‘الروحانية’… والحرّيات

ينشط المتشدّدون في الجمهورية الإسلامية في إيران لتفشيل الرئيس حسن روحاني، والعمل على تقديمه بأنّه ليس سوى محمد خاتمي مكرّر، يرأس ولا يحكم، يَعدْ ولا يَفي. وكما انتهت “الخاتمية” ذكرى، فإنّ “الروحانية” ستبقى أملاً بلا هيكل.

الاستمرار في خنق الحرّيات، وعدم السماح للإيرانيين، خصوصاً الشباب منهم، الذين يشكّلون أكثر من نصف المجتمع الإيراني، بممارسة حقوقهم كما باقي الشعوب على جميع الأصعدة والمجالات والقطاعات. لذلك يركّز المتشدّدون على جعل الحرّيات “عقدة آخيل” التي يصيبون “الروحانية” بها مقتلاً.

في عزّ الحملة التي افتعلها المتشدّدون من سياسيين وقادة في “الحرس الثوري” و”الجيش”، ضدّ أيّ حوار إيجابي مع الولايات المتحدة الأميركية، يستمر ضرب الحرّيات الصحافية أولاً. فقد تم مؤخراً إيقاف صحيفة “آسمان” الإصلاحية مدّة خمسة أيام لانّ مقالاً وصف “القصاص غير إنساني”، ممّا اعتُبر مسّاً بالشرع الإسلامي. أمّا الحرب الحقيقية هي في منع الإصلاحيين إصدار صحف يمكنها مواجهة تسونامي صحف المتشدّدين مثل: “كيهان” و”وطن أمروز” و”رسالت” و”شما”. من أبرز الضربات التي وُجهت كانت في دفع أبرز صحافي في إيران وهو ما شاءالله شمس الواعظين إلى توقيف العمل لإصداره صحيفة على غرار “جامعة” (أصدرها في الأيام الأولى لانتخاب الرئيس محمد خاتمي واصبحت أقوى الصحف في فترة قياسية) بعد أن عمل الفريق الصحافي الذي شكّله أربعين يوماً. والمعروف انّ شمس الواعظين مُنع مع عدد من زملائه من الكتابة وحتى الظهور في الشبكات التلفزيونية منذ أكثر من عامين.

ورغم وعود الرئيس روحاني بإعادة فتح “جمعية الصحافيين الإيرانيين”، فإنّها ما زالت مغلقة، كذلك ما زال العشرات من الصحافيين والكُتَّاب قيد الاعتقال. وقد اختصر الرئيس هاشمي رفسنجاني الوضع بقوله: “الخائفون من الحقيقة يفرضون الرقابة على وسائل الإعلام”.

الوجه الآخر لضرب الحرّيات الصحافية، هو في الحدّ من استخدام مواقع “التواصل الاجتماعي” مثل “فايسبوك”، سواء في اعتقال المحرّرين أو الناشطين، لذلك يضطر المستخدِمون الإيرانيون منذ العام 2009 إلى الالتفاف على القيود التي فرضتها السلطات الأمنية على الشركات التي توفّر خدمات الانترنت عبر استخدام تقنيات معقّدة، كما يتم من وقت إلى آخر إقفال مواقع الكترونية كما حصل لموقع “نارنجي” بعد اعتقال محرّريه. والمعروف انّ للرئيس روحاني ووزيري الخارجية محمد جواد ظريف والثقافة محمد جنتي مواقع على “تويتر” و”فايسبوك” يتواصلان عبرها مع العالم.

التضييق على الحرّيات ضرب منذ سنوات الجامعات. الرئيس أحمدي نجاد عيّن رؤساء الجامعات من المتشدّدين. أمّا القرار الأخطر فكان في وضع الجامعات تحت سلطة “الحوزات” بعد إنشاء “مجلس التعاون بين الجامعات والحوزات”، ممّا سمح لرجال الدين المتشدّدين والمرتبطين بأجهزة الدولة من بسط نفوذهم.

أمّا قمّة التشدّد فكانت في تأسيس مكاتب “ممثلي القائد” (أي المرشد آية الله علي خامنئي) في الجامعات والكليات للسيطرة على جميع الأنشطة الثقافية والاجتماعية والسياسية العائدة للطلاب. الجديد في ضرب هذا القطاع الذي يصنع كادرات المستقبل فرض التمييز على الطالبات بحيث تم منعهن من تخصّصات عديدة بلغت 75 تخصصاً في 36 جامعة، علماً أنّ نسبة الطالبات تصل إلى 60 في المئة من مجموع الطلاب.

الرئيس حسن روحاني نجح في توجيه ضربة إلى المتشدّدين في هذا القطاع، ويبدو أنّ وراء هذا النجاح الخوف من انفجار احتجاجات طلابية تنتقل إلى الشارع، وتمثّل ذلك في إقالة رؤساء 23 جامعة ومركزاً للتعليم العالي. ولا شك أنّ العملية مستمرّة خصوصاً بعد أن خاطب روحاني “مجلس الشورى” مباشرة “ينبغي أن تكون الجامعات جامعات لا مدارس إصلاحية.. ولا يمكنكم تحقيق أي إنجاز علمي إذا ما كنتم معزولين عن العالم والمجتمع الدولي”.
يبقى أنّ القطاع الذي يحظى بدعم علني بارز من روحاني في مواجهة التحجّر الثقافي للمحافظين المتشدّدين فهو قطاع الفن بجميع أنواعه. ومن أبرز وعوده العمل على إعادة “الاوركسترا السمفونية الوطنية” التي حلّها نجاد. وقد وضع روحاني ميثاقاً للتعاطي مع الفن أمام حشد من الفنانين، أبرز بنوده:

* “لا معنى للفن من دون حرّية، والإبداع يتحقق في ظلّ الحرية فقط”.

* “لا نستطيع خلق فن من خلال إصدار أوامر”.

* “الاعتقاد بانّ الفن مسألة تتصل بالأمن القومي هي أضخم خطا أمني اطلاقاً”.

* “علينا التواصل مع الفنانين الذين عُزلوا في السنوات الماضية”.

* “يجب منع الرقابة ويبدو أنّ بعض المسؤولين لم يسمعوا صوت الشعب، أخرِجوا كرات القطن من الاذان”.

* “لكل نظام خطوطه الحمر ولكن من الضروري أن تكون هذه الخطوط شفّافة وواضحة”.

المأزق الذي يعيشه الرئيس حسن روحاني أنّه في الوقت الذي يقاتل فيه على جبهة المفاوضات مع مجموعة 5+1 والحوار مع الولايات المتحدة الأميركية وإخراج البلاد من “الأزمة الاقتصادية الحقيقية”، لا يملك توزيع جهوده على الجبهات الأخرى. لكن من المؤكد أنّ انتصار روحاني في الانفتاح والاعتدال خارجياً، سينتج عنه الانتصار في الداخل على جبهات أخرى وأبرزها الحرّيات.

السابق
وزارة الخارجية: جميع اللبنانيين في جزر مانوس في أستراليا بخير
التالي
14 آذار سلمت بلامبلي عريضة تطالب بشمل كل الإغتيالات بالمحكمة الدولية