ماذا يبقى من التشيُّع؟

يشن أحمد القبانجي في كتابه ”تهذيب احاديث الشيعة“ هجوما شرسا على ما يراه خرافات واساطير تكتنف الكتب الشيعية الحاملة للاحاديث المنسوبة الى النبي وأهل بيته. والى جانب تناوله العديد من المؤلفات، يخص كتابي ”الكافي“ للكليني و”بحار الانوار“ للمجلسي، بانتقادات قاسية مُسقطا عنهما أي صدقية فقهية دينية او تاريخية.

ومعروف ان مواقف القبانجي تتباين في حدتها من التبني شبه الكامل للمقولات الشيعية الرئيسة في ”تشيع العوام وتشيع الخواص“[1] الذي ردّ فيه على كتاب المؤرخ احمد كسروي (اغتالته جماعة ”فدائيي الإسلام“ عام 1946) ”حوارية“ (”كفت وشنود“) المنحاز انحيازا واضحا الى الرواية السنيّة لظهور الاسلام والخلافات بين الصحابة مرورا بالفتنة، وصولا الى رفض القبانجي لإلهية النص القرآني واعجازه على ما يُفهم من محاضراته التي تسببت باعتقاله في ايران قبل اعوام قليلة.

يتعين الانتباه الى ان كسروي يعارض الرواية الشيعية ”التاريخية“ اذا جاز التعبير، أي تلك المتعلقة بمواقف الصحابة وأعمالهم وصراعاتهم مع الامام علي بن ابي طالب في سبيل الخلافة بالاضافة الى بعض العناصر الرئيسة في المذهب الشيعي كالاعتقاد بعصمة الامام وبمعرفته الغيب وولادة الأئمة من نور ومسألة البداء حيث يوضح القبانجي في القسم الثاني من الكتاب والذي يخصصه للرد على كسروي (القسم الاول هو النص الكامل لمؤلف كسروي) وجهة نظره في التشيع باعتباره هوية فكرية وموقفا من العالم، ويرد اعتراضات كسروي الى سوية المناقشة لـ”تشيع العوام“ قليلة الفائدة والمعنى. ويضع القبانجي تصوره العقلاني والوجداني ضمن خانة ”تشيع الخواص“ مستعينا بعدد من آراء اية الله مطهري عن الامامة والولاية باعتبارهما مفهومين دينيين وليسا متعلقيْن بالشأن السياسي الدنيوي.

لكننا لا نعثر في الكتاب على علة واضحة للفصل بين صنفين من التشيع، عام وخاص. يترك هذا الغموض بابا مفتوحا لتأويلات القارئ واجتهاداته بحيث تحضر افكار عن التمييز الشهير بين الباطن والظاهر، وهذا من المقولات التي شغلت فقهاء الشيعة بفرقها المختلفة منذ بدايات التمذهب. أو أسوأ من الافكار هذه، ما يستدعي تلك الفكرة الراسخة في الحضارة العربية الاسلامية الداعية الى ابعاد العوام عن الحقل المعرفي، وهي فكرة تبناها تيار عريض من الكتاب الاسلاميين ربما كان اشهرهم الغزالي وكتيّبه ”إلجام العوام عن علم الكلام[2]“.

من ناحية ثانية، يُظهر القبانجي في ”تهذيب أحاديث الشيعة“[3] التناقض بين دعوات الكليني والمجلسي في ”الكافي“ و”بحار الانوار“ الى الحذر من دس الاحاديث المنسوبة الى النبي والأئمة وبين احتواء المؤلفيْن على احاديث لا تحصى ولا تعد، مما لا يمكن اعتباره إلا مناقضا لأسس الاسلام بل لسِيَر الأئمة التي يقرها الشيعة. فالامام علي الذي تُنسب اليه القدرة على معرفة الغيب والتنبؤ بالمستقبل، كان، بحسب المصادر التاريخية، يرسل العيون على عماله وولاته ليترصد أعمالهم، بل يفاجأ حين يستولي واحد منهم على بيت المال ويلتحق بمعاوية بن ابي سفيان خصم علي بن ابي طالب.

ولا يقف الكتاب عند حد نقد الاحاديث الموضوعة التي تمنح صفات خارقة للائمة، بل ينتقل منها الى نقد الاحاديث عن الزيارة والأدعية والصفات والمثالب مما ورد في الكثير من كتب الشيعة الامامية.

