عرسال: هزيمة قاسية

الحصيلة الاولية لأول معركة يخوضها الجيش اللبناني مع أول سلاح سوري معارض يُشهر في لبنان، كانت مؤلمة ومخيفة، على جميع المستويات الانسانية والعسكرية والسياسية.. وطبعا المذهبية.
عشرة شهداء و25 جريحا و11 مفقودا، او رهينا، من الضباط والجنود في معركة لم تتجاوز مدتها الست ساعات، وفي مساحة لا تتعدى العشرة كيلومترات مربعة، وفي بيئة اجتماعية مؤاتية للجيش..هذا عدا عن الضربة الموجعة التي تلقتها قوى الامن الداخلي، وتعمد فيها المسلحون السوريون إهانة المؤسسة وبالتالي الدولة والمجتمع، فضلا عن اللعب المكشوف على وتر العصبيات الطائفية اللبنانية.
هزيمة قاسية بكل المعايير، تستدعي- في اي بلد في العالم- تحقيقا عسكريا وسياسيا، يعدد الاخطاء ويحدد المسؤوليات ويصيغ الخطط والتوجيهات ويوفر القدرات المطلوبة على مستوى التسليح او التجنيد لتفادي تكرار مثل هذه الضريبة الدموية الثقيلة التي دفعها الجيش خاصة والبلد عموما..
هزيمة قاسية تفترض- كما في اي بلد طبيعي في العالم- ان يكون هاجس الجميع هو ألا تتكرر مثل هذه الحصيلة البشرية القاسية، وألا يظل السيرك مفتوحا لحفلات زجل تتغنى في عشق الجيش او تردح لقيادته وانصاره.
ما حصل بعد معركة عرسال زاد من وطأة الهزيمة ومخاطرها. الثابت الوحيد لدى جميع اللبنانيين من دون استثناء هو انها كانت معركة أولى لكنها لن تكون المعركة الاخيرة حتما. ثمة استدعاء للحرب السورية حصل عندما اتخذ حزب الله قراره الاخرق بالمشاركة فيها، لكنه الان نقاش متأخر وغير مجدٍ. وثمة استعداد سوري دائم- قديم ومن عمر النظام الحالي لطرد مثل هذه المجموعات المسلحة من أرضه وتوجيهها نحو “الساحة” اللبنانية المفتوحة منذ اربعين سنة او يزيد على حروب سورية بديلة!
لا يحتمل الجيش مثل هذه الحصيلة المؤلمة. ثمة حاجة ملحة الى تركيز جميع الجهود على اخراجه من تلك المواجهة الخاسرة سلفا مع مجموعات ارهابية تخوض حرب عصابات واسعة لا يمكن لأي جيش في العالم ان يخرج منها منتصرا. ودروس افغانستان والعراق وسوريا نفسها ماثلة في الاذهان. ولا يمكن لأي عاقل ان يخطىء في فهم القرار الذي اتخذه حلف شمال الاطلسي برمته بالخروج من تلك الحروب الثلاثة تحديدا، بل ومن حرب ليبيا واليمن وسواهما.
الحماقة التي ارتكبت في اعقاب معركة عرسال لم تكن فقط في عدم الاعتراف بالهزيمة، بل في تشجيع الجيش على المضي قدما في المواجهة. كان من حق المؤسسة العسكرية بل من واجبها ان تعبر في لحظة الهزيمة عن التزامها في الدفاع عن نفسها وعن البلد، لكن كان من واجب الاخرين البحث عن بدائل او على الاقل عن دعائم لصمود الجيش، الذي لم يعد يستطيع او يرغب في الانسحاب من معركة صعبة جدا فرضت عليه، وعلى أرضه، لكنه يحتاج الى غطاء قوي.. ثم الى مخرج ملائم. وكل ما عدا ذلك انتحار او على الاقل انكسار، او في الحد الادنى استنزاف دموي قاسٍ، بناء على موازين القوى العسكرية التي تميل لمصلحة المسلحين السوريين الذين يقدر عددهم على الحدود الشرقية والشمالية بما يربو على 20 الف مسلح، وموازين القوى السياسية التي تخدم النظام السوري في هذه المعركة، ولا تفيد لبنان ابداً.
اسوأ ما في تلك المعركة هو انها أطلقت وللمرة الاولى ظاهرة جديدة هي “السلاح السوري” الذي شُهر في داخل الاراضي اللبنانية وأُستخدم بشراسة في وجه الجيش والدرك والمواطنين اللبنانيين..وهو ما يعيد الى الاذهان ذكرى “السلاح الفلسطيني” الذي أقام في لبنان نحو عقدين من الزمن، وكانت إقامته وصفة الحرب الاهلية وذخيرتها الاولى. الفوارق بين “السلاحين” جوهرية، وهي لا تطمئن ابداً الى حملة السلاح الجديد..
الغرائز التي انفلتت بين الطوائف والمذاهب بعد معركة عرسال، لا تدع مجالاً للشك في ان التاريخ مرّ من هنا. انه مقيم دائم.

السابق
الجيش الاسرائيلي يعلن تهدئة انسانية لـ 7ساعات في غزة
التالي
رئيس بلدية عرسال:الاوضاع سلكت مسار الحل