الربيع العربي (3): تدخّل حزب الله في سوريا أساء لسمعته عند العرب

حزب الله في سوريا
منذ تفاقم الأزمة السورية عمل الإيرانيون على الامساك بالعصب الشيعي وتغذية العداء بينهم وبين العرب، والسّنّة تحديدا. ولجأوا في ذلك إلى المغالاة في عادات وتقاليد غريبة على الشيعة، في لبنان تحديدا، وإلى روايات وسلوكيات موجودة تاريخياً لكنّها ضمرت واضمحلّت في عصرنا الحالي. والمطلوب اليوم حوار بين الشيعة أنفسهم لتكون البداية حول السؤال الاساسي: الشيعة إلى أين؟ وما هي مصالحهم وما هي مبادؤهم؟ وفي حال استحالة قيام هذا النوع من الحوار فإنّ هذا يستدعي ابتداع قاموس جديد لدى الشيعة بعيداً عن التزمت والاعتقاد بأنّ الرأي الذي يعتقدونه هو رأي نهائي

يتابع العلامة المفكر السيد محمد حسن الأمين عرض مفاعيل “الربيع العربي” ومآلاته، شارحا أسباب عدم استجابة اللبنانيين بكل شرائحهم لثورة التغيير التي أشعلها، وأهم هذه الاسباب بنظر السيد الأمين هو الواقع الطائفي، وكذلك فسّر السيد موقف الشيعة السلبي من الربيع العربي وتحديدا حزب الله الذي رفضه كي لا يتعطل مشروع الممانعه الذي تقوده ايران، فقال سماحته:

يمرّ لبنان في أزمات كافية لتتسبّب بانطلاقة ثورة أو ثورات على نسق ما عاشته دول في ما بتنا نعرفه بـ”الربيع العربي”. لكن نلاحظ أنّ هذا الامر لن يحصل هنا. فلبنان مُحاصَر ومُختطَف. مختطف بهذا التعدّد الذي أقام صيغة لا يمكن العمل عليها بهدف التّغيير. وإنما يمكن العمل عليها بهدف إصلاح هذه الصيغة. أمّا تغييرها وإلغاؤها فهو أمر متعذّر إلاّ في حال حصول تغيُّر كامل في المنطقة العربية، وانتقال الأنظمة العربية من وجودها الراهن إلى أنطمة جديدة مدنية حديثة لا طائفيّة ولا إثنيّة. حينئذٍ فقط يمكن أن تنشأ في لبنان حالة جديدة تمكّن اللبنانيين من إنشاء مؤتمر تأسيسي يقيم نظاماً جديداً.

فالمؤتمر التأسيسي المطروح حاليا يُعيد تشكيل موازين القوى لا تغييرها. وهذا لن يحل مشكلة لبنان التي تحتاج إلى عمل حقيقي كي يصبح الإنتماء الوطني في لبنان هو الإنتماء الحقيقي. في الوقت الراهن يوجد انتماء طائفي ومن خلاله يريد أن يحتفظ اللبناني بشعار لبنانيته، وهذا الامر يجعل قيام ثورة امرا مستحيلا. ومن هنا، فإن تقدم مسيرة الربيع العربي والمتغيرات التي يمكن أن تحصل يمكن أن تؤثّر إيجاباً على لبنان.

وعن موقف شيعة لبنان من الربيع العربي ومشاركة حزب الله في القتال إلى جانب النظام السوري الشيعة في لبنان فان من شأنه، حسب رأي السيد الأمين طرح سؤال: الشيعة إلى أين في ظلّ مشاركة حزب الله بالقتال إلى جانب الأسد في سوريا؟

إذا كانوا يعتبرون أنّ النّظام السوري قد انتصر في هذه الحرب، فهل نحن مؤهّلون لأن نقتطف ثمار هذا النصر؟ الذي يناقض هذه الإجابة ليس فقط حقيقة التراجع الذي أصاب الثورة السورية، بل أيضا أنّ الأمور لا تزال غير واضحة. وليس هناك نصر مؤكّد لأيّ طرف. ما يعني أنّ احتمال هزيمة الشيعة في سوريا ، أي حزب الله، ما يزال واردا.

الإستراتيجية الإيرانية الراعيه للحالة الشيعيه السياسية في لبنان،كما يراها السّيد، تقوم حاليا على نصرة النظام السوري، وتلعب دوراً في تمكين حزب الله ودعمه مادّيّاً وبالسلاح، بالتزامن مع توقّع بانتصار حتمي سيسجّل لهم… دون ان يكون لديهم أدنى شك بأنّ الثورة السورية ستنتهي، ودون النظر الى التداعيات السياسية والطائفية لهذا التدخل . فلو انتصر هذا النظام ما هي المكاسب التي سيحققها الشيعة؟ وكيف اذا كان النظام السوري الى زوال فيما بعد؟!

لذلك، ومهما كانت الأمور، لا يمكن لأحد أن يعتقد أنّ نظاما كالنظام السوري قتل وهجّر ودمر يمكن أن يستمرّ في الحكم. في أحسن الاحوال يمكن لهذا النظام أن يستمر كما هو عليه حاله راهنا. ويمكن أيضا أن يزول أيضا. وبالتالي فإنّ زوال النظام ألا يضع الشيعة في لبنان كلّهم بمواجهة الشعب السوري؟ ليس فقط الشعب السوري بل العرب جميعاً.