لكن سؤالا ملحا يطرحه ”تهذيب أحاديث الشيعة“ يشبه ذاك الذي اثاره ”تشيع العوام وتشيع الخواص“: ما هو تصور القبانجي للمذهب الشيعي اذا سُحبت منه هذه الاضافات؟ فما يتناوله الحديث هنا لا يتعلق بمحسنات بلاغية استدخلت على سبيل تحسين الموقف في الجدال مع انصار المذاهب المنافسة، بل بما بات يشكل بعضا من أعمدة التشيع.

تجدر الاشارة الى ان القبانجي ليس وحيدا في هذا المسار، فقد سبقه السيد محسن الامين في ”أعيان الشيعة“ والسيد محمد حسين فضل الله في عدد من كتبه وخطبه وغيرها، لكن الامين وفضل الله لم يبلغا في اعتراضاتهما على مبالغات كتب التشيع ما بلغه القبانجي.

الرد بالصمت

اللامبالاة والرفض التام اللذان قوبلت بهما طروحات القبانجي من الحوزة الدينية في النجف وقم يعكسان ادراك المؤسسة الشيعية خطورة الطريق الذي يسير القبانجي فيه. فهو بعد أن اعترض على ”تسنين“ المذهب ضمن المنطق الذي وضع دستوري كتابه فيه بنقضه روايات الشيعة عن الخلافات الاولى بين الصحابة، قطع شوطا أبعد بكثير في تحطيم كل البنية الاعتقادية الشيعية. عليه يجوز الحديث عن موقف مركّب للقبانجي يرتكز على استبعاد ”التاريخية“ السنية، من جهة، والتمسك بالبعد الروحي للتشيع، من الجهة المقابلة.

والأحاديث المنسوبة الى النبي والائمة الاثني عشر والروايات عن قدراتهم الخارقة للطبيعة في الكشف عن الغيب وتوقع المستقبل والصفات شبه الالهية التي تميزهم وتضعهم في مواقع تزيد كثيرا عن رتبة البشر العاديين وغيرها مما تعج به مجلدات ”الكافي“ و”بحار الانوار“، كُتبت على امتداد زمني طويل.

وتفصل قرون عدة بين الكليني والمجلسي. وعايش كل منهما ظروفا سياسية واجتماعية ودينية مختلفة اشد الاختلاف عن الآخر. فالأول نشط وألف في ظل الدولة العباسية التي سعت منذ ايامها الاولى الى الاستيلاء على الارث العلوي واضفاء الشرعية على ذاتها من خلال هذين الارث والمصادرة (المراسلات بين الخليفة المنصور وبين محمد بن عبد الله بن الحسن ”النفس الزكية“ على سبيل المثال والتي يبلغ المنصور فيها ”النفس الزكية“ سحب العهود السابقة التي قطعها العباسيون بإعادة السلطة الى العلويين). كان الكليني في موقف دفاعي في مواجهة نظام سياسي عاتٍ عازم على سحب كل الذرائع الشرعية من خصومه العلويين.

أما المجلسي فعلى عكسه. لقد وضع مؤلفه بتكليف ورعاية الامبراطورية الصفوية الباحثة عن شرعيتها السياسية والدينية على اسس خاصة بها في ظل منافسة شديدة مع العثمانيين على ”المصادر والموارد“ المشابهة في مجالات الشرعية والحكم، بل الانتماء العرقي (يعود الصفويون بالنسب الى الترك وليس الفرس)، ويحمل السلطان العثماني لقب الخليفة الموقر.

عاش الاثنان، الكليني والمجلسي، إذاً، في عالمين مختلفين تفصل بينهما قرون عدة. واستعان كل منهما بما نمي اليه من احاديث وروايات عن الأئمة ووظفها ضمن مهمته الدينية-السياسية.

أنسنة الإله

القبانجي الذي يدرك، بلا ريب، هذه الفوارق يوجه ضرباته الى صميم التشيع ويهدد بزعزعة اساسين مهمين للمذهب. الأول هو استعادة المكانة البشرية من ”الاله السني“ المتسامي المتعالي شديد البعد عن البشر العاديين وعن قدراتهم على فهمه وادراك مقاصده ومراميه، والثاني هو التميز عن التسنن باستخدام شتى الاساليب التي يبدو بعضها شديد الغرابة (ونستخدم هنا صفات التسامي والتعالي والبعد وهي مما لا يتفق مع تنزيه الله عن ”الجهة“ والمكان لانتفاء حاجته اليهما، بحسب المتكلمين، لكننا نلجأ اليها على سبيل الاستعارة…).

