ما هي حظوظ العرب في ايقاف الزحف الايراني؟

هناك شبه اجماع الآن على انّ النفوذ الايراني في العالم العربي اليوم هو الأوسع له على الاطلاق في تاريخ المنطقة الحديث، بل انّ الحديث عن “نفوذ” يكاد يكون غير دقيق ذلك انّ ايران موجودة فعلا على الأرض في عدديها وعتادها ومرتزقتها في عدد كبير من البلدان العربية بما يتجاوز الحديث عن نفوذ الى الحديث عن عمليات احتلال واستيطان واحلال واسعة.

لقد بدأ هذا المشروع مع ولادة  علي حسين باكير، وعلى الرغم من انّ الحرب العراقية – الايرانية قد صدّته واجّلته،الا انّه سرعان ما اتّخذ اوجها واشكالا متعددة، باحثا عن أماكن رخوة ضعيفة يمكنه الانطلاق منها، وحيثما وجد صدّا بحث عن كيفية جعل هذه الأماكن ضعيفة عبر خلخلتها واختراقها. لبنان كانت موقعا مثاليا لانطلاقة المشروع الايراني عربيا، والنجاح المحقق هناك كان نجاحا باهرا توافرت له كل الذرائع المطلوبة لتغطيته وتمويهه واخفائه ولعل ابرزها ما كان يسمى “مقاومة”.

المشروع الايراني ليس مشروعا توسعيا فقط، هو مشروع ايديولوجي طائفي احلالي لا يستهدف تغيير التركيبة السياسية للمنطقة فقط بل التركيبة الديمغرافية والطائفية لأنّه محكوم عليه بالموت ما لم يفعل ذلك. حتى ثمانيات القرن الماضي، كانت اغلبية شيعة لبنان “حتى لا نقول كلهم” من اتباع المرجعية العربية، ولكن الأغلبية الساحقة منهم اليوم من أتباع الخامنئي الذي هو في نفس الوقت المرشد الاعلى لايران والقائد الأعلى للقوات المسلّحة لدولة غير عربية.

لغاية العام 2003، كان العراق حصنا منيعا أمام مشاريع ايران الطائفية التوسّعية في المنطقة، لكن مع احتلاله العام 2003، انهار الحصن وامتد الأخطبوط الايراني الى العراق، واستولى نظام الملالي على البلاد تحت شعار الأكثر الشيعية “غير المثبتة علميا حتى يومنا هذا”. وارتكتب هناك ولا تزال ترتكب حتى اليوم عمليات تصفية طائفيّة بحق السنّة هي الأوسع على الاطلاق، مغيّرة معها شكل العراق كليّا، تبعها موجات استيطان وتجنيس كبيرة عبر بوابة السياحة الدينية، حيث يفد الملايين من الايرانيين سنويا الى العراق ويبقى عدد منهم داخل العراق منشئين ما يعرف باسم مجتمع الحوزات والحسينيات والمزارات، حيث تبدأ العمليات بمرقد ثم تتوسع بحسينية ثم بمدرسة ثم بمجمع وبعدها بمرافق لخدمة هذه المنشآات الاستيطانية ثم ببنى تحتيى لخدمة المرافقة وهكذا حتى تجد نفسك في منطقة من الآلاف تعتقد انها جزء من ايران.

تحوّلت مناطق ومدن كثيرة في العراق الى مناطق ايرانية يتم تداول التومان فيها كعملة اولى، ولا تجد الا اللغة الفارسية فيها وتحولت اسماء الشوارع والاماكن الى اسماء فارسيّة ورفعت صورت وتماثيل الخميني والخامنئي في كل مكان، وتحوّل السنّة في العاصمة بغداد الى اقلّية، ويحكم العراق اليوم ضابط ايراني يأتمر بأمر جيش جرّار من المرتزقة والميليشيات الشيعية من كل مكان.

