دافوس و«جرذان» الداخل الايراني

اقتنص رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية فرصة مشاركته في منتدی دافوس العام الماضي ليلتقي بالمسؤولين الاقتصاديين الدوليين ومسؤولي كبار الشركات الاقتصادية والتجارية الدولية. وتوقعت الصحف المؤيدة للحكومة فتح الأبواب الاقتصادية الإيرانية علی مصاريعها أمام الاستثمارات الأجنبية، وأملت في أن تقضي هذه الاستثمارات علی مشكلات إيران الاقتصادية. ويبدو أن الدكتور روحاني صدّق ما كتبته الصحف الموالية لحكومته، وأعلن عزم الشركات الأجنبية التي اصطفت في صف الانتظار، على العمل في السوق الإيرانية!

ولكن عدم مشاركة حسن روحاني في ملتقى دافوس هذا العام يوحي بإخفاق مشاركته السابقة. واليوم ألا يحق لنا أن نتساءل عما جناه من مشاركته في دافوس العام الماضي وإعلانه استعداد الشركات الأجنبية للعمل في إيران؟ وإذا كان الأمر على هذا المنوال، لماذا لم يتابع الرئيس نشاطه في دافوس هذا العام؟ وإذا لم يثبت استعداد هذه الشركات للعمل في إيران، فما البديل الذي يقترحه لحل مشكلات إيران الاقتصادية؟ وعلی رغم أن ثمة أسباباً أخری لعدم مشاركة الرئيس في منتدی دافوس، ثمة أسباب واضحة وراء عدم نجاح حكومته في تشجيع الاستثمارات الأجنبية وإخفاق مشاركة الرئيس في دافوس عام 2014.

في بداية تشكيل حكومة الرئيس روحاني، قدم وزير الصناعة، محمد رضا نعمت زادة، برنامجه، واقترح منح الفرص للاستثمارات الأجنبية بمعدل 8 بليون دولار سنوياً. كما أن رئيس الجمهورية وعد ناخبيه في حملته الانتخابية بالتعاون مع الأسرة الدولية من أجل استقبال الاستثمارات الأجنبية. وفي حينها، كان يدعو إلى التعامل الإيجابي مع الأسرة الدولية ويشير إلى تعذر مقاربة العالم من نافذة الحرب، ويبرز الحاجة إلى أطر التعاون والصداقة من أجل كسب ثقة الاستثمار الأجنبي.

وحالت العقوبات الاقتصادية التي تفرضها الولايات المتحدة وتهديدها الشركات دون إقبال الشركات الأجنبية على العمل في إيران. ويمكن القول إن أميركا سعت في العام والنصف الماضيين إلى قطع شرايين الاستثمار عن إيران ، وراقبت عن كثب كل محاولات هذا الاستثمار في السوق الإيرانية، في وقت كانت الحكومة منشغلة بمفاوضاتها معها (أميركا) لتمنح العدو امتيازات كثيرة من دون مقابل. هذا ناهيك عن خطوات المقاطعة الجديدة التي فرضتها الولايات المتحدة خلال المفاوضات.

وكان من المفترض أن يقدم رئيس الجمهورية علی خطوتين: مواجهة سلوك الأعداء، والسعي إلى تغيير الاستراتيجية الاقتصادية الحكومية. ولكن ما يدعو إلى الأسف هو ضعف سياسة الحكومة ورخاوتها في مواجهة السلوك الغربي. وهذا الضعف عبّد الطريق أمام تجرؤ وزير الخارجية على التنزه مع وزير الخارجية الأميركي في شوارع جنيف! وكان من الممكن أن نتجاوز مثل هذه المشكلات باتخاذ قرارات ذكية في الداخل. ولكن هذا ما لم يحصل، وسارت الحكومة في الدرب الطالح، وسعت إلى الاعتماد علی الاستثمارات الأجنبية.

وكان من الطبيعي أن تنتهج الحكومة سياسة تنسجم مع تطلعات المواطنين من أجل تحقيق الوعود. ومع التقدير للإنجازات التي حققتها الحكومة، لا مناص من القول إن شاغل بعضهم كان قطع الوعود ورفع شعارات من أجل استرضاء الإيرانيين. وكان أداء الحكومة ضعيفاً ويفتقر إلى برامج واضحة. ومن علامات الأداء الضعيف زعم مكافحة الفساد الاقتصادي. ولكن الوقائع تثبت تفاقم الفساد وسط صمت المسؤولين المطبق. وعلی رغم إعلان المسؤولين القضاء علی الفساد، تشير معلومات إلى أرقام مقلقة إذ قال أحد المسؤولين في ندوة خاصة إن نسبة الفساد زادت في الدوائر الحكومية 20 في المئة في الأشهر العشرة الماضية، وكذلك ارتفعت نسبة عمليات الاختلاس 40 في المئة. ونسبة الاستيلاء علی أراضي الدولة 27 في المئة. ولكن هل يمكن معالجة هذه المشكلات من طريق التعويل علی الدعم الخارجي؟ ألا تشير هذه الأرقام إلی تغلغل العصابات المنظمة في الأجهزة الحكومية؟ وما الغاية من إعطاء أربع شركات فحسب رخص استيراد السكر، في وقت تعاني صناعة السكر الإيرانية ظروفاً صناعية ومالية حرجة؟

وعوض أن تعالج الحكومة هذه المشكلات وأن تقطع دابر الفاسدين والمفسدين، وتعيد حقوق الإيرانيين من هؤلاء الفاسدين، تلجأ إلی فرض مزيد من القيود والأعباء عليهم. وعلی سبيل المثال، تخص موازنة العام الجديد 200 بليون تومان ( نحو 71 مليون دولار ) لإقامة الندوات والمؤتمرات العامة. ولا تُعرف أهمية مثل هذه الندوات التي لا تشبع ولا تغني من جوع ولا تحول دون ترك الأسعار ترتفع على غاربها. وعندما يكون 10 أشخاص فحسب مدينين للقطاع المصرفي بمبلغ 12 ألف بليون تومان (نحو 4 بلايين دولار)، يلح سؤال: ما هي الإجراءات التي اتخذتها الحكومة من أجل معالجة مثل هذه المشكلات؟ وهل معالجتها تجوز من طريق تشديد قيد الضغوط علی المواطنين وترك الفاسدين؟ هل يمكن تصديق مزاعم محاربة الفساد في وقت يغض النظر عن سيطرة عصابات الفساد علی جزء كبير من اقتصاد ايران؟

ولا شك في أن السلوك الشيطاني للولايات المتحدة يحول دون الاستثمارات الأجنبية في إيران. ولكن علينا ألا نغفل أن المستثمر، سواء كان إيرانياً أو أجنبياً، لا يرغب في الاستثمار في بلد تزداد فيه نسب الفساد المالي. ولا يجوز الانتظار من المؤسسات الفاسدة أن تدير استثمارات سليمة تساهم في تحسين الاقتصاد.

(كيهان الإيرانية)

السابق
سخونة تلفّ حدود لبنان من أقصاه إلى أقصاه ومجلس الأمن يلتئم
التالي
أوهام «الممانعة» عن دور يوناني!