إعلام 14 آذار: صفر مكعّب

إعلام 14 آذار

لماذا بدأت قوى 14 آذار في العام 2005 وفي جعبتها أبرز الكتّاب وإلى جانبها أبرز المثقفين والشعراء والنخبة التي نسمّيها “الإنتلجنسيا”، وانتهت بأن فقدت هذه النخب. وبدأت ممسكة بالإعلام كلّه ورافعة أحلام اللبنانيين والعرب، وانتهت بألا تستطيع إقناع أحد، متروكة على قارعة النيوميديا، وحتّى جمهورها “المذهبي” لا يتابعها.

تعاني قوى 14 آذار عموما من ضعف إعلاميّ عميم ومقيم. ومعظم المعارك التي خسرتها كان جزءا كبيرا من أسباب الخسارة هو هذا الضعف الإعلامي تحديدا. نذكر مثلا الحرب التي دارت حول الشيخ أحمد الأسير. فقد كان هذا الإعلام عاجزا عن المجاهرة بتبنّي خطابه، أو رذله. فيما لعب إعلام 8 آذار لعبة قويّة جعلته “نمرا”، من تمر أو ورق، ثم أكله خلال معركة “عبرا” بصيدا، وبعدها.
وسجّل إعلام 8 آذار عل إعلام 14 آذار أنّه لم يتبرّأ من الأسير إلا بعد “سقوطه” وتدمير مربّعه الأمني… وكان إعلام 14 آذار حائرا في أمره، ودفعت قوى 14 آذار الثمن.
ولنتمعّن قليلا في أحوال الإعلام اللبناني. من هي الجريدة الأقوى في لبنان، شراءً لنسختها الورقية أو دخولا إلى موقعها الإلكتروني؟
النتيجة هي: السفير، والأخبار، ثم النهار وبعدها تأتي جرائد ومواقع كثيرة.
وإذا سألنا القرّاء المحترفين سنجد أنّ “السفير” و”الأخبار” تسيطران على معظم الصحافيين الشباب والكتّاب المتوسّطين، فيما تغرق النهار في عضلات الكتّاب المخضرمين وتخسر السوق الشاب. وتقدّم “السفير” و”الأخبار” نفسيهما على أنّهما تصنعان الحدث اليومي، فيما “النهار” غائبة، وجريدة “المستقبل” تأتي بالتأكيد في مرتبة خامسة أو سابعة، قبلها “الديار” و”اللواء” أحيانا، فيما إلكترونيا تأتي مواقع مثل “جنوبية” قبل “المستقبل” في ترتيب الأكثر قراءة في لبنان على موقع ALEXA.COM العالمي.
ولنسأل: من هو الموقع الإلكتروني الإخباري الأقوى؟
والنتيجة: “النشرة” أولا، ثم مواقع أخرى منها “ليبانون فايلز” و”ناوليبانون”.
و”النشرة” هو أقرب إلى 8 آذار. فيما تأتي مواقع 14march.org و almustaqbal.org في مرتبة متأخرة جدا، أمام موقع التيار الوطني الحرّ tayyar.org الذي يسبق الجرائد اليومية أحيانا، ويحلّ أولا أحيانا في الموقع 4 بعد غوغل وفايسبوك وتويتر بلبنان. وموقع almanar.com.lb يأتي في المرتبة 9!
وأرقام شركات الإحصاءات واضحة، فتلفزيون “الجديد” يفوز بأكبر نسبة مشاهدة، حتّى في الطريق الجديدة وصيدا، ويأتي تلفزيون LBC ثانيا وMTV ثالثة ليأتي تلفزيون “المستقبل” رابعا وأحيانا خامسا هو المنار وnbn.
فلماذا بدأت قوى 14 آذار في العام 2005 وفي جعبتها أبرز الكتّاب وإلى جانبها أبرز المثقفين والشعراء والنخبة التي نسمّيها “الإنتلجنسيا”، وانتهت بأن فقدت هذه النخب. وبدأت ممسكة بالإعلام كلّه وانتهت لا تستطيع إقناع أحد وجمهورها “المذهبي” حتّى لا يتابعها.
حتّى العاملين في إعلام 14 آذار، بتلفزيون المستقبل وجريدة المستقبل مثلا، يشاهدون تلفزيونات أخرى ويقرأون جرائد أخرى. رغم أنّ هذا الإعلام يكلّف آل الحريري عشرات ملايين الدولارات سنويا، إلا أنّه يحتاج إلى ترميم وإعادة تأهيل وبرمجة وورشة كبيرة تعيد إلى “قوى العبور إلى الدولة” ألقها، بعدما تحوّلت إلى ما يشبه منابر التحريض المذهبي حينا، وشركات خاصّة للمحسوبيات أحيانا.
