أوضاع الشيعة في سوريا

تتصاعد أعمدة الدخان من بلدتي نبل والزهراء في دلالة واضحة على استمرار القصف على هاتين البلدتين من قبل الجماعات المسلحة. حالياً تشهد البلدتان هدوء نسبياً ولكن لا نعلم إذا ما كان هذا الهدوء، هدوء ما قبل العاصفة، لكن القصف لم يتوقف أبداً. ورغم أن الأوضاع في سوريا تسير بشكل عام باتجاه إنتهاء الأزمة، مع اختلاف شدة المعارك بين منطقة وأخرى، إلا أن المشكلة التي لم تحل بعد هي مسألة الحصار والقذائف التي تنهال بغزارة على سكان هذه البلدات.
«سابقا كنا نتردد الى المدن والقرى الاخرى بشكل اعتيادي وعلاقتنا مع الطوائف الاخرى كانت جيدة. قد تحدث أحياناً بعض الخلافات بيننا وبين المناطق المجاورة إلا أنها لم تحمل في وقت من الأوقات أي بعد مذهبي، لكن اليوم تغيرت الاوضاع» هذا كلام تيسير من سكان حمص. يقول سكان المناطق الشيعية بأنه يومياً تتساقط مايقارب العشرين قذيفة على البلدات هناك محدثةً عدداً من الأضرار المادية وموقعةً شهداء وعدد من الإصابات المتفاوتة بين المدنيين.
بدأ الحصار على البلدات الشيعية منذ أكثر من عام ونصف؛ حيث تنقل لنا وسائل الاعلام أخباراً يومية عن القصف المتكرر على هذه القرى والبلدات التي لم تكن معروفة في السابق لكنها اليوم غدت مشهورة بسبب جرائم الجماعات المسلحة… الفوعة، كفريا، الزهراء و نبل و… كان الجيش يحمي هذه المناطق، لكن بعد تراجع الجيش العربي السوري في محيط هذه المناطق وصعوبة الوصول اليها وجد المواطنين الشيعة أنفسهم في مقابل الجماعات التكفيرية المسلحة، فلم يجدوا من يعتمدوا عليه سوى ربهم وبطولة شبابهم.
اليوم تعاني سوريا كلها وبجميع طوائفها من سرطان الارهاب التكفيري وليس الشيعة فقط. فهذه الظاهرة لا تفرق بين الشيعة والسنة والمسيحية؛ بل تحذف كل من يخالفها، لكن الشيعة يتعرضون لحقد المتطرفين بشكل خاص وممنهج. يكفي ان تكون شيعيا وأن تصل اليك ايديهم، لتكون عقوبتك الاعدام، فذنبك أنك تنتمي للطائفة الشيعية وهذا ذنب لا يغفر… سواء أكنت من مؤيدي النظام أم لا تكن، فعدم الانحياز لا يعني لهم شيئاً. المهم انت شيعي ووقتها عليك أن تنطق الشهادتين.

الشيعة في الخريطة الطائفية السورية

ينص دستور الجمهورية العربية السورية على أنها دولة علمانية، ونظامها اشتراكي منذ عقود، إلا أن هناك خليطاً فريداً من نوعه في البلاد. ويمكن اعتبار سوريا بأنها الدولة الأكثر تعقيداً من الناحية المذهبية والعرقية في سائر أنحاء الشرق الأوسط الى جانب لبنان، فهناك المسلمون والمسيحيون والعلويون والدروز والإسماعيليون وغيرهم من الطوائف والعرقيات.
الطائفة السنية هي أكبر طائفة في سوريا، إذ يغلب على سوريا مشهد الاختلاط والتمازج السكاني، الذي يسودها الطابع الإسلامي السني بحكم كونهم الأغلبية، فهم يمثلون حوالي 70 إلى 74% من السكان وتتركز الأغلبية السّنية في المحافظات الرئيسية (دمشق، حمص، حماة، حلب، الرقة، درعا).
في المقابل يمثل الشيعة الإمامية بين 4 إلى 5 في المئة وأبرز المناطق التي يتواجد فيها الشيعة في سوريا، هي: في العاصمة دمشق: أحياء زين العابدين والجورة والأمين.

