النظام السوري واستراتيجية الرهان على الوقت

بشار الاسد
يدرك النظام السوري جيداً بأن الولايات المتحدة الأمريكية لا تريد إسقاطه عسكرياً بل تسعى إلى إضعافه وسلبه قدرته ونفوذه الناعم على مستوى المنطقة وتحويله من لاعب إقليمي وازن إلى لاعب محلي يصارع من أجل البقاء في السلطة عبر معركة استنزاف طويلة ستؤدي في نهاية المطاف إلى إرهاق الجميع.

يدرك النظام السوري جيداً بأن الولايات المتحدة الأمريكية لا تريد إسقاطه عسكرياً بل تسعى إلى إضعافه وسلبه قدرته ونفوذه الناعم على مستوى المنطقة وتحويله من لاعب إقليمي وازن إلى لاعب محلي يصارع من أجل البقاء في السلطة عبر معركة استنزاف طويلة ستؤدي في نهاية المطاف إلى إرهاق الجميع.

عقب اغتيال الرئيس رفيق الحريري في الرابع عشر من شباط 2005، دخل النظام السوري عزلة دولية غير مسبوقة، ترافقت مع انكفاء سياسي وانسحاب عسكري – أمني من لبنان على وقع اتهامه “السياسي”، ولاحقاً القضائي، بتصفية رفيق الحريري. استطاعت دمشق حينها أن تقدّر الموقف بشكل صحيح، فانحنت أمام العاصفة ورضخت لجلّ المطالب والضغوط، وقررت التريث حتى ينجلي الغبار وتتبلور الصورة.
في تموز2006 نشبت حرب لبنان الثانية إثر خطف حزب الله لجنود إسرائليين، صمد الحزب عسكريّاً بوجه إسرائيل وتحوّل إلى صرف صموده داخل الساحة السياسيّة اللبنانيّة، فأخذت الأحداث تتسارع: إعتكف الوزراء الشيعة ثم استقالوا، بدأ حزب الله وحلفائه اعتصاماً لإسقاط حكومة 14 آذار، اشتعل الوضع الأمني على المستويات كافة، بدأت أحداث مخيّم نهر البارد، ودخل لبنان مرحلة الفراغ في سدّة رئاسة الجمهورية ضمن واقع سياسي وأمني لامس حدود الانفجار الشامل.

هذه التطورات على الساحة اللبنانية ترافقت مع تطورات مماثلة على الساحة الإقليمية. العراق يشهد تدهور أمني وسياسي غير مسبوق، وفلسطين تشتعل على وقع الخلافات السياسية بين حركتي فتح وحماس وصلت إلى مواجهات عسكرية دامية وأدّت في نهاية المطاف إلى سيطرة حماس على قطاع غزة.

في خضمّ هذا الوضع المتوتر، أخذت دمشق تتنفس الصعداء على مستوى سياساتها الخارجيّة فحطت “نانسي بيلوسي” رئيسة مجلس النواب الأمريكي حينها رحالها في سوريا وهي تردّد جملتها الشهيرة: “نعلم أن تسوية بعض القضايا لا بدّ أن تمر عبر دمشق”، وكذلك فعل الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي فعقب وصوله إلى قصر الإليزيه قرّر الانفتاح على دمشق ورفض منطق العزل بحقها معتبراً بأن الحوار مع سوريا سيؤدّي إلى حلحلة بعض الملفّات المهمّة التي تتعلق بقضية السلام وبالوضع السياسي في لبنان، مشيراً إلى أهمية ومحورية الدور السوري على مستوى المنطقة برمّتها.
سوريا راهنت يومها على الوقت وعلى التطورات السياسيّة والأمنيّة التي تعصف بالمنطقة، كانت تدرك جيداً بأن الغرب براغماتي إلى أقصى الحدود وبأنه يتعامل بواقعيّة سياسيّة ستفرض عليه حتماً العودة إليها لمقاربة الملفّات الساخنة لا سيّما تلك التي تتعلق بأمن إسرائيل أو بالاستقرار الأمني – السياسي في لبنان والعراق.
اليوم يلعب النظام السوري لعبة مماثلة فحينما ارتفع الضغط الدولي ووصل حدود التلويح بضربة عسكرية على خلفية استخدام السلاح الكيميائي انحنى النظام أمام العاصفة وقرر تسليم سلاحه الإستراتيجي بهدف امتصاص الهجمة الغربية وكسب مزيد من الوقت.
هو يدرك جيداً بأن الولايات المتحدة الأمريكية لا تريد إسقاطه عسكرياً بل تسعى إلى إضعافه وسلبه قدرته ونفوذه الناعم على مستوى المنطقة وتحويله من لاعب إقليمي وازن إلى لاعب محلي يصارع من أجل البقاء في السلطة عبر معركة استنزاف طويلة ستؤدي في نهاية المطاف إلى إرهاق الجميع. وهذا ما أكدته لاحقاً هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، في كتابها الجديد.
وبناء على ما تقدم عمد النظام السوري وحلفائه إلى توسيع دائرة الفوضى على قاعدة “إحراق روما”، فتعاظم تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام “داعش” بشكل مفاجئ وبدأ يُسيطر على مناطق واسعة جداً في سوريا والعراق وهكذا أخذت التطورات تتسارع على وقع دراماتيكي مريب. داعش تعلن قيامة الدولة الإسلامية وتبايع زعميها “خليفة للمسلمين” مسعود البرزاني، رئيس إقليم كردستان العراق يدعو النواب إلى تنظيم إستفتاء على استقلال الإقليم يشمل تقرير مصير كركوك، لبنان يشهد انفجارات أمنية متلاحقة وإستيقاظ مباغت ومرعب لعشرات الخلايا الإرهابية النائمة، فلسطين تشتعل على خط المعارك بين غزة وإسرائيل في ظل تصاعد الحديث عن انتفاضة مرتقبة.
وعليه أضحت المنطقة برمّتها ترزح فوق صفيح مشتعل وأضحى العالم بأسره أمام مشكلات كبيرة ومعقدة. وحده النظام السوري بدأ يتنفس الصعداء ويتحسس الحريق بفرح عظيم ، يُراهن على الوقت وعلى براغماتية أمريكية – أوروبية تعيدهم إلى منطق التسوية التي لا بد أن تمر عبر دمشق.

السابق
الجيش دهم بريتال بحثا عن مخطوف سوري
التالي
حافلة عمومية.. للاستحمام!