فصورة إعلام المستقبل أنّه “مع السلفيين وسنّي”، في حين أنّ صورة “الجديد” أكثر نعومة وقبولا لدى السنّة الحريريين حتّى. وهذا سببه “حرفة” الممسكين بأخبار “الجديد” أولا، ثم حرفة الإيهام بـ”إمساك العصا من الوسط”، في وقت تنحاز “الجديد” كليا إلى “حزب الله”، بل وتخوض معاركه ضدّ المحكمة الدولية وتيار المستقبل و14 آذار.
وصورة mtv أنّه “للطقش والفقش والنسوان يا عادل”، وليس صورة تلفزيون يحمل قضية. وحتّى حين قرّر عادل كرم استضافة شخصيات من 8 آذار في برنامجه الكوميدي “هيدا حكي” بدا ضعيفا وبدا أنّ هناك “اختراقا” في mtv ولم تظهر صورة “الوسطية” التي نحجت LBC بها إلى حدّ ما.
وهناك أسماء لا تنتهي من كتّاب وصحافيين كانوا في إعلام 14 وصاروا في 8، منهم بيار أبو صعب (من جريدة الحياة السعودية الى جريدة الاخبار التابعة لحزب الله) ونقولا ناصيف (من جريدة النهار الى جريدة الاخبار) وغسان جواد (من أحزاب 14 الى حضن حزب الله) ويحيى جابر (من جريدة المستقبل وعريف 14 آذار الى نقدها بقوّة) والياس خوري (هل هناك عاقل يطرده من النهار ويوظّف فيها من هم أقلّ منه في كلّ شيء؟) وحسن داوود (طُرِدَ من جريدة المستقبل ليصير مدير تحرير “المدن” القطرية). ومعظمهم باسم “التخفيضات المالية” و”الأزمة المالية”، في حين تُصرَف عشرات ملايين الدولارات بطريقة فوضوية والناس ترى وتعلّق. وكلّ هذا يخفّ رصيد 14 آذار الإعلامي والسياسي ويفقدها الكثير من الثقة أمام اللبنانيين وتحديدا أمام “المتردّدين” أو غير المتحزّبين الذين غالبا ما يحسمون نتائج أيّ انتخابات نقابية أو نيابية او حتّى بلدية.
هذه عينة من عشرات الأسماء التي هاجرت من 14 إلى مكان آخر، وبعضهم إلى 8، في حين كان إعلام 14 آذار يتحوّل إلى إعلام “محسوبيات”، غالبا بلا موهبة وبلا قدرة على الجذب، يشبه الإعلام الرسمي في دول العام الثالث.
أيضا الاعلام المستقبلي “إقليميا” ليس أفضل حالا بكثير. فقناة “العربية” الفضائية وجريدة “الشرق الاوسط” العربية لا تفتقدان إلى الشراسة والتفلت فقط، بل أيضا تبدوان مهادنتين ولطيفتين مقارنة بإعلام “الميادين” مثلا، وبقسوة اﻹعلام اﻹيراني – العربي الذي يحمل قضية واضحة بلا قفازات. فلا تبدو “العربية” ذراعا إعلاميا لمشروع سياسي بقدر ما تحاول أن تظهر بمظهر حياديّ أحيانا، في حين أنّ كلّ مشاهد يعرف جيّدا أنها سعودية. كذلك جريدة “الشرق الأوسط” التي تحاول أن تتصل بالأطراف كافة، في حين أنّها يفترض أن تكون مفتاحا يختلط فيه السياسي بالإعلامي، وأن تجمع من حولها المثقفين والكتّاب، بدل أن يستقطبهم الإعلام القطري، كما حصل مؤخرا في سوريا ولبنان.
هكذا هو إعلام 14 آذار، محليا وإقليميا، يبدو عاجزا عن القيام بنقلة نوعية على مستوى الأداء المهني، وعاجزا عن إحداث تأثيرات سياسية، حتّى داخل البيئة التي تتابعه لأسباب عاطفية ومذهبية وليس لأسباب صحافية. وربما يكون الحلّ في خطة إعلامية جديدة تحمل هذا الإعلام، مرّة جديدة، إلى مستويات جديدة، وتحوّله إلى رافعة أحلام اللبنانيين والعرب، وليس إلى ملاحق للأحداث، وبطريقة رديئة، كما هي حاله اليوم.

السابق
الجيش يوقف مجموعة يشتبه بانتمائها لـ’النصرة’
التالي
التلفزيون يتنحى بخجل لصالح فيديو الانترنت