-حي الامين: ويعتبر حي الأمين أهم مركز للشيعة في سوريا وفيه مسجدان الأول مسجد الإمام علي بن أبي طالب يلتحق به حسينية يمتد نشاطها على مدار السنة، والمسجد الآخر مسجد الزهراء.

– حوش الصالحية: وهي بلدة صغيرة في الغوطة الشرقية وفيها مسجد وحسينية ويوجد عدد كبير من الشيعة العراقيين في منطقة السيدة زينب وحولها الكثيرمن الحسينيات والحوزات العلمية.

– الجورة (حي الإمام جعفر الصادق): تقع بجانب باب توما، وفيها مسجد كبير هو مسجد الإمام جعفر الصادق وحسينية. وأيضاً فيها مدارس وجمعيات ومنتديات خاصة بالطائفة.

مجازر وجرائم على الشيعة في سوريا

تحظى المناطق الشيعية في العاصمة بأمان نسبي، لكن البلدات والقرى الشيعية التي تقع خارج دمشق لها قصة اخرى.

– في مدينة حلب شمال سوريا: نبّل والزهراء كل سكانهما من الشيعة. مضى اكثر من سنة ونصف من الحصار المفروض عليهما من قبل المعارضة، حصار قد أثر على كافة جوانب الحياة؛ تعاني البلدتين من نقص في المواد الغذائية وتعطيل المدارس وبطالة الاهالي الى جانب القصف اليومي.

يقول يحيى من نبل: «ما زلنا نعيش الحصار الذي فرضه علينا الإرهابيون واعتدنا على ذلك وحتى الآن لم نشهد تطورات واضحة بالنسبة لفك الحصار عن مدينتي نبل والزهراء، على ما اعتقد ستكون المنطقة الشمالية لحلب آخر خطوة ستخطوها الحكومة لتنظيفها من الإرهابيين وذلك لأن المنطقة الشمالية قريبة من الحدود السورية التركية. لکن الأمل فهو موجود دائما والحمد لله.. حتى لو استمر العدوان علينا فإننا سنبقى صابرين متماسكين وهذا ما علمتنا إياه مدرسة الإمام الحسين عليه السلام… و لكن بشكل عام أنا أشعر أن الأزمة في نهايتها لأن الإرهابيين بدأ يقاتلون بعضهم البعض..»
لم يبق مكان آمن من المناطق والاحياء الشيعية؛ من حلب وادلب الى حمص ودرعا كلها تتعرض للقصف والعدوان، وللأسباب طائفية. هناك ارهابيون يؤمنون وبل يصرحون علنا بإباحة الدم الشيعي ويعتقدون أن هدفهم الاول والأخير في سوريا هو تطهيرها من الشيعة.
حسب ما يوضح لنا يحيى «كان الإرهابيون يطلقون صواريخ بشكل يومي من مدينة ماير المتاخمة لمدينة نبل وكل يوم يرتقى عدد من الشهداء والجرحى وطبعا بما أننا محاصرون فإننا نشكوا من قلة المواد الأولية والأدوية وهذا ما سبب لنا مشاكل كبيرة خاصة لمن يعاني من أمراض مزمنة كأمراض السرطان أو القلب.
في الفترة الحالية يقوم الأكراد بالمساعدة ولكن ما يصل للمدينة قليل وثمنه مرتفع جدا ولا يكفي رغم وصول بعض المعونات»
أما الفوعة وهي قرية تقع شرق ادلب كل سكانها من شيعة وعددهم 15 ألف نسمة، وكفريا التي تقع غرب الفوعة وأيضا سكانها شيعة وعددهم 4 آلاف نسمة، ومعرة مصرين في شمال كفريا وربع سكانها شيعة عددهم 4 آلاف نسمة لكن يقال ان جميع سكانها الشيعة قد تم تهجيرهم وقد نزحوا الى المناطق الشيعية الأخرى.

