التعقيدات في لبنان والمنطقة تتصاعد … والموارنة في المحنة

خارطة لبنان

لم تنجح محاولة الحلقة القريبة من رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان لبعث الحياة في خيار التمديد، ولو على مستوى الجدل السياسي الداخلي. وهكذا بقي كلام «وزيرة العهد» وابنة منطقة جبيل أليس شبطيني بلا صدى، فيما ذهبت دعوة النائب فؤاد السعد أدراج الريح.

صحيح أنّ مؤتمر باريس كان من المفترض أن يكون قد حمل إجابة دولية واضحة بعدم أهلية خيار التمديد الرئاسي لألف سبب وسبب، إلّا أنّ فريق رئيس الجمهورية المتحمّس لهذا الخيار ما زال يأمل في خلق دينامية داخلية تسمح بإعادة النظر في القرار الاميركي، ولو على قاعدة أو بدعة جديدة تقول بالسماح لسليمان بالاستمرار في موقعه، في حال الفراغ، إلى حين انتخاب رئيس جديد للجمهورية.

ويتردّد أنّ أحدهم تبرّع بكتابة فتوى دستورية تجيز هذا الأمر. لكن أيّاً من الأوساط الديبلوماسية لا تبدو مهتمّة بذلك، لاعتبارها أنّ الأحداث أضحت في مكان آخر: من سيكون الرئيس المقبل للجمهورية؟ ووفق أيّ إخراج سيجري تظهير صورته؟ وعلى أيّ بنود سيرسو التفاهم السعودي ـ الإيراني المنتظَر، بما سيعرف لاحقاً بالتسوية اللبنانية الجانبية؟

صحيح أنّ الاستحقاق الرئاسي في لبنان عادةً ما يشهد تعقيدات كثيرة وشَدّ حبال، إلّا أنّ للاستحقاق الحاليّ تعقيدات استثنائية، كونه مفترقاً داخلياً حاسماً يتزامن مع خيارات إقليمية كبرى. فالأزمة الرئاسية كانت واضحة في مهرجان فريق 14 آذار: غياب عن المشاركة وتناقض في المواقف وكلام ناريّ لرئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع موجّه بالدرجة الأولى إلى حلفائه المفترضين.

على رغم ذلك يبدو أنّ الرئيس سعد الحريري قد اتّخذ موقفه لجهة تبنّي ترشيح سمير جعجع كمرشّح 14 آذار للانتخابات الرئاسية، على أن يعلن ذلك رسمياً قبل نهاية الشهر الحالي. وهو استطاع إقناع بطرس حرب بأنّ ترشيح جعجع لن يعني سوى التطاحن مع رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون ليكون حرب المرشّح الجدّي من بعده. فيما بدا الرئيس أمين الجميّل منزعجاً، وقد ترجم ذلك من خلال المواقف المشاغبة على البيان الوزاري.

كان من الممكن أن تكون الصورة مختلفة، لكن لا خلاف أنّ الطائفة المارونية في محنة قاسية منذ عقود. ويُروى أنّ أحد الرهبان الذائعي الصيت والذي كان بمثابة أب روحي لـ»القوات» خلال الحرب، أرسل إلى سمير جعجع قائلاً: «إذا كنت غير واثق من فوزك فالأفضل لك وللمسيحيّين أن تنسحب لمصلحة عون، وبذلك يصبح الشارع المسيحي أسير تأييدك، وتكون قد ضمنتَ فوزك في الإستحقاق الرئاسي المقبل، أضِف إلى ذلك أنّك ما تزال شاباً قياساً إلى عمر الجنرال».

وعندما أفرغ الرسول ما في جعبته علّقت النائب ستريدا جعجع بسلبية قائلة: «أهذا ما يقترحه الأباتي؟ بيمون الأباتي بيمون». ثمّ جاء دور جعجع الذي قال: «قدّم اقتراحك لعون ولتبدأ المسألة من عنده».

تكفي هذه الصورة للاستنتاج أنّ جلسةً للاختيار بين عون وجعجع إنّما تهدف لإلغاء خيار الأقوياء. فوفق هذا التصوّر ستكون كتلة النائب وليد جنبلاط هي المرجّحة لإسم الرئيس المقبل.

نظريّاً، إنّ هذا السيناريو يبدو منطقياً لكنّ الواقع مختلف. فصحيح أنّ جنبلاط كان قد أعلن أمام أحد السياسيين أنّ المعركة في حال رسَت ما بين عون وجعجع فإنّه سيقترع لعون من دون أيّ تردّد، إلّا أنّ الجميع يدرك أنّ الحسابات أعمق من هذه المفاضلة البسيطة، كما أنّ عون نفسه يدرك ذلك.

من هنا، فإنّ الإعتقاد في الإمكان أخذ عون ببساطة إلى مواجهة غير مضمونة يبقى اعتقاداً خاطئاً. فصحيح أنّ عون يدرك جيّداً أنّ أيّ مكوّن من مكوّنات 14 آذار لا يريد جعجع، إلّا أنّ ذلك لا يعني الركون إلى الخطوة التالية.

لذلك، فإذا لم يسمع عون في وضوح تأييد تيار «المستقبل» له فإنّه لن يخطو خطوة في المجهول. والاعتقاد أيضاً بأنّ عون «انتحاري» بالمعنى السياسي للكلمة، إنّما هو اعتقاد خاطئ، على الرغم من أنّ هذه الصفة هي التي غلبَت على صورته. ما يعني أنّ عون عندما يستنفد كلّ أوراقه في معركته الرئاسية قد يفتح الباب ليكون صانع الرئيس المقبل، وذلك في الوقت المناسب، لكنّه بالتأكيد لن يقبل بأقلّ من ذلك مهما كانت النتائج.

لكن هنالك من يؤكّد أنّ الاستحقاق الرئاسي سيتأخّر في انتظار استكمال بعض المعطيات الإقليمية. ويتحدّث هؤلاء عن بضعة أشهر من الفراغ، بحيث لا تُجرى الانتخابات قبل منتصف الصيف المقبل. فهناك «جنيف 3» والذي ينتظر استكمال بعض التطوّرات الميدانية في سوريا.

فبعد يبرود هنالك حلب، فيما أعداء النظام يعملون على استكمال استعدادات بعض المجموعات في الأُردن لتحقيق نقاط ميدانية في المنطقة الجنوبية للعاصمة دمشق في وقت ليس ببعيد، وهو ما سيسمح (في رأي هؤلاء) باستعادة التوازن على مستوى المفاوضات السياسية.

وهنالك أيضاً جرح طرابلس واللهيب الذي ينتظر عرسال من خلال السيناريو الذي رُسِم سابقاً على أساس ملاحقة الطيران السوري لمقاتلي يبرود وقصفِهم بعنف في عرسال، ما سيدفع الأمور في اتّجاه تعقيدات خطيرة.

لا شكّ في أنّ دماء كثيرة ستسيل في الأشهر المقبلة، فيما بعض مؤيّدي التمديد يقرأون بين كلّ ذلك فرصةً ما قد تحوّل الوهم حقيقة. الحقيقة أنّ الموارنة في قلب المحنة.

السابق
7 اصابات جديدة بمرض الصفيرة بالهبارية
التالي
البرلمان الأوكراني يوافق على إقرار حالة الاستنفار في البلاد