الدب الروسي خرج من كهفه ليسقط في مصيدة «العم سام»

إقحام روسيا في الحرب السورية الآن ليس صدفة، وهو بالتأكيد لن يكون بأي شكل من الأشكال تنازلاً أمريكياً أو هفوة إستراتيجية أو غباء، وعليه فالأمر لن يكون أقل شأناً من إغراق إيران وحلفائها وبعض دول الشرق الأوسط في بحر الفوضى المنظمة التي تديرها وترعاها الولايات المتحدة وتعاونها في ذلك دول الغرب الأوروبية.

الفوضى باتت كما هو واضح تعم الجغرافيا العربية برمتها، لا سيّما بوجود قيادات رخوة على رأسها، تحكمها وتسيطر عليها العائلية والقبلية وتدار بالأعيان والمحسوبيات أي على الطريقة البدوية. وهي طريقة لا يضر معتنقها إن بسط سلطته على بعض الكثبان الرملية واستأمن على ما تحتها، أو شيّد على عدد من الكيلومترات الترابية وسمح له بالتراضي إستثمار ما فوقها، واكتفى بتقديم واجب الطاعة للدول العظمى والكبرى ولربما الإقليمية أيضاً إذا ما دعت الحاجة لذلك، وأنفق ما تنبت الأرض أو تخرجه لأجل حماية وجوده وإستمرار ملكه أو بقاء حكمه، وانتظر أملاً بأن تهديه ذات يوم هذه أو تلك الدول بعضاً من صلاحياتها وتنيط به بعضاً من أعمالها.

إنّها مرحلة أخرى من مراحل اللعبة الأمريكية الكبرى، وإنها جولة جديدة ستغرق كل من فيها وفي إطارها بالدم/ وهذه المرة بوجود الدب الأبيض. فالأنظار والعدسات تعشق الأبيض وسيختلط على سيده صياح الجمع الغفير والهتاف وسيصعب حينها معرفة من هو موضع الترحيب بوتين أم الـ”بلانك” أي الأبيض؟ مُنشاتات الصحف السوداء ستكلمنا وتحدثنا عن حادثة الخروج، الإذاعات ستسمعنا والشاشات ستنقل صوره وقد أطل رأسه بعد زمان من الكهف يسأل كل من في الشرق كم لبثت؟ يظن وقد غمرته بلاهة الفرحان أن عدد السنين التي غاب فيها عن الضوء والأضواء لم تتجاوز اليوم أو بعض اليوم. هي الخرافة بعينها، لكن ولكي تدخل إلى الأذهان يلزمها تذكير بكم كبير ومركز من أساطير وخرفات الأولين.

هي مهمة الدب الأبيض الروسي الجديدة وقد كلفته بها بلاد الولايات المتحدة وارتأت إدارتها والطلب من سائسها أن يعلمها فنّ الدعس وتنفيذ حكم الموت تحت الأقدام، مهمة لن تكون سهلة على الدب ولا على سائسه ذلك أن العائد حديثاً قد خسر قوته سابقاً ولم يبق منه إلا أثرا بسيطا من هياكل نسي التاريخ أن يأخذها معه فتركها وراءه سجينة المتاحف والمكتبات وما ترسب منها في موقع الناسدك البحثي أي غوغل.

حرب التحكم من بعد التي تنتهجها أميركا وتجود فيها بالموجود لن تستثني حتى المومسات ومديري أعمالهم لتحقق غايتها بخلق عالم يتناسب ومصالحها، يكون ساكنوه من معتنقي أفكارها وعاداتها، وشعوبها مستهلكة لصناعاتها وإنتاجها وتكون وحدها مصدر تجارتهم، يعني باختصار أن يتحولوا إلى نموذج صالح لتجاربها.

ملحمة الشرق الجديد إكتملت فصولها، نار وحديد، ماء ودماء، لحم وتراب، غاز وهواء، عقول متعطشة إلى الجنون وإن بدهاء. الأرض فتحت فم بطنها وهي تستعد فرحة لتناول غذائها.

المشكلة تبقى في تفهّم القياصرة الجدد لواقعهم. فهم ما زالوا يتوهمون أنهم يحملون الدرع الأحمر، وغاب عنهم أو لربما هم غيبوا حقيقة أنهم قد حُمّلوا مؤخراً علم “جيلبرت بايكر” ذي الثمانية ألوان.

هيهات إذاً بين من يبني لنفسه سلاماً بفورة، وبين من يبنيه بمخيلة ويقدم على الحرب بحنكة لكي يرتقي به (أي كلمة السلام) إلى المعنى الذي أراده وخطط له.

السابق
«أبو رخّوصة»
التالي
البحرين: حجم المؤامرة الإيرانية حيالنا خطير جداً