ميشال عون ميشالاً آخر؟

منذ بدايات ظهوره السياسيّ، في أواخر الثمانينات، ارتبطت صورة ميشال عون بالسعي إلى رئاسة الجمهوريّة. وهو عبّر عن هذا السعي مقاتلاً قبل أن يعبّر عنه سياسياً وبرلمانيّاً وقائد تيار شبه حزبي.
ودائماً كان اللون الذي يكسو ميشال عون لوناً حاداً وإن تخلّلته تقلّبات كثيرة: فهو قاتل الجيش السوري وحده، ثم من منفاه الفرنسي جاهر وحده بعلاقات غربيّة كان يعمل على توظيفها لإخراج السوريّين من لبنان، وبعد سنوات حالف السوريّين والإيرانيّين وحده من بين سائر القوى المسيحيّة، ووحده من بين المسيحيّين أقام “تفاهماً” شهيراً مع عدوّ الأمس، حزب الله، ووحده في تاريخ المسيحيّة السياسيّة من تجرّأ على وضع مسيحيّيه وحساسيّاتهم في مواجهة مع ما يُفترض أنّه “الغرب”.
كلّ شيء كان ولا يزال ممكناً قوله عن عون إلاّ القول إنّه بلا لون. واللون هذا بدا دائماً مستفزّاً لنصف اللبنانيّين على الأقلّ: قبلاً كان يستفزّ الشيعة ونصف المسيحيّين، ومنذ 2005 وحتّى الأمس القريب بات يستفزّ السنّة ونصف المسيحيّين الآخر.
اليوم ثمّة من يطرح قائد الجيش السابق رئيساً للجمهوريّة. وعملاً بالتحليلات اللبنانيّة المألوفة، يظهر بين فينة وأخرى من يخبرنا بأنّ القوى الطائفيّة الكبرى ستلتقي على تأييد عون في نهاية المطاف، لا بل إنّ عواصم القرار الإقليميّة والدوليّة سوف تختاره تفادياً للفراغ في المنصب الأوّل.
لكنْ إذا صحّت تلك التوقّعات، فإنّ صحّتها ستوقع ميشال عون، وتوقعنا معه، في ورطة كبرى.
ذاك أنّ المرشّح الذي ستجتمع على تأييده القوى الطائفيّة وعواصم القرار سيكون رئيساً ضعيف اللون، باهته، إن لم يكن عديمه. وعون، بالتعريف، ليس كذلك.
فهل نحن، إذاً، في صدد عمليّة يتحوّل بموجبها ميشال عون إلى ميشال آخر، أو إلى واحد من تلك الوجوه الكثيرة الضعيفة اللون المتسابقة على رئاسة الجمهوريّة؟ وهل تتحقّق له هذه الرئاسة التي سعى طويلاً إليها لكنّنا نكتشف أنّ الشخص الذي حلّ فيه غير الشخص الذي نعرفه؟
على أيّة حال إذا ما تحقّق هذا الاحتمال المزدوج، أي رئاسة عون وامتصاصه لونه الفاقع، فسيكون الأمر على قدر بعيد من الإثارة. إلاّ أنّه، بين أمور أخرى، سيشكّل درساً آخر من دروس المبدئيّة في السياسة اللبنانيّة. والتقلّبات الكبرى التي نعرفها في حياة الجنرال تزكّي افتراض المفترضين أنّه سيكون هو الأستاذ الذي يشرح الدرس هذه المرّة، خصوصاً أنّ التقدّم في السنّ لم يعد يتيح الانتظار مجدّداً لمعركة رئاسيّة أخرى تُجرى بعد ستّ سنوات.

السابق
السيسي: تعرضت لمحاولتي اغتيال
التالي
“الأنباء”: لقاء باسيل ـ صفا بحث الاستحقاق الرئاسي