دولة الكانتونات وحزبية الوظائف

سجل حزب “القوات اللبنانية” ومن معه في حركة “14 آذار”، مأخذاً على قيام حزب الله باقامة دولة داخل الدولة وعدم “احترامه مقررات وقوانين الدولة اللبنانية”، في مجمل القرارات الاجتماعية او السياسية او الاقتصادية التي ينفذها.

كثيرة هي الاتهمامات التي وُجهت الى حزب الله، ولسنا هنا في معرض الدفاع عنه او التبرير له، فللحزب أقلامه التي لا تكل ولا تمل. ولكن المفاجئ في لبنان أن يقوم حزب معارض لتصرفات هذا الحزب وأفعاله، بتقليد الاتهامات التي كالها له، وبتقليد “الانفصال عن الدولة” مؤسساتياً، عبر اطلاق حملات توظيفية للشباب “القواتي” والمناصرين.

هذه الحملة التي تلاحظ على موقع القوات الالكتروني، تحمل في طياتها أوجه كثيرة للتقصير الحكومي أولاً والحزبي ثانياً، ما يضع الاقتصاد اللبناني من جديد بين فكي كماشة الطائفية “المقيتة”. فهذه المبادرة التي تقوم على التوفيق بين الشباب “القواتي” العاطل عن العمل، وبين المؤسسات والشركات الخاصة “القواتية” التي تطرح عملاً، سترسخ يوماً بعد يوم الطائفية والمحاصصة الحزبية في القطاع الخاص اللبناني الذي حتى الساعة يعدّ “أشفى حالاً” من طائفية القطاع العام.

جاهل من يقول أن لبنان يعتمد على الكفاءة في عملية التوظيف، وجاهل من يعتقد أن ذكريات الحرب الأهلية التي انطلقت في 13 نيسان من العام 1975، و”احتفل” اللبنانيون بذكرى انطلاقها مرسخين افكار “العيش المشترك” والاخوة ورافضين تكرار هذه الحوادث الأليمة، أصبحت جزءاً من الماضي، اذ أن أغلب الأحزاب والمؤسسات المدنية والسياسية اللبنانية تعتمد بشكل أساسي على الطائفية في التقسيم الوظيفي والاجتماعي.

وتهدف هذه المبادرة إلى تشجيع وبناء الأعمال التجارية والاقتصادية بين شبكات المجتمع الحزب وأصدقائها وأنصارها، وخلق وسائل للشركات لدعم بعضها البعض، ما يؤدي إلى بيئة صحية تسمح لأصحاب الأعمال  بالتطور والنمو، اضافة إلى إطلاق مشاريع جديدة في مختلف القطاعات والاستفادة من جميع الموارد المتاحة بين رجال وسيدات الأعمال في الحزب وبين الأصدقاء والمؤيدين، والمساهمة في دعم الاقتصاد اللبناني من خلال خلق فرص عمل جديدة ومساعدة أعضاء الحزب والأصدقاء والمؤيدين للعثور على وظائف في السوق اللبنانية من خلال مكتب التوظيف التابعة للحزب، ناهيك عن دعم المرشحين لخوض انتخابات الكيانات الاقتصادية اللبنانية والجمعيات والمجالس.

من المؤكد أن “القوات” هو حزب عريق لبنانياً ولديه جماهيره وقاعدته الشعبية العريضة التي تختلف وفق اختلاف الشرائح الاجتماعية. وفي هذا السياق، يعتبر اطلاق حزب كالقوات لمبادرة من هذا النوع تقصيراً عميقاً في السياسات الحكومية المعتمدة في معايير التوظيف، اضافة إلى خلل في السياسات الاقتصادية التي تعتمدها الحكومة اللبنانية، وخصوصاً كونه يعدّ مؤشراً خطيراً على عدم قدرة “الشباب القواتي” على الوصول إلى أصحاب الشركات الخاصة التي تقوم بالتوظيف، ما يؤثر حكماً في العقلية الانتاجية في أي مؤسسة ستقوم بتوظيف المنتسبين الى هذا البرنامج.

ومع هذه المبادرة سيترتب اخطار جمة تهدد استمرارية الكيان اللبناني على الأقل “الموحد”، وتضرب عرض الحائط بأبسط وأهم نقاط قوة القطاع الخاص التي تعتمد أولاً وأخيراً على الكفاءة.