من المعروف انّ عائلة الأسد حوّلت سوريا منذ الثمانيات الى منصّة لتصدير  الثورة الايرانية، ولكن في عهد الأسد الابن تحوّلت هذه المنصّة الى قاعدة عمليات حيث يحكم بضعة افراد في عائلة علوية تمثّل بيئتها الطائفية اقل من 10% من مجموع السكان في احسن الاحوال كل سوريا.  اليوم ابتلعت المنصّة سوريا نفسها، تم قتل حوالي 300 الف سوري وجعل نصف سكان سوريا ايحوالي 10 مليون انسان بين لاجئ ونازح، وتم ويتم تدمير كل ما يمت الى تاريخ العرب والمسلمين بصلة، من بينها مقامات الصحابة والقادة العظام في التاريخ الاسلامي ولعل أبرزهم مقام الصحابي خالد بن الوليد. وبعد كل مجزرة يركتبها جيش ايران الطائفي بحق المدنيين ولاسيما الاطفال والنساء ترفع الأعلام والشعارات الطائفية كما فعلت عصابات حزب الله بمساجد القصير .

لقد أصبحت الندبيات والممارسات الطائفية  والتطبير وضرب السلاسل التي تقام باسم الحسين (والغريبة جملة وتفصيلا عن الاسلام ولم يعرفها حتى عرب الجاهلية) تنتشر في سوريا انتشار النار في الهشيم، حتى باتت تقام اليوم علنا داخل المسجد الاموي قلعة العرب التاريخية. وبموازاة ذلك جرت وتجري عمليات احلال طائفية في مدن كبرى لاسيما في حمص، ويتم استنتاخ ميليشيات سورية على شاكلة حزب الله في لبنان.  وتدار سوريا اليوم ايضا من قبل ضابط ايراني مسؤول عن جيش الميليشيات الشيعية الموجود هناك.

أما في اليمن، مهد العرب، فالأمر كما ترون، عصابة صغيرة من الأقلّية تمتلك من الأسلحة والدعم العسكري والمالي ما يفوق مقدرات الدولة ويسمح لها بأن تسيطر على البلد برمتّه كما هي الحالة في الأمثلة السابقة الذكر.

عندما كان يتم الحديث عن مشروع الهلال الشيعي خلال العقدين الماضيين، كانت الاجوبة تأتي من قبيل انّ هذا الكلام من صنع خيال الأشخاص الذين يطرحوه، ان او هذا القول هو ادعاء من انظمة تريد استعداء ايران، أو ان هذا تضخيم وهراء لا  اساس له من الصحة ومدفوع بدوافع طائفية! طبعا كل هؤلاء اليوم هم صمٌّ بكمٌ عميٌ.

هناك من يرى اليوم انّ هذا التوسع الايراني بالذات هو نقطة ضعفها التي ستوقعها في مقتل. هذا الكلام قد يحمل بعض الصحّة ولكنّه ليس دقيقا كفاية. فالتوسع الايراني غير تقليدي، وهو لا يستنزف ايران بالشكل الذي من المفترض له ان يكون فيه. بطبيعة الحال هناك تكاليف على طهران وهناك خسائر، ولكنّها نسبة الى طموح نظام الملالي وحجم التوسّع الهائل الجاري فانها تعدّ في حدّها الادنى والمقبول بالنسبة الى الجانب الايراني.

عدا عن ذلك، فان الأثمان الباهظة التي تدفع اصلا في هذه المعادلة ليس من رأس المالي الايراني. طهران لا تدفع من جيبها الا القليل. فهي تقاتل بمرتزقتها العرب، وتتوسع على حساب العرب، وتغزو بلدان العرب، وعمل اتباعها يقوم في الغالب على معادلة تمويل أولي لكي يصبح المشروع فيما بعد قادرا على تمويل جزء كبير من عمله بنفسه. وحتى وان افترضنا ان طهران تتحمّل بالكامل تكاليف هذا المشروع من جيبها، فانه يظلّ قليلا بالنسبة لها اذا ما أخذنا بعين الاعتبار انّها لو ارادت ان تدافع عن نظامها عبر الاكتفاء بالانفاق العسكري لحماية حدودها فقط لما كفتها مئات المليارات من الدولارات. طهران تدافع عن نظام المرشد الأعلى خارج حدودها، فمنذ انتهاء الحرب العراقية- الايرانية تقاتل طهران كل اعدائها في اراضينا، وبهذا المعنى فطهران رابحة حتى الآن بكل المقاييس.

