أقدم مهنة تزدهر في لبنان: «سكس دليفري»

“من وضع المتنبي الكبير في مثل هذا المكان الصغير الموبوء؟ وماذا يفعل هذا الشاعر العربي النبيل في هذا الشارع- القاذورة؟ انقلوا هذا المسكين من هناك…” هذا ما قاله الأديب اللبناني فؤاد سليمان في وصفه شارع المتنبي المتفرع من ساحة البرج في وسط العاصمة، والذي كان يعرف بـ”السوق العمومية” للبغاء والدعارة في الخمسينات وحتى مطلع السبعينات. شارع المتنبي أو “فسحة الهوى” المرخّصة دمّرته الحرب الأهلية وأزالته الجرافات ليتفشى البغاء في أمكنة أخرى، وبأساليب متطورة إلى حدّ تحوّلها إلى “بزنس” بحيث لم تعد الأمور محصورة في أمكنة معينة تخضع للرقابة والترخيص، وأصبح لكلّ حيّ أو شارع “عفاف” و”ماريكا”…

 

ماذا في عالم أقدم مهنة في التاريخ؟ لماذا لم يعرف القانون اللبناني جريمة الدعارة تعريفاً واضحاً وصريحاً؟ وماذا عن فتيات البغاء بواسطة “الأوتوستوب”، وعن البارات والملاهي وشبكات الدعارة المنظمة، وعن مراكز التجميل غير المرخصة والإعلانات عبر مواقع التواصل الإجتماعي والإلكتروني؟ بضاعة تعرض من دون حسيب أو رقيب لتتنامى تجارة الرقيق الأبيض بكلّ مكوناتها، فيتحوّل الوطن على كامل مساحته إلى “فسحة هوى”.

 

حتى الدعارة في الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي كان لها أصولها وقوانينها، وكانت بيوت البغاء محصورة في مناطق معينة ضمن شروط مفروضة من قبل وزارتي الصحة والداخلية، التي قامت بتنظيمها، بحيث منحت التراخيص لفتح بيوت الدعارة شرط أن تكون غير مخالفة للشروط الصحية، أي أنّ الفتيات يتمتعن بصحة جيّدة ولسنّ مصابات بـأمراض معدية، والفتاة المرخص لها كانت تحمل بطاقة صحيّة تعرف عنها بحيث تخضع للفحوص الطبية مرّة كلّ 15 يوماً. لكن في أواخر الستينات فرض وزير الداخلية كمال جنبلاط سياسة جديدة للحدّ من مهنة البغاء، وذلك من خلال عدم الترخيص بفتح بيوت جديدة للدعارة، إلّا أنّ زمن الحرب الأهلية بدّد هذا القرار، وأطاح به كما بكلّ القوانين والأعراف.

 

خدمات الدعارة متوافرة للجميع في لبنان، لكنها تميّز بين الفقير والغني، فتبدأ الأسعار بأرقام صغيرة لتصل إلى أرقام خياليّة وفقاً للمكان والسلعة ونوعية الزبون. فتيات البغاء بواسطة “الأوتوستوب” ظاهرة انتشرت في الآونة الأخيرة على طول الطريق الساحلية من بيروت إلى الشمال، وفي بعض الأحياء الداخلية في المناطق.

تعمل الأكثرية ضمن شبكات سريّة يديرها قوّادون ويشرفون عليها ويستحصلون على نسب كبيرة من مداخيل الفتيات، في حين يعمل البعض بشكل مستقل، وهن يصطدن الزبائن بعبارة “لقدام شوية” وهي المسافة المطلوبة لتحديد السعر والمكان. تتراوح أسعارهن ما بين 20 إلى 200 دولار ويشترطن على الشريك إعادة تعبئة الخط الخليوي.