ويعاني لبنان اقتصادياً من التوزيع الطائفي والمحاصصاتي بين الأحزاب والطوائف اللبنانية، ما شكل عبئاً على خزينة الدولة، ومشاكل وأعباء في المؤسسات الحكومية كللنا من الكتابة عنها، من دون أي أمل في التغيير.

ان ما ارساه الحزب في موقعه، بم يستطع حزب الله تحقيقه حتى الساعة، فهو على رغم أنه لا يخفي المحسوبية في التوظيفات في المؤسسات التي تتبع سلطته المباشرة، الا أن هذا الأمر لم يجرؤ أحد من الحزبيين على البوح به إلى العلن. أما القوات ومبادرتها التي طرحت إلى العلن بشكل يثير علامات استفهام كثيرة، فترتب تفاعلات اقتصادية ستدفع يوماً ما الأحزاب اللبنانية إلى حذو خطوات القوات، ليصبح القطاع الخاص مرتعاً وملهاً للأحزاب اللبنانية التي لطالما سكرت على الأراضي اللبنانية من دون حسيب أو رقيب، والتي أوصلتنا إلى ما وصلنا اليه بطريقة أو باخرى.

ويضاف إلى ما سبق، أن تشكيل مبادرة بهذا الحجم وهذه الخطورة، ستؤثر بشكل مباشر في انخفاض العقلية الانتاجية لدى الشباب اللبناني عموماً والمسيحي خصوصاً، فالقوة الاقتصادية التي يتمتع بها القطاع الخاص لن تكون على قدر من الفعالية عند الدخول الحزبي إلى كواليسها، ناهيك عن السيطرة التي ستفرضها هذه المبادرة على الشباب المسيحي خصوصاً في تقليص خيارات عمله، اذ سيصبح على الشباب المسيحي تقديم طلبات الطاعة للقوات بهدف الحصول على عمل يقيهم شر الموت جوعاً، ما سيؤدي لاحقاً إلى الاشتباك الاقتصادي ما بين المصالح الحزبية المتعددة.

كما ستساهم مكاتب التوظيف القواتية في تشكيل “لوبيات” قواتية في المؤسسات الخاصة، وستصبح مؤثرة وفاعلة أكثر من العمل السياسي، وخصوصاً لأن النظام الاقتصادي اللبناني الذي يقوم على انعاش القطاع الخاص وتذليل العقبات أمام استثماراته سيصبح محكوماً للأحزاب والمؤسسات الحزبية التي تعتمد مصلحتها ومصلحة مناصريها أولاً.

في النهاية لا يمكن من أي أحد التوقع غير هذه الافعال التي لا تصب في مصلحة لبنان أو اقتصاده الهرم من أحزاب على غرار القوات اللبنانية والأحزاب اللبنانية بشكل عام، اذ يعمد كل حزب في لبنان إلى تقديم مصالحه الشخصية والحزبية على مصلحة الحكومة والبلد المقسوم بين هذه الأحزاب.

ويفترض من هذه الخدمة أن تكون من وظيفة الدولة اللبنانية بشكل مباشر، وخصوصاً لكون دورها الرئيس اقتصادياً، يتمثل في ايجاد سياسات ناجعة للحد من البطالة، او تشجيع الاستثمار بهدف ايجاد وخلق فرص عمل للشباب اللبناني في القطاعين العام والخاص. ولكن مع هذه المبادرة سنجد أن القطاع الخاص سيقع في بحر الطائفية والمحاصصة على المستويين المتوسط والبعيد.

فمع تفعيل وتعزيز هذه المبادرة، سيجد الشبان المسيحيون أنفسهم خاضعين شاؤوا أم أبوا إلى سياسات وانتماءات الحزب الذي وظفهم، وخصوصاً كونه رقّى الانتساب الحزبي والنصرة على سياسات الجدارة والكفاءة.

(أخبار الإقتصاد)

السابق
دورية اسرائيلية راجلة خرقت خط الانسحاب وحاولت اختطاف احد الرعاة اللبنانيين في خراج كفرشوبا
التالي
حريق في الطابق الثاني من المنى د في سجن رومية