«السلسلة» ضحية «لغم الموازنة».. و«المستقبل» يقايضها ببراءة ذمّة؟

هدأت زوبعة «سلسلة الرتب والرواتب» مجدداً. عادت إلى الفنجان الذي اعتادت المكوث فيه. بعد 4 سنوات، ما يزال القرار السياسي يحول دون إقرارها. «14 آذار» غابت عن الجلسة، كما كان متوقعاً، ملتزمة بقرار الرئيس فؤاد السنيورة الرافض لاستكمال النقاش بالمشروع.

منذ ما قبل الجلسة، حسمت «14 آذار» حجتها لعدم الحضور. «اكتشفت» أن الرئيس نبيه بري يخالف النظام الداخلي للمجلس بطلبه من النائب ابراهيم كنعان ترؤس الجلسة. غضت الطرف عن عشرات الحالات المماثلة، حيث سبق لكنعان نفسه إضافة إلى النائبين محمد قباني وروبير غانم ترؤس اللجان المشتركة مراراً. غانم، الذي حضر جلسة أمس، أعلن أنه لا يستطيع ان يكون متناقضا مع نفسه، مشيراً إلى أنه «كنت أترأس جلسة اللجان النيابية المشتركة بتكليف من الرئيس نبيه بري، ولا أستطيع القول ان هذه الجلسة باطلة».
بعد 4 سنوات من المماطلة، خرج من يدعو إلى «عدم التسرع»! قال النائب جمال الجراح، بعد خروجه من الجلسة التي حضرها ليعلن موقف «14 آذار»، إن عقد الجلسة يعتبر «إعاقة لإقرار السلسلة»، مستنكراً «هذا التسرع وهذه الشعبوية وهذه المقاربة الخاطئة لموضوع السلسلة».
ليس الموضوع الشكلي هو الإشكالية الوحيدة التي طرحتها «14 آذار»، الخلاف يطال المضمون أيضاً، بما يضمن استمرار تعطيل إقرار «السلسلة»، حتى لو عاد نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري إلى ترؤسها. فـ «المستقبل» حسم أمره بربط المشروع بالموازنة العامة والحسابات المالية، التي لم تقر منذ عشر سنوات، والتي لا يبدو أحد مستعداً لإقرارها. كما أوضح الجراح أن مطلب فريقه السياسي هو إعادة المشروع إلى اللجنة الفرعية، لإعادة مناقشة أرقامها على ضوء مطالب العسكريين أو إرسال الموازنة إلى المجلس.
وإذ أنكر الجراح أن تكون الغاية من ربط «السلسلة» بالموازنة هو إعطاء الرئيس فؤاد السنيورة براءة ذمة مالية أو تطيير «السلسلة»، فقد أوضح أن إقرار الموازنة يحتاج فقط إلى إقرار قطع حساب العام 2013، وبالطريقة التي دأب المجلس على اتباعها، أي مع تحفظ ديوان المحاسبة. لكن من تابع اتصالات الأيام الماضية مع السنيورة استشف قراراً يذهب إلى ربط «السلسلة» بالحسابات المالية العالقة كلها، ولا سيما منها الـ11 مليار دولار التي صرفت أثناء تولي السنيورة رئاسة الحكومة، علماً أن ثمة من وجه رسالة واضحة للسنيورة تسأله عن موقفه الحقيقي وهل هو يربط فعلاً بين الأمرين أم لا.
وكان لافتاً أيضاً أن الوزير الياس بوصعب أيد اقتراح «المستقبل» الداعي إلى إقرار الموازنة وحسابات العام 2013، متخطياً الموقف المبدئي لـ «التيار الوطني الحر» الذي يرفض العودة إلى نظرية التحفظ، ويؤكد وجوب الانتهاء من تصحيح قطوع الحسابات وحسابات المهمة منذ العام 1993، لكي تنتظم المالية العامة. علماً أن هذا التضارب لم يكن وحيداً. فقد غمز الجراح من قناة بوصعب وكنعان اللذين التقيا وفد «هيئة التنسيق» كلاً على حدة، معتبراً أن «الخلاف على مقاربة السلسلة ليست لدينا بل عند التيار الوطني الحر».