ويتحدّث السيد الأمين بأسى عن سمعة حزب الله التي تدهورت بعد تدخله العسكري في سوريا الى جانب النظام قائلا:
قبل الثورة السورية، وخلال لقاءاتي في مؤتمرات عربية، كان العرب يتحدثون عن حزب الله والمقاومة وعن السيد حسن نصر الله بطريقة لا تخلو من التقديس، رغم أنّهم جميعا مسلمون سّنة. هذا الامر تغير بعد الثورة السورية. فقد قضى انحياز حزب الله الى النظام السوري تماماَ على سمعة حزب الله. وبات العرب يتّهمونه بالعمالة لإيران وبنصرة النظام الظالم في سوريا على شعبه. وانا اعتقد لو كان حزب الله حزبا مستقلا عن ايران لما كان تدخّل في سوريا، ولكان احتفظ برصيده الكبير في العالم العربي بعيدا عن دعم النظام السوري.

الامر اللافت أيضا أيضا يضيف السيد، هو أنّه منذ تفاقم الازمة السورية عمل الايرانيون على الامساك بالعصب الشيعي وتغذية العداء بينهم وبين العرب السّنّة ولجأوا في ذلك الى الغلوّ الشيعي الموجود تاريخياً، لكنّه كان قد ضمر واضمحل في عصرنا الحالي. فقد بدأ الغلوّ الشيعي في عصر الإمام علي. فالامام عليّ كان قد حذّر من الغلوّ حين قال: “هلك فيّ اثنان: محبٌّ غال ومبغضٌ غال”. والشيعة الإثني عشرية الإماميّة، الذين هم أفضل أنواع الشيعة لم تخلُ سلوكيات بعضهم من غلوّ تمكّن فقهاؤنا عبر التاريخ منه فطوّقوه وحجّموه. لكنّنا نجد هذه الأيام أن الغلوّ قد عاد عبر شتم الصحابة والروايات المبالغ فيها بتقديس وتنزيه الذات الشيعية، حتّى وصل الأمر الى تأليه الأئمة وتحويلهم من بشر عاديين أكثر ما يُدعى لهم بالعصمة، إلى أنصاف آلهة. وهذا من شأنه أن يزيد من حدة الصراع السّنّي الشيعي .

لذلك فالمطلوب اليوم حوار بين الشيعة أنفسهم لتكون البداية حول السؤال الاساسي: الشيعة إلى أين؟ وما هي مصالحهم وما هي مبادؤهم؟
وفي حال استحالة قيام هذا النوع من الحوار فإنّ هذا يستدعي ابتداع قاموس جديد لدى الشيعة بعيداً عن التزمت والاعتقاد بأنّ الرأي الذي يعتقدونه هو رأي نهائي.

وتطبيقا لذلك الحوار يخلص السيد الى ضرورة ان يعمل المصلحون المثقفون من الشيعة لاستعادة الشيعة الى الاتجاه الوسطي المصحوب بالعقلانية العقائدية. وهذا لطالما ميّز الشيعة عن غيرهم. لذا فيجب إعادة النظر في تاريخنا الشيعي. إذ لطالما تعايش الشيعة مع المجتمع العربي الإسلامي عبر التاريخ وأقروا بشرعيته. والشيعة الذين بقيوا حتى اللحظة خارج الربيع العربي هم مذهب من المذاهب الإسلامية، وعِدتهم التي يملكونها لمواجهة الفرق الإسلامية هي أن يبقوا داخل المذهب، وبالتالي فإنّهم في حال اعتنقوا مبادئ الربيع العربي من ديمقراطية وحرية وحقوق إنسان، فكأنك تطلب منهم أن يقفزوا فوق مذهبهم ويصبحوا علمانيين. فالمرتكزات الأساسية التي حكمت عبر التاريخ بين السنّة والشيعة هي الغالبة. وبالتالي لا يستطيعون أن يقفزوا إلى منطق جديد وهو منطق العصر والحريات والنظام الديموقراطي…

ويختم السيد الأمين محللا الواقع الشيعي مستشرقا المستقبل في المرحلة التي نمرّ بها، قائلا أن لا غرابة أن نجد الشيعي، أو أيّ أتباع مذهب من المذاهب، يفضل اللجوء إلى عقائده لينفي الشرعية عن الآخر ويثبت الشرعية الدينية الاسلامية على نفسه. أمّا أن يقفز عن هذا الأمر فهذا يصبح نوعاً من المثالية، لأنّه حتى في المذاهب السنية أيضاً استُثيرت العصبيات وأطلقها المتطرّفون في المحطات الفضائية ومواقع التواصل الإجتماعي وغيرها، لتعميق هذه الشروخ الدينية القائمة بين الطرفين.علما أنه بسحب اعتقادي فإنّه في حال انخرط الشيعة في الربيع العربي يصبحون هم المبشّرين، رغم صعوبة الوضع الراهن.

فالآن المطلوب حوار بين الشيعة أنفسهم لتكون البداية حول السؤال الاساسي: الشيعة إلى أين؟ وما هي مصالحهم وما هي مبادؤهم؟ وفي حال استحالة قيام هذا النوع من الحوار فإنّ هذا يستدعي ابتداع قاموس جديد لدى الشيعة بعيداً عن التزمت والاعتقاد بأنّ الرأي الذي يعتقدونه هو رأي نهائي. ويمكن من خلال هذا الحوار استنتاج رؤية أفضل من الرؤية القائمة… وهذا ليس سهلا بالتأكيد. خصوصا في ظلّ سيادة القوة. ونعلم أنّ القوة والمال والسلطة لها دورها في الداخل على المدى الطويل، وهي تبقى مؤثرة على الحركة التنويرية التي تبدو مخلصة لمصالح الشيعة وليست ضد مصالحهم.

السابق
الفوضى في العراق تشجع الاكراد على السعي وراء الاستقلال
التالي
اعتصام لعائلات موقوفي عبرا في صيدا