لتوضيح النقطة الأولى نستعين بما نقله الأشعري عن المعتزلة–وهم الذين ذهبوا بعيدا في تنزيه الله عن الصفات–في تحديدهم لمعنى التوحيد، حيث ينسب اليهم قولهم: ”إن الله واحد أحد ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، ليس بجسم ولا شبح ولا جثة ولا صورة ولا لحم ولا دم ولا شخص ولا جوهر ولا عرض، ولا بذي لون ولا طعم، ولا رائحة ولا مجسة، ولا بذي حرارة ولا برودة ولا رطوبة ولا رسوبة ولا يبوسة ولا طول ولا عرض ولا عمق، ولا اجتماع ولا افتراق، ولا يتحرك ولا يسكن ولا بذي أبعاض ولا أجزاء، ولا جوارح ولا اعضاء، وليس بذي جهات ولا بذي يمين وشمال وأمام وخلف وفوق وتحت ولا يحيط به مكان ولا يجري عليه زمان ولا تجوز عليه المماسة ولا العزلة ولا الحلول في الأماكن ولا يوصف بشيء من صفات الخلق الدالة على حدثهم ولا يوصف بأنه متناه ولا يوصف بمساحة ولا ذهاب في الجهات وليس بمحدود ولا والد ولا مولود ولا تحيط به الأقدار ولا تحجبه الأستار ولا تدركه الحواس ولا يقاس بالناس ولا يشبه الخلق بوجه من الوجوه ولا تجري عليه الآفات ولا تحل به العاهات وكل ما خطر بالبال وتصور بالوهم فغير مشبه له لم يزل أولاً سابقاً متقدماً للمحدثات موجوداً قبل المخلوقات ولم يزل عالماً قادراً حياً ولا يزال كذلك لا تراه العيون ولا تدركه الأبصار…الخ“. ويمكن العودة الى كتاب الأشعري ”مقالات الاسلاميين“ لمزيد من التفاصيل في رأي المعتزلة ورد الاشعري الذي لا يقرهم على مقولاتهم، لكن الفقرة اعلاه تكثف رأيهم في الصفات والذات الالهية، واستطرادا آراء قسم كبير من المتكلمين المسلمين. وكأن ذلك لا يكفي، فقد اضاف الاشاعرة الجرح الى الاهانة باعتبارهم ان الاله منزه عن حب مخلوقاته بسبب انتفاء حاجته اليها وهو ما رأوا ان المحبة تستبطنه. فهي عندهم حاجة المحب الى المحب والله منزه عن الحاجة. معلوم ان الفرق الاسلامية الأخرى رفضت هذه الرؤية ضمن سجالات طويلة[4].

إله هذه صفاته، وهي صفات لم تعترض عليها المذاهب الاسلامية السنية وغيرها اعتراضا جذريا، يبدو شديد البعد، ليس عن الفهم البشري العادي فحسب بل أيضا عن الاشتراك مع الانسان في حياته اليومية ومعاناته. ومنذ سلمان الفارسي وعلاقته بالصناع في البصرة والكوفة والجنود الفرس السابقين من فرقة الحمراء، برزت الحاجة الى اله اقرب الى مخلوقاته المظلومة. اله مختلف عن اله السلطة، الاوليغارشية-العسكرية في فترة الخلافة الراشدة والعصبية العربية اثناء الحكم الاموي. واقعة كربلاء قدمت هذا النموذج البشري الخلاصي. كررت الوهية المسيح البشرية بحفيد النبي وابن علي بن ابي طالب، الذي افتدى دين جده بحياته، تماما كما افتدى المسيح البشر وخلاصه بموته على الصليب. واستمرت الرحلة مع الائمة اللاحقين.

نفتح هنا قوسا للقول ان اهل السنة ايضا لاحظوا نأي إله الفقهاء والمتكلمين، ما يتعارض تعارضا بيّناً مع ضرورات الدين والحضور الالهي في حياة البشر كمِعبر للخلاص وبوابة للنجاة من العذاب الارضي. وعالجوا هذا النأي من خلال التصوف الذي انتشر انتشارا واسعا بين أهل السنة على مدى مئات الاعوام وما زال[5].

وليس غريبا على خلفية البحث عن اله اقرب الى مخلوقاته ومعاناتها في عالم الفناء، ان يجد التصوف والتشيع ارضا مشتركة واسعة حيث يحظى آل البيت بتكريم عميق من جميع الاتجاهات الصوفية. وبالقدر نفسه لم يكن غريبا ان تنتقل فرقة صوفية سنية هي الفرقة الصفوية، الى التشيع وتتولى زعامة الامبراطورية الشيعية الفارسية، ولا ان تضيق الامبراطورية العثمانية ذرعا بهيمنة الطريقة البكتاشية الصوفية (العلوية) على فرق الانكشارية فتحظر ممارسات البكتاشيين في صفوف الانكشارية.

