مخرج إيراني للسعودي في اليمن.. و«حزب الله» يمسك تلال السلسلة الشرقية

في اليمن، لا تبدو الرحلة الأميركية ـ الإيرانية صعبة. يتفق الإثنان على أن هذا البلد هو الحديقة الخلفية والعمق الحيوي للسعودية، وبالتالي، لا بد أن تلحظ أية تسوية، شكلاً ومضموناً، هذا العنصر، ومن هنا، كان قرار الإيرانيين واضحاً، وهم أبلغوه أكثر من مرة لحلفائهم الحوثيين (“أنصار الله”) بأن يقدموا على تسوية سياسية على أساس وقف النار وإطلاق العملية السياسية (الحوار) ومد جسر إنساني وتشكيل حكومة وحدة وطنية يبدو الحضرموتي خالد البحاح هو الأوفر حظاً لرئاستها، كونه يشكل نقطة تقاطع بين السعودييين والحوثيين الذين كانوا قد رشحوه للعب دور رئاسي، وهو خيار يحظى بدعم مصري كبير.
وليس خافياً أن الأميركيين تعاملوا مع “عاصفة الحزم” باعتبارها محاولة خليجية وتحديداً سعودية لتوجيه رسالة سياسية مزدوجة لطهران بأنها تجاوزت الخطوط الحمراء، ولواشنطن مفادها أنه بمقدور هذه الدول اتخاذ قرارات “مستقلة” عن الحليف الأميركي، ولذلك، أدى الأميركيون “واجباتهم” التي اقتصرت على إرسال “بنك أهداف” (يتضمن مقار 200 قيادي حوثي تبين أنهم نجوا (…) باستثناء قيادي واحد من الصف الأول و13 قيادياً من الصف الثاني) وعلى إرسال بوارجهم الى الخليج وتزويد طائرات “التحالف” إذا احتاجت للوقود جواً!
وقد أبلغ وزير خارجية ايران نظيره الأميركي مؤخراً أن طهران مستعدة للمساعدة في انتشال السعودية من “ورطتها اليمنية” لأن المضي بها سيؤدي الى المزيد من الغرق ولو اقتصرت “الحرب” على الغارات الجوية.
بكل الأحوال، ثمة إشارات التقطها الروس من الخليجيين الذين طلبوا منهم ممارسة نفوذهم عند الايرانيين، “لأن اليمن بمثابة قضية حياة أو موت، فإذا لم نخمد النار هناك، ستكون دولنا كلها في مهب الريح”. الخليجيون وجدوا ضالتهم في الفرنسي الباحث عن فتات دور، وهم قدّروا لباريس (فرانسوا هولاند مهتم بالانخراط في صفقات تسليح غير مسبوقة وبينها منظومة دفاع جوي ستوفرها باريس للسعودية) حماستها اليمنية وقبلها الايرانية والسورية، وفي المقابل، أبدوا استياءهم من البريطانيين الذين لعبوا أدواراً متناقضة في الملف اليمني.
القاسم المشترك بين الجميع هو الالتفات الى مواجهة “القاعدة”، خصوصاً أن الحوثيين يحظون بشهادة تقدير في هذا المجال، بينما يكاد يتحول هذا التنظيم الارهابي الى “حليف موضوعي” لكل من يريد إطاحة علي عبدالله صالح و “انصار الله”.
التركي يبحث عن حصته الإقليمية
ماذا عن تركيا؟
برغم الاصطفاف السياسي التركي ـ السعودي ـ القطري في الملف السوري، وآثاره الميدانية في ادلب وجسر الشغور ومحاولة التمدد نحو تدمر وحلب وبعض ريف حمص، وبرغم الخسائر التي مني بها “المشروع الأردوغاني” في مصر وليبيا وتونس، (ناهيك عن العراق واعتباراته الإيرانية والأميركية والكردية)، فإن الأتراك باتوا مقتنعين بأن جلوسهم على “الطاولة الكبرى” يستوجب “حصة ما” لا يجدون بديلاً منها في الشمال السوري.
من هذه الزاوية، فتحوا مستودعات السلاح وأرسلوا أكثر من 500 خبير الى مناطق الشمال السوري للإشراف على الميدان مباشرة، وهم أوعزوا للأميركيين بإطلاق برنامج تدريب المعارضة المعتدلة، وباكورته الأولى خمسة آلاف مقاتل تختارهم المخابرات التركية من مخيمات النزوح السوري وتسلمهم للمدربين الأميركيين الذين بدأت طلائعهم بالوصول الى أنقرة.
ولا يمكن هنا تجاهل التناقض بين رؤية أميركية تضع أولوية لهذه المجموعات تتمثل بقتال “داعش” في شمال سوريا وبين أولوية الأتراك في “التشبيك” مع “النصرة” (والرهان على “سوْرَنتها”) لإضعاف النظام السوري. هذا التعارض ومعه “الأجندات” الإقليمية المتعارضة سورياً، لا يمنع من الجزم بأن الإدارة الأميركية أبلغت الأتراك والخليجيين أنها منفتحة على أي بحث تحت سقف أن النظام السوري باق بكل مؤسساته وخصوصاً العسكرية والأمنية، وأنه لا مستقبل للرئيس بشار الأسد في أية تسوية مستقبلية.
ثمة نقطة خلافية سورية بين الإدارة الأميركية المتمسكة بالنظام كما هو وبين الخليجيين والأتراك الذين يريدون تعديل صيغة الحكم بحيث تتوزع السلطات ولا تنحصر بالرئاسة الأولى. في هذا السياق، هل يراهن الأتراك على أن انتفاء الفرصة الأميركية الإيرانية (إقليمياً) بين أيلول 2015 وشباط 2016، يوفر لهم فرصة جديدة لتكرار “عاصفة الحزم” في سوريا، عبر الإقدام على تنفيذ عملية عسكرية في شمال سوريا تتوج بمنطقة حظر جوي؟ الجواب متروك للمقبل من الأيام والأسابيع.
ماذا عن لبنان؟
لا بد من قراءة خطاب الأمين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصرالله الأخير، بإعادة توكيده على ترابط الجبهات وثقته بالقدرة على ترجمة الميدان في السياسة، من دون أن يبارح “مربع الاستقرار” اللبناني، بما يشكله من حديقة خلفية لا يريد “حزب الله” أي مس بها، من دون أن يتحول الى أسير تسويات قد تضر به وبحلفائه مستقبلا.
اليوم جولة جديدة من الحوار بين “حزب الله” و”المستقبل” في عين التنية، واليوم أيضاً جولة جديدة من المعارك في القلمون.
هل يعرف الخبراء الإستراتيجيون ما معنى أن يمسك “حزب الله” بالتلال الإستراتيجية اللبنانية والسورية في السلسلة الشرقية في أية حرب مقبلة مع إسرائيل؟

(السفير)

السابق
الحركة العونية جسور مفتوحة ولا اختراق جنبلاط من باريس: سلبيّتان لا تصنعان رئيساً
التالي
«بانوراما التفاهم»: أوباما في طهران.. وفشل «العاصفة التركية»!