من هذه الشرعية درجة. بإختصار، كان الدين وتجلياته، في العقود الثلاثين الأخيرة من الحكم العربي التسلّطي مادة تلاعب سياسية، افتتحها “الرئيس المؤمن” أنور السادات، وامتهنها اللاحقون عليه، حتى أولئك الذين حاربوا أحزاب الإسلام السياسي (مثال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، عدو “الإخوان المسلمين” والصديق السرّي للأيديولوجيا الإخوانية).

اقرأ أيضاً : بالصورة: الكاريكاتير الذي يتردد أنّه سبب اغتيال ناهض حتّر

الحكم الأردني لم يخرج عن هذه القاعدة من زمان، مع رتوشات “حداثوية” هنا وهناك. ولكنه في الفترة الأخيرة مالَ إلى زيادة وتيرة هذا التلاعب، فسمح لـ”الإخوان المسلمين” وقليل من حلفائهم بالصعود إلى البرلمان، كمعارضة “شرعية سلمية”، وإن ضئيلة؛ وقبل هذا السماح بشهر أو أكثر أقام رئيس وزرائه ووزير داخليته دعوى على الكاتب ناهض حتر، بعدما أعاد نشر رسم كاريكاتوري، اعتبراه “مسيئاَ الى الدين” و”دعوة إلى الفتنة الطائفية”.

فتعزّز بذلك مناخ مؤاتٍ لإغتيال حتر. فناهض حتر لم يُقتل بسبب أفكاره العنصرية المتطرفة، الثقيلة على الحمل، وهو لو كان كذلك لوجبت الإدانة أيضاً. إنما هو قتل بعدما أعطى لنفسه شيئاً ضيئلاً من الحرية مع الدين، بنشره رسماً لا يسىء أصلاً الى الدين، ولا هو رسمه؛ لكنه، هو المسيحي، النصراني، الملحد، يحشر انفه في ديننا، كنزنا الوحيد المتبقي لنا؟ هذا ما لم يتحمّله إمام جامع في إحدى القرى البعيدة، الذي تشرّب المناخ المؤاتي، واستوعب إشاراته بممنوعاته ومسموحاته.

والحال، ان الإتجاهات “الليبرتارية” تجاه الدين وقضاياه، تجدها في المعسكرين: معسكر ناهض حتر، الممانع، المؤيد لبشار وبوتين وخامنئي، أي المؤيد لعدة اتجاهات حول الدين، اجتمعت على محاربة الإرهاب الاسلامي، بمشاركة ميليشيات إسلامية، من مذهب آخر. وتجده أيضا في المعسكر الآخر، الذي تتراوح فيه الولاءات السياسية، ولكنها تلتقي حول العداء لبشار الأسد وحلفائه. ومن بين :هؤلاء الملتقين، تجد السلفيين والإرهابيين ودعاة القتل على طريقة الإمام الأردني، إن لم يكن أكثر.

اقرأ أيضاً : نديم قطيش: أمام جثة ناهض حتّر كلنا مغتالون

حسناً، إذا كان الممانعون ينعمون حتى الآن بنوع من الإتساق السياسي الشكلي، كونهم “يحاربون الإرهاب الاسلامي”، أو يتذرّعون به، فان العائشين على أراضي المعسكر المقابل من “الليبرتاريين”، لديهم مشكلة وجودية مع الجناح الإسلامي في قلب معسكرهم. كل هذا للقول ان من استهدف ناهض حتر، يمكن أن يستهدف، أو استهدف وخلص، أي “ليبرتاري” ديني يرسم أو يتفوه أو يكتب أو يؤشر إلى الدين، أي مواطن يعتبره “حماة الدين” كافراً بوّاحاً تجدر به رصاصتان في الرأس، أو ذبحاً شرعياً…

لا فرق من هذه الناحية بين الضحايا “الليبرتاريين” من المعسكرين. يختلفون حول الاستراتيجية السياسية المفترض اتباعها، فهذا حليف ايران الإسلامية، يعتمد على ميليشيات اسلامية، والآخر يعتمد على عسكر الفرق الإسلامية، أيضاً، إلا أن الإثنين يلتقيان في عدائهم للتكفيريين. واقتصار العداء ضد التكفيريين على جماعة محور إيران وميشياتها، إنما هو مثل بناء سور إسمنتي مرتفع، يحجب عداء مماثلاً في المحور المعادي له.

نحن جميعنا هنا ضحايا محتملين للتكفيرية المتلاعَب بها، أو الملعوبة. لذلك، فدفاعاً عن أنفسنا، ودفاعاً عما تبقى من إيماناتنا، علينا إدانة إغتيال ناهض حتر. ليس من طرف شفاه، ولا بشماتة ممْسوكة، إنما من قلبنا، تثبيتا لصدورنا في مقاومة كل أشكال الموت، ومن بينها الموت”الديني”.

( المدن)

السابق
روسيا اقترحت هدنة 48 ساعة بدلا من 7 ايام
التالي
الحريري: المبادرة تجعلك تكسب