أيران المقتدرة ’مريضة’

مريضان يؤرقان ايران العميقة ويقلقانها . المرشد اية الله علي خامنئي المريض الكبير وان كان خرج من المستشفى ، فان الطريقة التي أعلن فيه مرضه احدثت هزة . لا الإيرانيين اعتادوا على التقارير الطبية التي تتناول صحة القائد ولا حتى المسؤولين الكبار ولا العالم . فقد جرت العادة متابعة صحة المرشد والمسؤولين الآخرين عبر اخبار مسربة بعناية شديدة . “الفلتر”، شغٓال في كل شيء من الصحة الى الانتخابات

المريض الثاني هو اية الله محمد رضا كني رئيس مجلس الخبراء ، الذي دخل في الغيبوبة السريرية منذ حوالي الشهر . وهو مهم جداً وان لم يكن بقدر المرشد ، لان أعضاء المجلس هم الذين ينتخبون المرشد وحتى الذين يقيلونه اذا وجدوا انه غير قادر على اداء مهامه ،فلذلك اكتسب في هذه الفترة الحساسة أهمية خاصة . وازدادت أهميته في هذه المرحلة لانه الى جانب المرشد المريض و الصراع المحتدم بين المحافظين والمعتدلين ومعهم الإصلاحيين .ولا شك ان نظام المجلس وطريقة انتخابه ضاعفت من حساسية وضعه ورفع أهميته .

تبارى الاعلام في التعامل مع اعلان اجراء عملية البروستات للمرشد ، وكإن اعلان وفاته مسالة ساعات وفي أقصى الحالات أياما . الواقع ان صحته ليست بخير لكنه يمكنه الصمود حتى ولو لم يعد يعمل سوى ساعات قليلة كما حصل مع الرئيس الفرنس فرانسوا ميتران . المشكلة الاساسية هي : هل يمكنه ترتيب “البيت ” في ظل العواصف التي تتلاعب بإيران والمنطقة ؟

داخليا تقترب استحقاقات متداخلة ، ومن الواضح ان كل الأطراف تستعد لها منذ الان . الاول رئاسة مجلس الخبراء في ظل الوفاة السريرية لرئيسه الحالي اية الله كني . تدور معركة خفية تمهيدا لما بعدها بين هاشمي رفسنجاني الذي كان رئيساً سابقا له واية الله مصباح يزدي زعيم التيار المتشدد الذي يطلق عليه “الطالباني”. لكن كما يبدو فان المرشد يتجه الى حل وسط وهو اما ترك اية الله شهروردي يصبح الرئيس خصوصا وانه حاليا نائب الرئيس ومدين لخامنئي ، وأما ان ينتخب اية الله علي فيض مشكيني الذي يبلغ ٨٦ سنة .

الثاني وهو الأهم ففي آذار ٢٠١٥ وقبل حلول السنة الشمسية يجب ان تجري انتخابات مجلس الخبراء ، الذي يعين ويقيل المرشد . المعروف حسب الدستور ان عدد أعضاء هذا المجلس حاليا ٨٩ عضوا توفي منهم أربعة ، والمفترض ان يزيد عددهم مع زيادة عدد السكان. ويتم انتخاب الأعضاء الذين كلهم من المعممين مباشرة من الشعب. والسؤال كيف سيضبط المرشد عملية الانتخابات حتى ولو لعب “مجلس صيانة الدستور ” دوره في تصفية المرشحين . اما الخطر في هذه الانتخابات فيتمثل بأية الله رفسنجاني ، الطامح لخلافة خامنئي . وقد لوحظ ان رفسنجاني بدأ برمي ” الرسائل” اذ قال : “يرددون انني اعمل على تشكيل لائحة من خمسين مرشحا . لا اعتقد ذلك فقد كبرت في السن ” . من المعروف انه يكبر خامنئي سنة واحدة . أيضاً سربت أوساط “ثعلب” السياسة الايرانية بانه سيشكل مع محمد خاتمي ( رفض خامنئي استقباله في المستشفى) ومحمد رضا عارف تحالفا في الانتخابات التشريعية القريبة ، ومن الطبيعي ان يكون حسن روحاني رابع هذه “الترويكا “.

المرشد وهو يتابع علاجه ، يواجه مشكلة كبيرة في الخارج، فقد ربح في ” الهلال ” الذي كان يعمل لتشكيله تكتيكيا وخسر استراتيجيا . العراق الذي كان سيده مع الفريق سليماني خرج من بين يديه . فقد اجبره المرجع اية الله العظمى السيستاني على إقالة المالكي . وجاء داعش ليجهز على ما بقي له . الأميركيون عادوا ، الأخطر ان الرئيس حسن روحاني دعاهم ل”إرسال قوات برية” في وقت يتباهى فيه قائد “الباسيج” بالقول : ” نحن الذين نتخذ فيه قرارات المنطقة “.

تبقى سوريا “أم” المشاكل للمرشد فهو جعل منها ” معركة المربع الأخير” . الحرب ضد داعش أعادت رسم خريطة الصراع في المنطقة . كيفية المحافظة على بشار الاسد أصبحت تشكل معضلة ، خصوصا وان تقوية المعارضة المعتدلة وضرب المتطرفين تفتح الباب امام طرح مستقبل الاسد . وتبدو دقة موقف ايران من التطورات في سوريا ان قائد الحرس الثوري الجنرال جعفري الذي يكثر من التصريحات المتطرفة أعلن ” ان الولايات المتحدة الأميركية ستندم اذا هاجمت نظام الاسد ” . طبعا لا يقول الجنرال كيف سيجعل الولايات المتحدة الأميركية تندم في وقت يدعوها فيها الرئيس روحاني لإرسال قوات الى العراق ؟

يبقى إن كل هذه التطورات والمشاكل تحل في وقت تتراجع فرص التوصل الى اتفاق نووي مع مجموعة خمسة زائد واحد في الوقت الحالي، وبالتالي استمرار العقوبات وربما تصعيدها والأخطر ان المصرف المركزي الايراني أعلن رسميا ان” اقتصاد البلاد بما فيه قطاع النفط انكمش بنسبة 1,9في المئة هذا العام الشمسي ” .

السابق
اتصالات ’أجَّلت’ قتل عسكري.. والموفد القطري في بيروت اليوم
التالي
أديان تمنح جائزة التضامن الروحي للسيّد هاني فحص