النقطة الثانية، تبرز من خلال التركيز على تقاليد دينية مختلفة عن التقاليد السنية. وهذا على الرغم من بقاء مشتركات كثيرة مع السنّة ومنها ما يتعلق بالفقه والمعاملات حيث لا تندر الاحالات إلى احكام الامام ابي حنيفة في شؤون المعاملات والزواج والطلاق وما شاكل. ويتخذ التركيز هذا شكله الاكثر حدة اثناء فترات الازمات في العلاقات الطائفية، مثلا حقبة الدولة البويهية اثناء الخلافة العباسية ثم الصراع الصفوي-العثماني وفي الوقت الراهن الذي يسمه ويسممه التوتر بين السنّة والشيعة. والحق ان السنّة يعملون، في المقابل، على مستويين في مواجهة تكريس تقاليد شيعية جديدة، واحدهما ابتكار تقاليد مقابلة من مثل احياء ذكرى المولد النبوي الذي بدأ اثناء الحقبة الأيوبية كرد على احتفالات الشيعة بولادة الائمة. وثانيهما استيعاب التقاليد المستجدة وتبنيها ولو باضفاء معان مختلفة عليها، مثل احياء يوم العاشر من محرم باعتباره عيدا قديما جاءت احاديث نبوية لابقاء الاحتفال به.

ما يجدر ذكره أن محاولات ابعاد التشيع عن المشتركات مع التسنن بدأت باكرا واندمجت مع محاولات التخلص من السمة العربية للاسلام، وظهر ذلك في اختراع قصة الام الفارسية للامام علي بن الحسين، زين العابدين أو السجّاد، وهي–على ما تقول الرواية الشيعية–ابنة يزدجرد الثالث، آخر أكاسرة الفرس الذي اصبح مع هذه القصة شريكا مؤسساً، من حيث لا يدري، في المذهب الشيعي، على ما لاحظ ألفريد لويس دي بريمار في كتابه ”تأسيس الاسلام“. أما المصادر السنية فتكتفي بالاشارة الى والدة علي زين العابدين بأنها ”أم ولد“[6].

ويتكرر استدعاء الحضور غير العربي في سير الأئمة حيث تكون اكثر الوفود التي تزورهم وتحمل اليهم الخمس وسهم الامام، من المناطق الفارسية، على سبيل المثال. وتلفت الانتباه في السياق هذا قصة زواج الامام الحسن العسكري بأميرة رومية (بيزنطية) كما يوردها المجلسي في ”بحار الانوار“ (الجزء الثاني وقد نقلها هنري كوربان كاملة تقريبا في كتابه ”الامام الثاني عشر“ أي الجزء الرابع من مؤلفه”في الاسلام الايراني: مشاهد روحية وفلسفية“ (”En Islam Iranien: Aspects Spirituels et Philosophiques“) والوقائع الغريبة لاحلامها التي تأتي فيها فاطمة الزهراء لتبلغ الاميرة انها اختيرت للزواج من الحسن وتفاصيل هروبها الصعب من القصر البيزنطي ووقوعها عمدا في اسر المسلمين الذين باعوها كجارية الى من كان ينتظرها موفدا من الحسن العسكري فتزوجها هذا وانجبا محمد بن الحسن، المهدي الذي سيصبح قائم آل محمد.

وبعد التخفف من العبء العربي بادخال النسب الامبراطوري الفارسي في دماء اهل البيت عن طريق زوجة الحسين والدة علي زين العابدين، يجري التخفف من الشبهة السنية من خلال الارتباط بالنسب الامبراطوري الرومي-المسيحي، فيتخلص المذهب بذلك من رابط اضافي مع المذهب السني.

لسائل ان يسأل عن الغاية من رفض التعريب والتسنن؟

في الوقت الذي لا يصح نسبة الارادوية الكاملة الى سلوك الجماعة الشيعية وتصويرها بصورة الحزب السياسي ذي القيادة صاحبة القرار الفقهي والموجه اليومي لتصرفاتها، يجوز، في المقابل، التأكيد على قدر من الوعي الجمعي الذي أملى تصرفات كبار أئمة الشيعة وفقهائها. وضرورة التميز والافتراق عن الجماعات السابقة تبدو جلية في كل لحظات التأسيس أو اعادة التأسيس. وليس في الامر سر. فآيات قرآنية وأحاديث نبوية عدة حضت المسلمين الاوائل على عدم التشبه باليهود والمسيحيين وانتقل السلوك هذا الى انصار التشيع.