حجة «المستقبل» كانت أن وزير المالية ضمّن موازنة العام 2015 كل الإيرادات التي كانت مدرجة في القانون المتعلق بإيرادات «السلسلة». وهو أمر صحيح من حيث المبدأ، ويؤدي إذا ما تم السير به إلى أن تكون إيراداتها جزءا من رؤية شاملة للمالية العامة. لكن في المقابل، فإن هذا الربط، وفي وقت يعرف القاصي والداني أن الحكومة الحالية أعجز من أن تتفق على مشروع عادي فكيف بمشروع الموازنة، يعني عملياً رمي «السلسلة» مجدداً في سلة المماطلة والتسويف، ليس أقله لستة أشهر أخرى. علماً أن نواباً سألوا لماذا لم يطرح أحد الربط بين الأمرين قبلاً، وهل ربط «السلسلة» بالموازنة ليس سوى حجة لتضييع حقوق الناس، بعدما استهلكت كل الحجج في السابق. خاصة أن من صلاحيات المجلس النيابي أن يغطي كلفة «السلسلة» من خلال اعتمادات إضافية أو من خلال قانون خاص.
مقاطعة «14 آذار» لم تمنع من عقد جلسة اللجان بنصاب الثلث. ومن حضرها أكد أن لا تعارض بين إكمال النقاش بالمشروع وتضمين الموازنة للإيرادات. فكلاهما يمكنهما السير معاً، وحتى لو أقرت «السلسلة» قبل الموازنة التي يحتاج نقاشها في الحكومة والمجلس لأشهر عديدة، فإنه لن يكون صعباً الربط بينهما. وقد أشار وزير المال علي حسن خليل، في هذا السياق، إلى أنه «نستطيع أن نقر المشروع الذي كان يناقش في الهيئة العامة ويتضمن الواردات والتكلفة ونضعه في الموازنة ونستطيع إقراره بشكل مستقل، فيجب ألا نطرح الموضوعين من جانب إشكالي».
أما كنعان، فقد حذر من أن «هذا الامر غير نظامي، ونحن كلجان مشتركة ليست مهمتنا ربط هذين الموضوعين». وهو إذ أكد أنه سبق ووجه عدة أسئلة واستجوابات للحكومة بشأن الموزانة، إلا أنه أكد أنه «لا يجوز أن نرهن السلسلة ونربط العمل التشريعي البرلماني القائم والذي استمر سنتين بالموازنة». وقال إنه «حان الوقت لحسم أمر هذا المشروع بعدما أشبع درسا في كل اللجان، ونعتبره قضية الدولة ومصلحة مجتمع بكامله، والموضوع اجتماعي بامتياز».
عندما أعلن الجراح موقف «14 آذار» رسمياً في الجلسة، لم يكن في القاعة العامة أكثر من 20 نائباً. كان على رئيس الجلسة أن يختار بين انتظار نصف ساعة وعقدها بنصاب الثلث (19 نائباً) وتأجيلها. استشار بري، فأعطاه الضوء الأخضر ليقوم بما يراه مناسباً. وبالفعل سار كنعان بالجلسة، التي عاد وشارك فيها النائبان سامي الجميل وعماد الحوت، إضافة إلى «اللقاء الديموقراطي».
باختصار، حمل يوم أمس عدة عناوين، أبرزها:
ـ المقاطعة لم تحل دون عقد الجلسة، علماً أن النائب علي فياض طالب بجعل جلسات مناقشة «السلسلة» مفتوحة على أن توضع بنداً أول على جدول أعمال الهيئة العامة المقررة في بداية نيسان.
ـ السير بجدول الأعمال بانتظام ومن حيث انتهت الجلسة الماضية، حيث حسمت اللجان مسألة وحدة التشريع بين القطاعين الخاص والعام، والتي ينص عليها قانون تنظيم الهيئة التعليمية في المعاهد الخاصة الصادر في 1956.
ـ التأكيد أن اللجان المشتركة هي الجهة المعنية بمتابعة مناقشة «السلسلة»، خلافاً لمطالبة «المستقبل» بإعادتها إلى اللجنة الفرعية، علماً أن كنعان سيلتقي وزير الدفاع سمير مقبل، الثلاثاء المقبل، لاستكمال البحث، بشأن مطالب العسكريين.
ـ قطع الطريق أمام أي تسوية مالية خارج الحسابات التي تنكب وزارة المالية على إعدادها منذ ثلاث سنوات.

السابق
إيران هي المأزومة… والعرب يتقدمون
التالي
اللقاء التشاوري أبدى ارتياحه لعودة جلسات مجلس الوزراء