 

شبكات أخرى تعمل عبر الهاتف بحيث تتولى تنظيم العملية إمرأة تعمل لديها فتيات تتراوح أعمارهن ما بين 16 و21 عاماً، وأسعارهن تبدأ بمئة ألف ليرة وما فوق، وهن لا يقضين مع الزبون أكثر من نصف ساعة، والعملية بأسرها تجري عبر الهاتف بحيث تتصل المرأة فتحدد الموعد وتجلب الفتاة بسيارتها.

وتتفشى أيضاً ظاهرة الفتيات من جنسيات أجنبية بحيث يأتين إلى لبنان بحجة العمل كخادمات فيهربن من منازل مخدوميهن ويعملن في الدعارة إلى حين القبض عليهن وترحيلهن، إذ أنّ فتيات الطرقات هن عرضة دائمة لملاحقة مكتب حماية الآداب وتتراوح أسعارهن بين 20 و500 دولار في بعض الحالات الخاصة.

 

يفترض بـ”البار” أن يكون مكاناً لاحتساء المشروبات الكحولية وهناك فتيات للتسلية ومسايرة الزبائن، وفي أقصى الحالات يخرج الشخص مع إحدى الفتيات بعد انتهاء دوامها. لكن ما يجري الآن في “البارات” مخالف تماماً لما نص عليه القانون، إذ أنّ هناك بعض الغرف السرية لممارسة البغاء وغالباً ما تخرج الفتيات من المحل خلال الدوام إلى شقق استأجرها صاحب المحل وقد تمّت مداهمة العديد من هذه الأمكنة وأغلقت وختمت بالشمع الأحمر.

 

الملاهي الليلية المعروفة بـ”السوبرنايت كلوب” تشهد ازدحاماً ملحوظاً حيث تقدم فتيات أجنبيات غالبيتهن من دول أوروبا الشرقية عروضاً راقصة وهن قدمن إلى لبنان بتأشيرات دخول على أساس أنهن فنانات. تفتح الستارة عند هبوط منتصف الليل على كل مغريات اللهو، خصوصاً أنّ الفتيات على قدر كبير من الجمال، علماً أن غالبيتهن من الجامعيات اللواتي أجبرهن الفقر في بلادهن على امتهان فن الاستعراض الراقص. الفتيات يقدمن استعراضهن حتى الثانية صباحاً والعمل يخضع للقوانين لجهة مراقبة الفتيات والحضور الإجباري. عناصر الأمن العام يأتون باستمرار للمراقبة ومراقبة سجل الحضور، لكن من أساليب الدعارة ما يفرضه صاحب الملهى على فتياته بالخروج مع الزبون الذي يدفع ثمن زجاجة الشمبانيا، والفتاة التي ترفض هذه الأوامر تصل عقوبتها إلى حدّ الطرد من العمل.

 

مراكز التدليك أو “المساج الأكسترا” هي عبارة عن تدليك كامل للوصول إلى النشوة الجنسية بأساليب عدّة، والكلفة تتراوح بين 20 و35 دولاراً عن كلّ جلسة تمتد لساعة من الزمن، والإعلانات تملأ الصحف والمجلات أمّا على الإنترنت فالكلفة أقلّ فيما هناك مواقع تسمح بإدخال بيانات مجانية من أجل الترويج وبيع السلع ومنها سلعة المتعة الجسدية.

من قال إنّ عهد الزيتونة التي كان ينتشر فيها عدد كبير من البارات والملاهي الليلية حيث كانت تمارس الدعارة المنظمة بقانون وتحت مراقبة الدولة قد ولى؟ ومن قال إنّ شارع المتنبي أصبح عنواناً في الذاكرة حيث ضاع الشعر الجميل وقوافيه في مضاجع البغاء السريع ومآسيه؟ ففي الفنادق والشاليهات والشقق وحتى على الطرقات تبدو سلطة القانون غائبة وأضعف من رغبات الزبائن.

(لبنان24)

السابق
ابو فاعور طلب من وزير الداخلية الايعاز لمن يلزم منع استعمال مياه عين بتغرين
التالي
حزب الله والعشائر: تحضير لحرب أهلية بقاعية؟