أوهام «الممانعة» عن دور يوناني! 

لم يخطر في بال ألكسيس تسيبراس أن فوزه في الانتخابات اليونانية العامة سيُلحقه فوراً بمعسكر «الممانعة» العربي الذي تقوده إيران. هو وحزبه كانا يعتقدان، وما زالا، بأن مهمته الرئيسة التي أقنع الناخبين اليونانيين باختياره على أساسها، تتعلق حصراً بالسياسات الداخلية، وإذا تعدتها إلى الخارج، ففي النطاق الأوروبي الضيق المرتبط بخطة الإنقاذ المالية التي جعلت اليونان مختبراً لأقسى أنواع الإجراءات التقشفية.

أما وعوده الانتخابية التي سيقض تنفيذها مضجعه لسنوات، فتتلخص في إعادة جدولة الديون وتخفيف العبء عن الطبقة الأكثر فقراً ووقف إجراءات الخصخصة التي يطالب بها الدائنون الذين قدموا لبلاده 240 بليون يورو لإخراجها من أزمتها الاقتصادية وإعادتها إلى الحيز الأوروبي المتقدم بعدما هبط اقتصادها إلى مصاف الدول الناشئة، وبات كل يوناني مديناً بما يقارب 30 ألف يورو.

يتابع رئيس الوزراء الشاب بالتأكيد ما يحصل في منطقتنا القريبة من اليونان، لكن لم يحدث أن تطرق في أي من خطبه خلال حملته الانتخابية، أو بعد فوزه، الى ما يحصل في دولها الملتهبة مثل العراق وسورية وليبيا، ناهيك عن لبنان واليمن والصومال، حيث لا مصالح كبيرة لبلاده تستوجب الذكر.

موقفه المميز يخص فقط الفلسطينيين. وسبق له إعلان تأييده قيام دولة فلسطينية في حدود العام 1967، وانتقد «الهجمة الإجرامية والوحشية» خلال تظاهرة العام الماضي للتنديد بالعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة. لكن هذا لا يخرج عن الإطار العام للسياسة التي تتبعها اليونان منذ عقود، في تأييدها للقضايا العربية بشكل عام والقضية الفلسطينية بشكل خاص، على رغم أن علاقتها بإسرائيل شهدت تطوراً كبيراً منذ العام 2008 وصل الى حد التعاون العسكري، بعدما جمدت تركيا تعاوناً مماثلاً مع الدولة العبرية.

وربما أيقظت الشعارات التي استخدمها «الرفيق» تسيبراس في حملته، مثل «العزة القومية» و «المصير» و «صناعة التاريخ» ذكرى أيام مضت عند «البعثيين» و «الممانعين»، ودفعتهم الى الاعتقاد بأنهم سجلوا «اختراقاً» في قلب أوروبا، وكسبوا «حليفاً» لن يلبث أن يتخذ قرارات «ثورية» تقلب الواقع في منطقتنا رأساً على عقب، معلناً الحرب على إسرائيل والولايات المتحدة والرأسمالية جمعاء، وقد يصل الى حد مبايعة الولي الفقيه الذي يخوض «مفاوضات بقاء» مع الإمبريالي الأميركي.

لكن هذه الشعارات استعارها تسيبراس بذكاء من قاموس اليمين المتشدد الأوروبي، لأن هدفه كان جذب تأييد الطبقات الشعبية الدنيا، الأكثر تضرراً من سياسة التقشف والتي تعتبر أن الاتحاد الأوروبي، وألمانيا خصوصاً، يفرضانها على اليونانيين في ما يشبه «الاحتلال الاقتصادي»، وترى في استقبال المهاجرين أحد أسباب الأزمة الاقتصادية في بلادها.

وقد يكون تسيبراس، باعتباره يسارياً راديكالياً، من مؤيدي حق أي شعب في تقرير مصيره، من وجهة نظر مبدئية، ولا بد أن ذلك ينطبق أيضاً على الشعب السوري الذي يتعرض للتنكيل من ديكتاتور يفرغ كل ما في جعبته من وحشية للاحتفاظ بكرسيه. لذا قد يُفاجأ المهللون لفوزه في إعلام «الممانعة» بأن مواقفه الأيديولوجية لا تصب بالضرورة في مصلحتهم، خصوصاً في ضوء «تكويع» كوبا، الحصن الأخير لليسار الراديكالي في العالم.

هذا الإعلام نسج قصة من صميم «الخيال السياسي» حول الحلف الحتمي بين اليونان وروسيا «لأن معركتهما واحدة» مع الغرب، ولأن فلاديمير بوتين «لديه الكثير» ليقدمه الى صديقه الجديد، بعيداً من حقيقة الوضع الروسي المشرف على الانهيار نتيجة العقوبات الاقتصادية الغربية وهروب رؤوس الأموال. كما لم ينسَ أن يضم إليهما بشار الأسد، ما يعكس اليأس الذي يطغى على هذا الفريق ويجعله يضخم أي تطور صغير ويدعيه «انتصاراً».

هموم تسيبراس كبيرة جداً وكثيرة التشعب، والحلول التي يقترحها لأزمة اليونان متعددة المخاطر وقد لا تنجح، بل إن سياسته مهددة فعلياً بالفشل الذي قد يوقع بلاده في مأزق أخطر بكثير من الذي يحاول إنقاذها منه. لكن الأكيد انه ليس بين انشغالاته إنشاء «حلف» بين أثينا وموسكو ودمشق برعاية طهران!

(الحياة) 

 

السابق
دافوس و«جرذان» الداخل الايراني
التالي
«منتدى موسكو» جمع النظام السوري ومجموعة الـ30 المعارضة