تونس: ختام ثورة

أسدل الستار على الموجة الاولى من الربيع العربي. ومثلما قدمت تونس نموذجها الاول الذي هز جميع العروش العربية من دون استثناء، ها هي تقول كلمتها الاخيرة: الثورة فشلت،لأن الانظمة هي أقوى مما كان يعتقد، والجيوش اسوأ مما كان يظن، والشعوب أضعف مما كان يفترض.. ولأن الدواعش أخطر مما كان يتوقع.

نعم إنتصرت الديموقراطية التونسية، ولكن الى حين. نعم إنهزمت النهضة الاسلامية التونسية، ولكن الى أمد غير محدد. وغداً لن يبقى من تجربة السنوات الاربع الماضية سوى ذكريات عابرة،عن ذلك الشاب الاخرق الذي إنفعل فأنتحر، مع أن فرصه في الحصول على عفو النظام وعطفه كانت كبيرة، ولم تكن مظلوميته تستحق مثل هذه المجازفة. وغداً لن يبقى من مساوىء زين العابدين بن علي سوى انه جبُن وفرّ بسرعة من أرض المعركة التي كانت لا تزال في بدايتها.

ما أفرزته صناديق الاقتراع التونسية ليس انقلاباً عسكرياً أبيض على الطريقة المصرية او إحتراباً أهلياً على الطريقة الليبية او إنعطافاً سياسياً على الطريقة اليمنية.. لكنها عودة حتمية الى ما قبل الثورة، يرقص لها اليوم الحكام في القاهرة وطبرق وصنعاء. وهي بمثابة عيد في دمشق. ففي غالبية العواصم العربية لا تمييز بين إسلامي يحمل السلاح وآخر يلتزم القانون والدستور ويدعو الى الوفاق والمشاركة ويحافظ على الحريات، ولا تفكير في ما بعد داعش التي تكسب كل يوم تقريباً المزيد من الانصار من المحيط الى الخليج.

في هزيمة النهضة دلالة ختامية على ان الجمهور العربي في غالبيته التي خرجت في مستهل الربيع، لا يريد الاسلام السياسي في السلطة. وهو انذار للنهضة ولتلك التجربة الاسلامية الفريدة، التي استمدت من الثقافة التونسية الرحبة زخمها الاول، ومن تجربة الاحزاب المسيحية الديموقراطية الاوروبية مثالها الابرز. لكن الحظ خانها في لحظة الصدام العربي والاسلامي العنيف بين اقسى التطرفين: تطرف الانظمة العسكرية وتطرف الدواعش.

الفرصة متاحة لمراجعة تلك التجربة الاسلامية التونسية المميزة، التي افادت الاسلاميين الاتراك واستفادت منهم، وما زالت تشكل حالة متقدمة لدى الجمهور العربي والاسلامي، على الاقل كبديل للغلو والتشدد. لكن التحدي سيكون مزدوجاً: من جهة الحكام الذين افرزتهم صناديق الاقتراع، ومنحتهم تفويضا صريحا للثأر، ومن جهة الدواعش الذين سيتعمق إيمانهم بان الانتخابات رجس من عمل الشيطان ينبغي اجتنابه، ولا مفر من نحر المشاركين فيها.

كان يمكن، بل يجب تهنئة ائتلاف نداء تونس بالفوز في الانتخابات، لكن الصرخة التي أطلقها مخنوقة، لا تعبر عن تيار ايديولوجي او عن حركة سياسية ليبرالية او عن تنظيم حزبي مدني علماني او عن حركة نسوية جدية. رجال من العهد القديم، بعضهم من عهد الاستعمار، تجمعوا معا لكي يعبروا عن عصبية لا تخفي انتهازيتها، وتوقها الى الانتقام من شباب الثورة، ولا تنكر أصوليتها وسلفيتها العلمانية في مواجهة الحقبة الداعشية الراهنة التي تتمدد في مشرق الارض العربية بسرعة مذهلة.

ثمة غالبية شعبية تونسية لا شك فيها تنتمي الى تلك الاصولية، التي سبق ان هتفت لمبارك بل والاسد ورفعت صورهما في الشوارع.. وهي لن تتردد من الان فصاعدا في رفع صور بن علي المحرمة وربما دعوته للعودة الى ارض الوطن. وهو ما يمكن ان يعتبره الدواعش نداء جديدا وفرصة إضافية لهم للتوسع في شمال افريقيا.

لا قراءة دقيقة لنتائج الانتخابات التونسية سوى ان النظام القديم يعود الى تونس مثلما عاد الى مصر ومثلما يحاول العودة الى ليبيا، ومثلما لا يزال يقاتل في سوريا وفي اليمن: فصل الربيع اختتم. اختارت الجماهير العربية، على اختلاف الاساليب والادوات، الانطواء على أنظمتها وجيوشها، وعلى قديمها، طالما ان الداعشية هي الوعد الوحيد.. قبل ان يحل موعد الموجة الثانية من الربيع العربي.

 

السابق
مغمض العينيين بلا قلق
التالي
لبنان.. ربع قرن على غياب «الطائف»