أما الجانب الأهم من المسألة فيكمن في السعي الفارسي الى مداواة ”الجرح النرجسي“ الذي تسبب به الفتح العربي وتحطيم الامبراطورية الساسانية من قبل غزاة بدو، يشكلون، وفق كل الحسابات الفارسية، نقيض الحضارة الفخورة التي يعتد اصحابها بها وتضرب جذورها في عمق التاريخ.

فإن تكن زوجة الامام الرمز، الحسين بن علي الذي خاطب عبر استشهاده في كربلاء الهزيمة البطولية للامبراطورية الفارسية وصعود الأعداء وتمكنهم من السيطرة السياسية والدينية على الشعوب الايرانية[7]، ووالدة علي زين العابدين فارسية من اصول نبيلة، يبدو ضرورة درامية لاكتمال المأساة الفارسية الشيعية، فظهور زوجة الامام العسكري الرومية المسيحية تكمل دائرة الدراما فيبتعد التشيع عن العرب عبر شهبانو، وعن التسنن عبر الاميرة البيزنطية، ما دام من المحال ابعاد آل البيت عن اصولهم العربية والتماس الشديد بين الفقه الجعفري ونظيره السني.

على هذه الخلفية يمكن وضع الاحاديث التي يعترض القبانجي عليها، ليس في صورة الأساطير والخرافات والمبالغات التي لا تخلو من اساءة الى المذهب والائمة والعقلانية. فما تقوم الاحاديث هذه عليه هو جزء من التشكيل الاساسي للتشيع، وهو ما يمكن العثور على نظائره ومقابلاته في العديد من الاحاديث السنية.

عليه، يصح التساؤل في حالة حذف كل الاحاديث المذكورة وما تشير اليه من مواقف وحساسيات تتراوح بين الديني والقومي وصولا الى رؤية مختلفة الى الكون، عما يبقى من التشيع في صورته الحالية وعما يميزه عن التسنن العام الذي يشكل احترام اهل بيت النبوة واحدة من علاماته الاساس؟
[1] السيد احمد القبانجي، ”تشيع العوام وتشيع الخواص“–مدارك–2011
[2] ثمة جدل في صحة نسبة هذا الكتيب الى الغزالي.
[3] أحمد القبانجي، ”تهذيب أحاديث الشيعة“–منشورات الجمل–2009
[4] راجع مثلا ابن تيمية–”شرح العقيدة الواسطية“ حيث يرفض فكرة نفي محبة الله لمخلوقاته وحصرها في مجال الثواب على العبد.
[5] لمناقشة موسعة لفكرة أنسنة الاله راجع هيغل–”فينومينولوجيا الروح“.
[6] راجع ايضا مادة ”Shahrbanu“ في ”Encyclopedia Iranica“وMary Boyce–“Bibi Shahrbanu and the Lady of Pars”–Bulletin of the School of Oriental and African Studies, University of London, Vol.30, No. 1, Fiftieth Anniversary Volume (1967), pp. 30–44 وكذلك Amir-Moezzi Mohammad Ali–“Shahrbanu, princesse sassanide et épouse de l’imam Husayn. De l’Iran préislamique à l’islam Shiite”–Comptes rendus des séances de l’Académie des Inscriptions et Belles-Lettres-146e année, N. 1, 2002. pp. 255–285. ويبرز في بحث أمير-معزي تضخم القصص المحيطة بشهربانو وتحولها الى شخصية مناهضة للغزو العربي والقائها للشعر في مجلس الخليفة عمر بن الخطاب الذي رد على شعرها بأبيات نظمها هو، وكل ذلك بالفارسية طبعا.
[7] ما عدا الشعبين الارمني والجورجي اللذين ينتميان الى اسرة الشعوب الايرانية، باستثناء فترة الاحتلال العسكري العربي المباشر التي انتهت باكرا ولم تترك اثارا كبيرة على الهوية الثقافية للأرمن والجورجيين. ويمكن النظر الى شخصية ”الضحاك“ في ”شاهنامة“ الفردوسي باعتبارها التجسيد الحي للشر العربي الذي لاحق ملوك فارس الى ان قتله احد ابطالهم.

(كلمن)

السابق
عون وجعجع يقتربان من الحوار الرئاسي
التالي
لتفكيك منطقة اليورو وإنقاذ أوروبا