عن دور العقل الغربيّ في إنتاج صور داعش الوحشية

الى اي حد استفادت داعش من التكنولوجيا؟ والى اي حد لعبت داعش على موضوع الترهيب تقنياً لاجل السيطرة؟ وكيف استدرجت الصحافة اليها؟ وماذا تقول المخرجة والاعلامية ديانا مقلد حول هذا الموضوع؟

تمّ إعدام الصحافي الاميركي ستيفن سوتلوف، وقبله جايمس فولي بطريقة هوليوودية، ورغم عشق الغرب للفنّ والإثارة، فقد رأت كل من إدارتي “تويتر” و”يوتيوب” أنّ الواجب الأخلاقي والحرص المعنوي على صورة الضحية ومشاعر عائلته، يقتضيان حذف الفيديو الذي حملته “داعش” في “يوتيوب”، وتقصّي حسابات “تويتر” لمنعها من النشر ايضا.

ومن المؤكد ان داعش، الحركة الدينية، الموغلة في التاريخ لدرجة انه يمكن اعادة اصولها الى المرحلة الوحشية من طبائع الكائنات قبل انسنتها في الحضارة والثقافة والاديان، باتت تفرض تساؤلا في اذهان الجميع، يتركز على ان الاستفادة القصوى لداعش من عالم التكنولوجيا المتطوّر، وعلى اعلى المستويات من يوتيوب وتويتر وفايسبوك، ليست وليدة او ابنة هؤلاء الوحشيين بل هي صنيعة خبراء ومهنيين وتقنيين عالميين لا يعرفون معنى ملمس الدم الحار لكثرة استعمالهم الآلة الباردة اي الكمبيوترات والاجهزة.

هذه الاستفادة القصوى من التكنولوجيا العالمية نشرت فلسفة القتل الوحشي الذي لم يعهده العالم ابدا حتى خلال قصف غزة او لبنان او خلال احداث 11 ايلول الشهيرة. فصور الذبح والسبي تسببت بشهرة للتنظيم الجديد بأقصى ما يمكن من السرعة التي تفوقت فيها على الانترنت وشبكاته.
صار الذبح (آلة القتل الداعشي) هي النصر العصري لداعش بوجه نصر الغرب التكنولوجي على العرب والشرق. فقد كان التفوق الغربي على العرب والمسلمين وابناء الشرق بالاختراعات والاكتشافات والصناعات، لكنّ داعش ابت ان تجعلهم الاوائل فاختارت السلاح الاول للانسان الاول ما قبل التاريخ وهو السلاح الابيض لتفرضه كوسيلة (نظيفة) وسريعة ولا تحتاج الى اي قطع غيار اجنبية قد تعطل عليها اعمالها في حال انقطاع الامدادات او اقفال الحدود او المحاصرة. السلاح الابيض هو السلاح الاقوى لانه يمكن ان يجعل من قطعة خشب رديئة سلاحا فتاكا يحز الرقاب لسبب عظيم، كأن يخطىء المرء في بقراءة آية قرآنية بشكل صحيح.

داعشعشرات الصور والفيديوهات التي تعرضها وتبثها “داعش” يومياً لا يمكن فهمها الا ضمن سياق تعزيز سياستها الإعلانية المبنية في أساسها على التخويف والترهيب، عبر ما تضخّه في مواقع التواصل ووسائل الإعلام ولترسيخ فكرة مفادها أنّ “الدولة الإسلامية أقوى من أن تهزم أو تتلاشى.

في حلبجة، قتل صدام حسين الآلاف من الاكراد وبشكل بشع جدا وفعل ذلك في النجف ايضا ضدّ الشيعة، وفعلها بشار الاسد ببراميله النارية والكلور ضدّ الاطفال منذ 3 اعوام وحتّى اليوم وقبلها فعلتها اسرائيل في دير ياسين وصبرا وشاتيلا والعديد من المجازر منها مجزرة حولا في الجنوب…

الا ان تأخر وصول الصور كان عاملا مساعدا للضحايا في التخفيف من الرعب لذا اعتمد المجرمون على بثّ الاخبار والشائعات اي ما يعرف بـ(التواتر) عن الاغتصاب من اجل اثارة المخاوف وإظهار أنفسهم كمدافعين عن الشرف والكرامة وكمدافعين عن الحرمات، علما ان حرمات الوطن اعلى واشرف من حرمات بنيه.

فهل أدت اللعبة البصرية دورها في تسريع احتلال الموصل كما حصل عام 1948 خلال احتلال فلسطين؟ ومن هو العقل الفني والتقني الذي استخدم ادوات حرب تنتشر كالنار في الهشيم؟ وهل ان ابا بكر البغدادي من خريجي ارقى الجامعات التي تلقن فنون اللعبة الاعلامية؟ وهل ان البروباغندا الداعشية هدفت الى ان تجعل الشعب العربي المظلوم يترحم على الأنظمة الديكتاتورية وحكوماتها وعلى اساليبها في التعذيب؟ فلم نعد نرى سجن “المزّة” السوري او سجن “أبو غريب” العراقي الا “شمة هوا”؟ ولم نعد نرى في اطلاق الرصاص على الضحايا الا رحمة وشفقة؟ بل صرنا نتمنى هذه الطريقة في القتل؟
ديانا مقلدتقول المخرجة والاعلامية ديانا مقلد في حديث خاص لـ’جنوبية’: “هذا العصر الذي نحن فيه جعل داعش تمارس القتل بوحشية العصور القديمة، رغم اننا مررنا كلبنانيين في الحرب الاهلية، ولكن لم نصل الى ما وصلت اليه داعش في صورتها المرعبة، ففي الموصل مثلا سقطت بعض القرى عبر (أس أم أس). وعدد من عمليات الذبح استُدعِيَ اليها مصورون وكانت مجلة (التايم) الاميركية قد نقلت تحقيقات بتقنية HD العالية الدقة لجعل الصورة تستوطن في أذهاننا”.

وتتابع مقلد :”الأمر الأهم بالنسبة إلى داعش هو وضع الإعلام أمام مجازر مع استعمال بعض الآيات التي تعطي معنىً للقتل لان داعش مصرة على استعمال احدث التقنيات لنقل المجازر وهذا له علاقة بالناس الذين يمارسون القتل مع داعش، وهؤلاء افراد من نتاج الفكر الهوليوودي الذي يحبه الغرب، واذا توقفت حملات داعش الاعلامية فإنّ جزءا كبيرا منها سيتراجع، وانا ارى انّ جزءا كبيرا من قوة داعش مبالغ فيه ومضخم من اجل سرعة السيطرة”.

وتختم المخرجة ديانا مقلد بالقول: “التقنيات ساعدت داعش طبعا، وهم يشعرون بالنشوة، خصوصا مع انضمام إسلاميين آتين من الغرب للقتال إلى جانبهم، ما يساعدهم على الاستفادة من التقنيات اكثر”.

السابق
عن انكسار فقراء الضاحية أمام المدارس الضعيفة
التالي
بري تقدم بترشحه للانتخابات النيابية وغادر لبنان في زيارة خاصة