في حمص يتوزع الشيعة على قرى كثيرة أهمها أم العمد وفي درعا يوجد حوالي ألف نسمة وتوجد أقلية مهاجرة من لبنان تمركزوا في عدة مناطق منها: الشيخ مسكين، نوى- مزيريب، المليحة، الكسوة.

اميمة من الفوعة تصف الاوضاع هكذا: « تشهد منطقتنا في الوقت الراهن هدوء نسبياً إلا أن القذائف لم تتوقف بعد وهي تنهال بشكل يومي وأحيانا تصل إلى السبعين قذيفة في اليوم الواحد وما نتمناه فعلا هو أن يعم الهدوء والاستقرار ولكن هذا يبقى تمني أما الواقع لا نستبشر فيه خيرا وبالنسبة للمستقبل فلاندري ولا نسطيع النتبؤ أيضا ».
القذائف والصواريخ تسقط بشكل يومي على أناس عزل وقد ذهب ضحيتها الكثير من النساء والأطفال والشبان والرجال لانها تسقط بشكل عشوائي وحتى المقابر لم تنجو من القذائف.
عندما سألنا شاب من اهالي الفوعة عن المشاكل اجابنا: «بالنسبة للمعاناة بدأت منذ إندلاع الحرب فالحصار فرض علينا من كافة الجوانب لعدة شهور حيث لم نتمكن فيها من مغادرة البلدة أبدا ومن كان قد إضطر لمغادرتها لقي حتفه ، حيث الكثير من الشباب والرجال تم ذبحهم والتمثيل بجثثهم بشكل فظيع ، وقد عانينا من نقص في المواد الأولية والأدوية وحليب الأطفال ولكن الحمد لله لم يتمكنوا من إقتحام القرية لان شبان البلدة حصنوها بشكل جيد وهم على اتم الجاهزية للدفاع عن منطقتهم و كل محاولاتهم بإقتحامها باءت بالفشل». ويضيف قائلا: «والآن لنا طريق واحد قد تمت السيطرة عليه. والآن هو متنفسنا الوحيد ومع ذلك لا أحد يخرج إلا لأمر ضروري جدا وشبان البلدة يذهبون لتأمين المواد الأولية التي نحتاجها».
متنفس آخر قد فتح لأهالي نبل والزهراء وكما افاد لنا علي من سكان الزهراء: «ان الأكراد هم الذين يقومون بإيصال المواد الأولية إلى المدينتين المحاصرتين نبل والزهراء وعلاقتنا مع الأكراد جيدة.. طبعا لا أخفيك الأكراد مستفيدون من هذا الوضع و هم يقدمون المواد الأولية بسعر يناسبهم.. بشكل عام لا أريد أن أظلمهم ولكن هم يساعدوننا لأنه لا يوجد باب رزق لهم غير نبل والزهراء… ما تبقى من غير الأكراد و من القرى المجاورة لنا فإنهم ضدنا.. لكن هناك بعض القرى هرب أهلها من بطش الإرهابيين ومن تصرفاتهم لذلك فإن الإرهابيين اتخذوا من هذه القرى مراكزا لهم لقصفنا ولاتباع سياسة الاستنزاف».
تتعرض المنطقة الشمالية لسورية وبالتحديد نبل والزهراء دائما للقصف من مجموعات الجيش الحر ولكن حاليا فإن جبهة النصرة وبعد أن فرضت سيطرتها على أكثر مواقع الجيش الحر في الشمال لا تقل ظلماً وعدواناً عن الجيش الحر… بشكل عام بما ان البلدتين محاصرتان، لا يعرف بشكل دقيق من ضرب عليهما الصواريخ اليوم لأن جميع الأطراف المعارضة توجه صواريخها نحو الشيعة.
يوسف من الفوعة أخبرنا: «منذ ايام إستشهد شاب من عائلة الحلاق وجرح إثنين بسبب القذائف التي تسقط دائماً على البلدة . العدوان مستمر طالما أن هناك تكفيريون بالجوار من منطقتنا، والعدوان مستمر تارةً بالقنص أو بالقذائف التي لم تتوقف منذ سنة ونصف تقريباً، طبعاً تعرضت البلدة إلى حصار شديد منذ فترة ولكن الحمد لله تم فتح طريق إلى المدينة القريبة من بلدتنا و إدلب».
ویضیف: «لقد قُتل الكثير من أبناء الفوعة ، الكثير من الشهداء في بداية الأحداث تم قتلهم بطرق وحشية لا يتقبلها أي إنسان تارةً بالضرب حتى الموت أو بالذبح، أنا أذكر منذ سنة شهيد وللأسف من ذوي الحاجات الخاصة خطف وعذب وبعد ذلك قاموا بحرق جثته، هذا الشهيد هو واحد من ثلاثمئة شهيد أو يزيدون منذ بداية الأحداث الأليمة. نحن من جميع الجهات في معرض العدوان إلا قسم بسيط من جهة المحافظة القريبة للبلدة فهناك طريق مفتوح إلى هذه المحافظة».
من اللافت أن أهالي إدلب وهم من السنة لم يأمنوا أيضاً جرائم الجماعات التكفيرية التي تكفّر كل من يخالفها وتحكم عليها بالحذف والاعدام، فيبدو ان الموضوع بالنسبة لهم ليس سنة أو شيعة فحسب، إنما هو نزاع على السلطة واختلاف المذاهب ليست الا غطاء وتبرير لتعبئة القوات واستقطاب الشباب.
لذا نشاهد كثير من سكان القرى المتاخمة والمجاورة للمناطق الشيعية قد غادروا المنطقه أيضاً ولم يبقى منهم إلا القسم المتشدد الذي بقي مع المقاتلين الأجانب وهم الآن المسيطرون على هذه المناطق.
احمد شاب آخر من كفريا يحكي لنا: «معظم سكان المناطق المجاورة غادروا بيوتهم وقراهم. و بقي القلة القليلة التي استقبلت التكفريين الأجانب. الذي بقي من أخواننا في المناطق المجاورة هم سكان مدينة إدلب الذين ساعدناهم وساعدونا على حماية المدينة وحماية الفوعة وكفريا. نحن في سوريا على يقين بأن الشعب السوري في معظمه يملك فكراً وسطيا وهو ليس تكفيري او متشدد».

