لا ينقص المرأة إلا إعلانات تتاجر بقانون العنف ضدّ المرأة

مسكينة المرأة، لم نعد نعرف كيف يتمّ إقحامها في التسليع والترويج. إذا أقفلت باب استغلال جسدها، دخلوا عليها من باب حقوقها كأنّه لم يكن ينقص قضيّتها سوى أن تدخل في هذا المضمار الاستهلاكي. باتت شركةalmaza ومحمصة الرفاعي وخوري هوم واكزوتيكا وغيرها من الشركات فجأة معنية بهذه القضية وسط غيابٍ ملفت للمثقّفين وجهات أجدر بتمثيل الصوت النسائي في المجتمع.

إنضوت مؤخّراً تحت “راية الهاشتاغ” #‎NoLawNoVote شركات من مختلف الميادين للتعبير عن مساندتها للقانون الذي يحمي المرأة من العنف المنزلي، فيما يبدو أشبه بإعلانات للترويج عن منتجات هذه الشركات من سوشي ومكسّرات وأدوات منزلية ومشروبات كحولية، الخ.

حفلت Facebook وTwitter وغيرها من وسائل الإعلام التقليدية والجديدة بهذه الدعايات التي “تسرق” من الحملة وهجها للتسويق لمأكولات ومشروبات وسلع تجارية.

مسكينة المرأة، لم نعد نعرف كيف يتمّ إقحامها في التسليع والترويج. إذا أقفلت باب استغلال جسدها، دخلوا عليها من باب حقوقها كأنّه لم يكن ينقص قضيّتها سوى أن تدخل في هذا المضمار الاستهلاكي. باتت شركةalmaza ومحمصة الرفاعي وخوري هوم واكزوتيكا وغيرها من الشركات فجأة معنية بهذه القضية وسط غيابٍ ملفت للمثقّفين وجهات أجدر بتمثيل الصوت النسائي في المجتمع.

لو استعملت هذه الشركات مثلاً صوراً لموظّفيها وقد طبعوا على أصابعهم البصمة الحمراء كرمز للتعبير عن التضامن مع القانون أو حتّى صورة متعلّقة بالعنف ضد المرأة، لكان الأمر أكثر إقناعاً وربما اتّخذ على الأقل ولو شكلياً صورة إنسانية وليس مجرّد “دعاية” للمنتج.

هذه الشركات هي نفسها الّتي تنبري مثلاً في عيد الأمّ لكي تنصح الأبناء بكيفية التعبير عن عواطفهم لأمّهاتهم وللترويج عن منتجات وعروض خاصة. وتستعمل هذه الشركات غالباً عبارات أو شعارات عاطفية تشعرنا للحظة أنّها لجنة إنسانية ما.

فإذا كانت هذه الشركات شديدة الحرص على هذه المناسبات كما تدّعي، لماذا لا توزّع الهدايا المجانية للأمّهات لكي نصدّق الإعلانات على الأقل. وهل يمكن لهذه الشركات نفسها أن تقنعنا أنّ المرأة حاصلة على حقوقها فيها? أن لا تحرّش جنسي في أماكن العمل هذه مثلاً؟ أنّ إجازة الأمومة تعطى للمرأة كما ينصّ القانون؟

مسكينة المرأة، لم تنجُ لا في أفراحها ولا في أتراحها من المدّعين والمدافعين والمخرّبين والمحاربين والمساندين والطامعين والطامحين. لم تنجُ من رغبة السياسيين بأن يدّعوا أنّهم وراء انتصار هذا القانون اليوم في المجلس النيابي.

بعد خروج نواب من كتلة التيار الوطني الحرّ وآخرون من القوات اللبنانية، حاول هؤلاء أن يبدوا ممتعضين ويقولوا أنّهم أرادوا أن يثيروا موضوع التعديلات المطلوبة للقانون لكنّ رئيس المجلس لم يعطهم الفرصة. مسكينة المرأة، فبحسب مصادر مراقبة للجلسة، لم يحاول النواب فعلاً الاعتراض. ولكن لننتظر قليلاً: ألم يصوّت معظم هؤلاء النوّاب عن سبيل الدعاية أيضا وخوفاً من أن تلوكهم الألسنة إن لم يصوّتوا؟

مسكينة المرأة. حياتها الخاصة مشاع. حياتها العامة مشاع. جسدها مشاع للمعلنين وقضيّتها باتت أشبه بالعلكة، يضعها من يشاء في فمه ويمضغها حتّى يلبي حاجته منها ثمّ يبصقها أرضاً. البعض اليوم حوّلها إلى صحن بزورات أو كوب نبيذ  أو قطعة سوشي في محاولة “لركوب الموجة” والاستفادة منها.

البعض الآخر حوّلها إلى دعاية انتخابية. البعض أيضاً حوّلها إلى منتج. حتّى الحركات النسوية التي يُفترض أنّها أوجدت للدفاع عنها حوّلتها أحياناً إلى منبر خاص للاستعراض أو التنفيس عن عقد شخصية أو الربح الماديّ.

مسكينة المرأة وهي تحارب طواحين الهواء وتتحدّى الطبيعة لأنّ الشركات الاستهلاكية استعملتها أيضاً لتعمّم لها صورة غير واقعية، صورة المرأة النحيلة الأنيقة طوال الوقت. مسكينة وهي تتحوّل إلى هدف لشركات العناية بالشعر والبشرة ومسكينة وهي تتحوّل إلى وسيلتهم للإعلان أيضاً. مسكينة في كثير من الأحيان. مسكينة حين يقولون لها “كوني جميلة واصمتي” ومسكينة حين يقولون لها تكلّمي “لغاية في نفس يعقوب”. مسكينة حين تصير سلعة ومسكينة حين تلهث وراء السلع.  مسكينة في حالات عدّة ولكنّها مسكينة أكثر وأكثر وأكثر حين تصدّق كلّ هذا الهراء!

السابق
الجيش يزيل إحدى الدشم في باب التبانة
التالي
الشيخ سالم الرافعي يرافق انتشار الجيش في التبانة