إسرائيل تستدرك الغضب الأميركي

هاتف رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو وزير الخارجية الأميركي جون كيري، وتحدثا مطولاً في العلاقات بين الدولتين. واجتمع وزير الدفاع الأميركي تشاك هايغل مطولاً أيضاً مع نظيره الإسرائيلي موشي يعلون، الذي كان اتهم كيري بالهوس وطالب بمنحه جائزة «نوبل» وإبعاده عن وهم التسوية مع الفلسطينيين. ولكن هذه اللقاءات لم تخفف من غضبة الإدارة الأميركية على الحكومة الإسرائيلية بعد «تشويهها» مواقف كيري واتهامها له بتشجيع المقاطعة الأوروبية لإسرائيل. وبدت الغضبة واضحة جداً أمس في مقالة توماس فريدمان عن «الانتفاضة الثالثة» بقيادة أوروبية ضد إسرائيل وعبر بوابات المقاطعة.
وأشارت «هآرتس» إلى أن موجة الحملات والإهانات الإسرائيلية لوزير الخارجية الأميركي جون كيري أخرجت الإدارة الأميركية عن طورها. وحذرت الصحيفة من أن استمرار الحملة الإسرائيلية هذه قد يجر رداً أميركياً يخرج عن قواعد اللياقات المعهودة. فالتغريدات التوبيخية، التي نشرتها مستشارة الأمن القومي الأميركي سوزان رايس على موقع «تويتر» دفاعاً عن كيري، تشهد على شعور الإدارة بأن إسرائيل تتجاوز حدودها. وأوضحت «هآرتس» أنه حينما تبدو الحملة الإسرائيلية موجة عكرة، فإن الرد الأميركي سيخرج قريباً عن قواعد اللياقة.
وقبل أن تهدأ عاصفة اتهامات يعلون لكيري بـ«الهوس» و«المسيحانية» قبل أسبوعين، جاء اتهام عضو الكنيست من الائتلاف الحكومي موتي يوجاب، ليصف وزير الخارجية الأميركي بـ«المعادي للسامية». ولكن قبل أن يغيب صدى هذا الاتهام جاءت أيضاً الحملة الرسمية على كيري، واتهامه بأنه يضع المسدس على صدغ إسرائيل، وأنه صار «بوقاً للمقاطعة اللاسامية».
واستذكرت «هآرتس» بأن هذه ليست المرة الأولى التي يتلقى فيها رؤساء ومسؤولون أميركيون إهانات من جانب مسؤولين إسرائيليين، خصوصاً عند سخونة مفاوضات السلام. وأشارت إلى أنه منذ وقف قادة «غوش إيمونيم» في العام 1974 يصرخون على هنري كيسنجر بـ«اليهودي الصغير» وإلى وصف الرئيس باراك أوباما بأنه «فرعون معاد للسامية» قبل تجميد المستوطنات في العام 2010، تعامل قادة اليمين بحدة مع كل «من جاء ليسلب من إسرائيل أرضها»، بحسب إيمانهم.
ورأت الصحيفة أن الفارق بين ما كان وما هو قائم الآن لا يكمن في حدة الاتهامات، وإنما في المشاعر القاسية الكامنة خلفها. فرئيس الحكومة الإسرائيلية شعر أن الإدارة الأميركية عملت من وراء ظهره في كل ما يتصل بالاتفاق النووي مع إيران، وأنها غرست سكيناً في ظهره. والإدارة الأميركية لا تزال غاضبة على دور اللوبي الصهيوني ـ الأميركي، وبحثّ من نتنياهو لتشجيع مجلس الشيوخ على فرض عقوبات جديدة على إيران، وبالتالي العمل على تقويض سياسة أوباما.
واعتبرت الصحيفة أن ذلك لا ينفصل عن حدة الشكوك وانعدام التفاهم بين أوباما ونتنياهو منذ توليهما منصبيهما في العام 2009. واعتبر مسؤول أميركي أن سوء التفاهم يعود إلى التوبيخ العلني، الذي وجهه نتنياهو لأوباما في لقائهما في واشنطن في العام 2011 عن طريق تشجيعه لمنافسه ميت رومني في العام 2012. والأميركيون يعرفون إسرائيل، لكنهم لم يكونوا ينتظرون أن تتوجه سهام المسؤولين الإسرائيليين إليهم، وهذا ما يثير امتعاضهم ويدفعهم للاعتقاد بأن هذه وقاحة.
وكما سلف فإن رد الفعل الأميركي على الحملات الإسرائيلية لم يعد قصراً على المتحدثين باسم البيت الأبيض أو وزارة الخارجية. فقد دخلت على الخط مستشارة الأمن القومي سوزان رايس، التي كتبت أن «الحملات الشخصية في إسرائيل ضد وزير الخارجية كيري لا تستند إلى أساس، وهي غير مقبولة». واعتبرت رايس أن أسلوب كيري في كل ما يتصل بدعم أمن إسرائيل، وازدهارها «صلب كالصخر»، وأن الإدارة الأميركية تعارض بشكل واضح ودؤوب كل مقاطعة ونزع شرعية عن إسرائيل. وكانت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية جنيفر ساكي قالت إن وزير الخارجية «محبط» جراء قيام مسؤولين إسرائيليين بـ«تشويه وتحريف» أقواله حول مخاطر المقاطعة.
وهكذا، فإنه بعدما كان نتنياهو شخصياً والعديد من وزرائه قد وجهوا الاتهامات لكيري بسبب أقواله في مؤتمر الأمن في ميونيخ، أدرك أن الأمور قد تفلت من بين يديه. وهكذا طالب نتنياهو في جلسة كتلة الليكود مؤخراً من الوزراء وأعضاء الكنيست الكف عن مهاجمة كيري شخصياً. ولتأكيد طلبه هذا قال لهم إن كيري خلال المكالمة الهاتفية، التي أجراها معه، أكد معارضته لكل مقاطعة يمكن أن تفرض على إسرائيل. وقال نتنياهو في الجلسة إن «الولايات المتحدة تعارض كل مقاطعة لإسرائيل وهي تعمل لمنعها ونحن نأمل أن يواصلوا فعل ذلك». وأشار إلى «أننا في عملية مركبة، حساسة وغير بسيطة وأيضاً لاحقا قد ينشأ سوء فهم. والطريق لإزالة الخلافات هو بشكل جوهري، وليس شخصيا».
وكانت زعيمة حزب «ميرتس» وهافا غالئون رأت أن حملات نتنياهو ووزرائه على كيري «تقود إسرائيل إلى مسار صدام مع أميركا. وهذا لن يقود كيري للتسليم، لكن سيتكون لدى الرئيس أوباما انطباع بأن نتنياهو يقود إلى مواجهة وتفجير في المفاوضات، بحيث يدفع هو وأبو مازن (الرئيس الفلسطيني محمود عباس) المفاوضات إلى الفشل وتتحــول المســألة إلـى معـركة اتهــامات».
وفي كل حال فإن توماس فريدمان كتب في مقالته في «نيويورك تايمز» أن الانتفاضة الثالثة ضد إسرائيل بدأت، وهي تدور في أوروبا، قاصداً المقاطعة. ومن رام الله كتب «هذه الانتفاضة التي أشد ما تخشاها إسرائيل، ليس انتفاضة مع عصي وانتحاريين، وإنما انتفاضة تستمد قوتها من مقاومة غير عنفية، ومن مقاطعة اقتصادية».

السابق
عبثيّون بلا أفق
التالي
مذكرة بكركي الوطنية: إيش بِدّا تعمل؟