السيد محمد حسن الامين: لا مجال للمفاضلة بين العلم والإيمان

درج عدد من الدعاة على الدمج من الدين والعلم، والقول ان القرآن يحتوي على تنبؤات علمية، حتى أصبح شائعا مصطلح "الاعجاز العلمي"، فهل هذا المنطق هو سليم وصحيح ومن شأنه ان يجذب الناس نحو الايمان ام ان نتيجته سوف ترتدّ عكسيا؟

يجيب سماحة العلامة المفكر الاسلامي السيد محمد حسن الامين عن هذه الاشكالية بقوله: “يخطئ الكثيرون الذين يحاولون المفاضلة بين العلم والإيمان، فتارة يكون هذا خطأ من المؤمنين بالعلم، وتارة يكون من المؤمنين بالوحي، ومصدر هذا الخطأ في نظرنا هو أن كلاً من الطرفين اللذين ذكرناهما يقعان في خطأ المفاضلة بين حقلين من حقول المعرفة مختلفين تماماً، حيث أن الإيمان والوحي هو دليل الإنسان إلى ما هو غيبي أي لا يقع تحت طائلة العلم والبحث العلمي البحت، ذلك أن العلم موضوعه الظاهرة الماديّة التي تقع داخل دائرة رؤية العقل وقدرته على التحايل والتركيب والاستنتاج وبالخصوص لتحقق التجربة العملية. وهنا أود أن أفرّق بين نوعين من العلم، هما العلم البحت الذي لا تخضع نتائجه لموضوع الخطأ والصواب إلاّ بحدود قليلة وغير ملحوظة كعلم الرياضيات والفيزياء والكيمياء وغيرهم، وهي العلوم الطبيعية، وبين العلوم الإنسانية، كعلم الاجتماع وعلم النفس، والأدب والفكر والفلسفة، فإن مثل هذه العلوم تبقى نتائجها ترجيحية وليست يقينية، وهي قابلة للنقاش والكشف والتطور والتغيّر، وكذلك كل علم لا يقع تحت طائلة التجربة ويندرج فيه العلم المتعلق بالكون والمجرات وبداية وجود الإنسان، أي ما يعجز العقل عن إدراكه وإخضاعه لليقين والتجربة، كوجود الله تعالى وعملية الخلق، وبداية الكون، وكل ما هو في دائرة الغيب، فإن مصدره لدينا هو الإيمان المستمدّ من الوحي.

إقرأ أيضاً: السيّد محمد حسن الأمين: ما نعيشه ليس صحوة اسلامية بل أسوء تخلّف في تاريخنا
ويتابع السيد الأمين: “هنا أتذكر مقولة ابن رشد وكتابه المعنون “فصل المقال في ما بين الحكمة والشريعة عن الاتصال”، الذي بحث فيه إلى حدّ كبير هذه المسألة وهي مسألة العلاقة بين العقل أو الحكمة وبين الشريعة، ولم يجد أي تناقض بين أحكامهما، علماً أن الوحي وخاصة القرآن الكريم، فإنه يركّز أكثر ما يركز على استخدام العقل والتأمل في الكون وفي المخلوقات ويحض على اكتشاف القوانين التي يتحكّم بالعالم وبالمادة، مما يعني أن الإيمان في الإسلام لا يعني أن الوحي الإلهي قدّم كل الإجابات العلمية المفروضة أمام العقل بل اعتبر أي القرآن، أن العقل مطالب بأن يعمل ويكدح ويتعرّف على الإنسان والكون والحياة”.

وعن علاقة التطرّف الاسلامي بالرؤية الدينية التي تستفيد من العقل والعلم وتعمل بهما يقول السيد الامين: ” التطرف في العصر الحديث هو رؤية خاصة للدين ودور الدين في المجتمع الإنساني، وفي اجتماعنا الإسلامي، فإن التطرف ينبثق عن رؤية تتضمن، أن تغييب الإسلام عن شؤون الحياة هو نوع من الكفر بالإسلام، وأنه يشكّل رغم تقدّم العلم صور من صور العودة إلى الجاهلية، وليس لديهم القدرة، أو لفكرهم الديني القدرة على استيعاب الكثير من المتغيرات مما يدفعهم إلى الاعتقاد، بأن الاجتماع الإسلامي، إما أن يكون اجتماعاً على الصورة المثالية التراثية التي يؤمنون بها، وإلا فهو يكون اجتماع كافر، هذه رؤية لا يقرها العقل ولا يقرّها الدين، وهي ادعاء باطل وتطرّف في فهم الدين الإسلامي وتدخل فيه عناصر بعيدة عن الدين ومنها عنصر الرغبة في السيطرة والهيمنة وامتلاك السلطة بإسم إعلان تقديس الدين واستغلال شعور المؤمنين البسطاء ليكونوا جمهوراً لمثل هذه الدعوة الدينية المتطرفة”.

إقرأ أيضاً:السيد محمد حسن الأمين: لا يجوز لمن يمجّد ثورة الحسين ان يدعم أنظمة ظالمة

ويوضح السيّد الامين ان “التطرف يقدم قراءة للدين تتناسب وتطلعاته السياسية أو الاجتماعية دون أن أنفي أن هناك قصوراً عقلياً لدى هؤلاء المتطرفين أو بعضهم يحول دون فهم صحيح وحضاري للدين وجوهره، حتى لو كان هؤلاء ممن كان لهم حظر أو نصيب من العلوم الحديثة”.

ولكن السيّد الامين يستدرك بقوله ان “ليس كل مشروع سياسي يتبنى الإسلام وقيمه وتعاليمه هو مشروع متطرّف، بل قد يكون مشروعاً متقدماً جداً لقدرته على فهم المزاوجة بين الدين والعقل وبين الدين ومعطيات الحضارة، وبين الدين ومقاصده الجوهرية، وبين الدين وضرورات التطوّر والإبداع، وبين الدين والأخذ بالموجبات الإيجابية للحضارات الإنسانية، فالدين لهذا المعنى يصلح لأن يكون أساساً متيناً لكيان سياسي يحفظ حقوق الإنسان ويطلق طاقاته ومواهبه لمزيد من التقدم والتسامح والتعايش مع الأديان المختلفة والأفكار المختلفة ولا يصرّ على سمة هذا الكيان السياسي بأنه دولة دينية كما يفعل دعاة العنف والمتطرفون الذين يريدون دولة دينية تكتسب شرعيتها من الدين كما يفسرونه بحيث تصبح سلطتهم في هذه الدولة، سلطة بإسم الحق الإلهي أي كأنهم الناطقون بإرادة الله على هذه الأرض، وهذا ما لا يتوافق مع الإسلام وجوهره، وعدم إقراره بوجود أي شخص أو جهة يحصر النطق بإسم الحق الإلهي في دائرته ويفرضه عن الآخرين”.

السيد محمد حسن الامين: يجب تسهيل شعائر الحج و«أبادي» خسارة لإيران ولبنان
وفي النهاية ينتهي السيد الامين الى القول ان”العلم وحده لا يعصم من التطرف، بل يمكن أن ينتج من التقنيات ما يعزّر هذا التطرّف، لذلك لا بدّ من اعمال العقل لانتاج وعي ديني متقدّم”.

السابق
وقف اطلاق النار في اليمن سيبدأ منتصف ليل الاثنين الثلاثاء
التالي
الامن العام: توقيف 24 شخصاً بتهم ارتكاب افعال جرمية