«علي والرئيس»… ماذا نسميهما؟

بشار الاسد وعلي مملوك وسماحة
ما جرى في محاكمة "الإرهابي" ميشال سماحة يمكن أن يكون نموذجاً يحتذى في محاكمة قتلة الرئيس رفيق الحريري لو أن المحاكمة حصلت في لبنان. نعم. المسألة ليست مسألة حكم ومحاكمة، المسألة أبعد، إنها مسألة نهج. وموقف مسبق لا يأخذ اعتبارات القتل والترهيب وإلغاء الآخر. من أجل بقاء قيم "الممانعة". وتحت عنوان رنّان طنّان هو: "العدالة"، وليس أية عدالة إنها: المحكمة العسكرية.

لن نبحث في الأحكام التي اتخذتها هذه المحكمة العسكريّة ضد عملاء “إسرائيل” وهي كثيرة وعجيبة غريبة، ومنها: الحبس ثلاثة أيام، أو أشهر عدّة، أو كفالة مالية لا تتعدى مئات من الوريقات رفعت لياقة إلى آلاف الليرات اللبنانية. وأعظم الأحكام التي وصلت حدود الإدانة بالقتل والتجريم، تدخّلت فيها “ممانعة” من هنا و”مقاومة” من هناك لاعتبار أن المحكوم “مزدوج العمالة” فكان “التخفيف” سيد الأحكام، ولا زالت محكمة “العدل أساس الملك” في دياركم عامرة.

لن نتدخّل في تفاصيل قانون المحكمة العسكرية وتعدّد اختصاصاتها، وموادها، التي هي بحاجة إلى تعديلات كما تؤكد مصادر قانونيّة. إنما نذهب إلى ما هو أقوى وأثبت، إلى الأدلّة الثابتة كأساس للعدل والمحاكمة. تلك الأدلّة رآها اللبنانيون كافة. تسابقت وسائل الاتصال والتواصل إلى نشرها وتوصيلها “مجاناً” إلى كل اللبنانيين على اختلاف مكوناتهم وفئاتهم وتنوّعاتهم وأنسجتهم الدينية والطائفية والمذهبية والاجتماعية والسياسيّة.

هناك اعترافات بالصوت والصُّورة تخلص إلى نتائج، بالأرقام والتسميات لجلب المتفجرات وأنواعها ومصدرها المسمّى سوريا الأسد، ومن مكتب “الرئيس”، وقد سلّمها “علي” الموضح الإسم في ملف القضيّة اللواء على مملوك مدير مكتب رئيس سوريا الأسد: بشار الأسد. ويجيب صاحب السّماحة ميشال: لا أحد يعرف إلا علي والرئيس. هما إذن المسؤولان المعرّفان… فإذا سمّى اللبنانيون ناقل المتفجرات بسيارته “إرهابياً” وأدانوه، وأقل ما فعله أنصار “سماحة الإرهابي” أنهم سكتوا. أما الذين دافعوا عنه فقالوا: “نحن نحترم القضاء”. هكذا هي المسائل واضحة بارزة، مفصلة، بلا أقنعة. ولا تعليل. سماحته يأكل الصبار ويتلغّع بمعطف الحمام المريح. ويعلن “الإرهابي” كل ما عرفه اللبنانيون بكل هدوء واطمئنان.

طيّب: ماذا نسمّى اللذين سلّما المتفجرات وحدّدوا الأهداف؟ ماذا نسمّي الشخصين المشغلَين الحصريَّين اللذين يعرفان كل ذلك حصرياً: “علي والرئيس”. ماذا يُسمّى اللبنانيون هذين الشخصين؟! ماذا يسميانهما أعوانهما والناطقون باسمهما في لبنان، وسوريا وأمّة العرب ماذا يسميانهما: الحلفاء الأقليميون الذين يعلنون الوفاء والولاء جهاراً وليلاً ونهاراً أنهم معهما نفسيهما تماماً: “علي والرئيس”؟

يجيب صاحب السّماحة ميشال: لا أحد يعرف إلا علي والرئيس. هما إذن المسؤولان المعرّفان

وتالياً، وهذا بيت القصيد، إذا كانت كل هذه الأدلة المسموعة والمرئيّة والمصوّرة بدقة لكل مراحل النقل والشحن والتخطيط والإعلان، كل هذه الأدلة مرفوضة، ولن نأتي على شهادة “الحمار” الآخر الذي كان ولا يعرف، فهذه تفاصيل! ولكن كيف سيقبل فريق الممانعة عينه بقرار تصدره المحكمة الدولية الخاصّة بلبنان، حيث: لا تصوير ولا اعتراف، ولا إعلان. بل تدليس وتخطيط لتضييع العدالة من الخطوط الهاتفيّة إلى الإعلان الصّوريّ الذي تلا ذبح المعلن ودفنه إلى إخفاء معالم الجريمة، إلى منع فرق التحقيق بألف وسيلة ووسيلة، وبحروب صغيرة “ناعمة” وبعناصر “نائمة”. وحيث بعض المتهمين “أيقونات مقدسة” لن تسلّم بعد عام ولا عامين ولا ثلاثين عام ولا ثلاثمئة عام.

أعظم الأحكام التي وصلت حدود الإدانة بالقتل والتجريم، تدخّلت فيها “ممانعة” من هنا و”مقاومة” من هناك لاعتبار أن المحكوم “مزدوج العمالة”

وهنا السؤال الكبير: لو كانت المحكمة العسكرية أو أي محكمة محلية لبنانية أو عربية أجرت التحقيق في مقتل وشهادة رفيق الحريري هل كانت ستعمل تحت عنوان “العدل أساس الملك”؟ أم الممانعة أساس العدل، التي تعتمدها المحاكم المحلية؟! إنها العقلية الممانعة التي لا ترى إلا ذاتها، ولا تعطي إلا صورة ذاتها، ولا ترى المحاكم والعدل وسير العدالة إلا على قياس ذاتها”. ولا ترى الآخر، ولا تلتزم ثقافة الحياة ولا تحترم حق الاختلاف، هذه العقلية الممانعة السائدة هل يمكن أن ينتج عنها عدلاً وعدالة؟ بالطبع لا. ذلك هو سرّ المحكمة العسكرية.

السابق
المشنوق: وزير العدل أبلغني أنه في غضون شهرين ينتهي ملف الموقوفين الاسلاميين
التالي
إحالة شكوى ضد المستشفى اللبناني الكندي الى نقابة الاطباء‏