اليوم من الصعب جدا ايقاف هذا الزحف الايراني في ظل الفوضى القائمة في العالم العربي وفي ظل القرارات الاستراتيجية الخاطئة التي اتخذتها وتتخذها دول المنطقة بدءً من الخليج ووصولا الى مصر. والمشكلة انّ وضعنا سيصبح أصعب بكثير بدءا من الشهر القادم تحديدا، وذلك بغض النظر عمّا اذا توصّلت طهران وواشنطن الى اتفاق نووي أم لم يتوصلا.

أصبح من المعلوم الآن انّ أفضل اتفاق (بالنسبة الى مصالح الامريكيين ومن وجهة نظرهم) من الممكن التوصل اليه مع نظام الملالي هو ذلك الذي من الممكن ان يبعد ايران عن انتاج قنبلة نووية فترة عام. بمعنى آخر، ان غيرت ايران رأيها بعد التوقيع على هكذا اتفاق وقررت الحصول على قنبلة نووية، فانها ستمتلكها خلال عام واحد.

هذا يعني انّ امام من بقي قائما من الدول العربية تحدّيان بالنسبة الى المشروع الايراني هما: الميليشيات الشيعية والسلاح النووي. وفي ظل المعطيات الحالية واذا ما بقينا على هذا المسار فلن يكون هناك فرصة لايقافهما ابدا. هناك حاجة أكثر من أي وقت مضى الى موقف جماعي موحّد، ونواة هذا الموقف من الممكن ايجادها في مجلس التعاون الخليجي، كما أنّ هناك حاجة الى تشكيل اجندة اقليمية موحّدة لأنّ الوضع اصبح أكبر من قدرة أي بلد اقليمي على تحمّله بشكل فردي، فهو يفوق القدرات الفردية لأي دولة، وهذا يفترض ان يتم تشكيل محور مع تركيا خاصة ان كل الظروف الموضوعية وتقاطع الرؤى والمصالح مهيئ لخدمة هذا التوجه، وعندها من الممكن التوجه الى استثمار المواقف الدولية لبعض الدول المستفيدة كفرنسا.

هناك حاجة الى تذكير واشنطن انطلاقا من الموقف الجماعي (ليس الكلامي فقط وانما العملي ايضا) ان تفضيل ايران عليهم سيضر بالمصالح الامريكية اولا، وانه يجب ان يكون هناك حدود للعلاقة مع ايران، بحيث تصبح واشنطن مخيّرة بين هذا وذلك، وسيكون من الصعب عليها تجاهل موقف الحلفاء اذا ما كانوا كتلة واحدة.

أما لناحية الملفات الاقليمية، فمن الصعب تفكيك الهلال الشيعي من دون ضرب حلقته الوسطى في سوريا. البدء بسوريا سيؤدي الى سقوط عامود الخيمة، كما انّه سياعد الى تفكيك هذا المشروع الى حلقات وهذا يسهل التعامل معها نسبيا. اما النووي الايراني، فهذا موضوع آخر سنناقشه فيما بعد، لكّنه بالتأكيد تحصين لمشروع ايران وكارثة كبرى للمنطقة.

(السورية)

السابق
سيارة مجهزة لاتحاد بلديات القلعة – تبنين من الكتيبة الايطالية
التالي
طلاق جورج الراسي وجويل حاتم