تراجع «الربيع العربي»

كان النموذج المتصور لـ «الربيع العربي» واضحاً بصورة نسبية. انطلقت الشرارة في تونس لتؤجج الأحداث في أنحاء المنطقة، محدثة تغيرات اجتماعية وسياسية جذرية. كثيرون اعتبروها أنها تمثل مساراً من الديكتاتورية إلى الديموقراطية.

برغم ذلك عندما أجرى مركز «زغبي للأبحاث» استطلاعاً للرأي في نهاية العام 2011، وجدنا أن الرأي العام كان أقل تيقناً من ذلك. فعلى سبيل المثال، عندما سألنا المواطنين في مصر وتونس والأردن ولبنان والسعودية والإمارات حول ما إذا كانوا يعتقدون أن الشرق الأوسط أصبح أفضل أو أسوأ نتيجة «الربيع العربي»، كانت الإجابات منقسمة بين مَن أكدوا أنهم شعروا بأن العالم العربي أصبح أفضل، ومَن قالوا إنه «من المبكر جداً أن نحكم على التجربة». ويعكس هذا المزيج من الأمل، وإن كان موقتاً، حالة عدم اليقين التي شعر بها كثيرون تجاه المتغيرات في دول «الربيع العربي».
وقد أجرى مركز «زغبي» استطلاعاً آخر أيضاً في الدول ذاتها خلال الخريف الماضي، لمعرفة ما يشعر به العرب الآن حيال هذا «الربيع». ووجدنا أن تقييمهم ساء بدرجة كبيرة، إذ بلغ عدد مَن قالوا إن المنطقة باتت أسوأ، أكثر من ثلاثة أضعاف، أو على الأقل ضعفي عددهم في العام 2011. وتوصلنا أيضاً إلى أن ما كان يُتوقع أن يصبح رواية بسيطة بمسار واحد، تشعب الآن إلى لوحة أكثر تعقيداً مؤلفة من قصص فردية لكل منها طابعها الخاص. فمصر ليست تونس، واليمن ليست سوريا، وليبيا ليست أياً منها.
وعندما طلبنا من الأشخاص المستطلعة آراؤهم تقييم التطورات في الدول التي شهدت الاضطرابات، ومدى أملهم في أن كل تلك الدول سيكون لها مستقبل أكثر إشراقاً، لم تكن النتيجة جيدة سوى في تونس، بينما اعتبر السعوديون والإماراتيون أن مصر تمضي في اتجاه إيجابي. وفي حين أن وجهات النظر بشأن المسار الذي اتخذه اليمن كان متبايناً بدرجة ما، إلا أن استطلاع الرأي تم إجراؤه قبل سيطرة الميليشيات الموالية للحوثي على صنعاء، الأمر الذي استصحب من جديد حالة انعدام اليقين. واعتبرت ليبيا أشد سوءاً مما كانت عليه قبل بدء الاضطرابات. وعبّرت الغالبية العظمى من المستطلعة آراؤهم في الدول كافة عن الخشية من أن الوضع في سوريا أو ليبيا قد لا يحل في غضون الأعوام الخمسة المقبلة.
وقد ظهر رفض واسع لتنظيم «داعش» وقلق عميق من تأثير تلك الجماعة في المنطقة. وفي الوقت ذاته، بدأ نقص في الثقة تجاه الولايات المتحدة، إضافة إلى ضعف في نسب تأييد العرب لانخراط واشنطن في المنطقة، وهو ما قد يفضي أيضاً إلى تأييد أقل حماسة لجهود الغرب في مواجهة تنظيم «داعش». وتوضح الدراسة حجم الانقسام في المنطقة بشأن تطورات الأعوام الأربعة الماضية، فما بدا عنواناً ممكناً للتقدم في بداية «الربيع العربي»، أصبح «حكاية مقلقة».. وخطوات كثيرة إلى الخلف.

http://assafir.com/Article/18/392254

السابق
سعيد: “حزب الله” هو من يريد الحوار
التالي
هل يُطبّق قانون السير الجديد في نيسان أم يأخذ المعنيون مهلة جديدة؟