ردود فعل عربية ودولية تجاه مشاكل الشيعة في سوريا

تقول لنا احدى الأمهات الساكنة في الزهراء وقد قتل ابنها بید المجموعات المسلحة تقول حول المساعدات والمبادرات العربية للمدنيين: «للأسف سياسات معظم دول العالم العربي وقفت في الصف الأمريكي الصهيوني ضد سوريا شعباً و قيادة، و هو الشعب الأول الذي يقف مع القضايا العربية والإسلامية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، دول العالم المحكومة والتابعة للسياسة الأمريكية كلها وقفت ضد الشعب السوري، وأرسلت له التكفريين، وبما أن الأمم المتحدة محكومة للولايات المتحدة الأمريكية كان لابد أن نشهد هذا الضغط على الشعب السوري. بالنسبة لنا نحن الشيعة فللأسف كثير من أبناء هذه الطائفة قتل وخطف ولم يحرك أحد ساكنا، لا العالم العربي ولا العالم الإسلامي يدرك معاناة الشيعة في
سوريا. للأسف تم خطف أكثر من ستين إمرأة وطفل من أهالي بلدتي نبل والزهراء في سوريا ولم يشر إليهن، لكن قامت الدنيا ولم تقعد لتحرير الراهبات ولو أننا نفدي الراهبات بأرواحنا لكن نتساءل لماذا يتجاهلون أهالي الشيعة المختطفين!؟ ».

السابق
ملحم زين: الفن اليوم في مأزق
التالي
غادة عبد الرازق تدخل قصر الرئاسة