المشروع الوطني وحده يهزم ‘الإنتحاري’

في مواجهة المشروع الإسلامي المتطرف الذي يريد تطبيق الشريعة بالعنف والحكم باسم الله، لا بدّ من العمل على إحياء المشاريع الوطنيّة الجامعة في بلادنا. تلك المبنيّة على الديموقراطيّة واحترام القانون وحقوق الإنسان. فهي وحدها الكفيلة بوقف مدّ المشاريع الطائفيّة المتصارعة.

حصل منذ ستة أشهر: أربع سيارات انفجرت في ضاحية بيروت الجنوبيّة من بينها اثنتان يقودهما انتحاري، زائد سيارتين انتحاريتين انفجرتا في الهرمل، ومساء الإثنين فجّر نفسه انتحاري من جبهة النصرة الجهاديّة السنيّة في سيارة نقل مشترك بمحلّة “الشويفات” وهو في طريقه الى الضاحية، معقل حزب الله وجمهوره الشيعي.

المجموع سبعة. ولا يتوقّع جمهور المقاومة المستهدف، بوصفه البيئة الحاضنة لـ”حزب الله”، أن تتوقف هذه العمليات الإرهابيّة في الأمد القريب رغم الإجراءات الأمنيّة المشدّدة التي نجحت جزئيّا في الضاحية الجنوبيّة منذ أسبوعين، فمنعت السيارات الجانية من الدخول، ما دفع انتحاري أمس إلى أن يحاول التسلّل اليها عبر حافلة نقل مشترك، ففشل، وكان ما كان من تفجير الشويفات.

ولدت هذه الموجة من العمليات الانتحاريّة في المنطقة بالعراق منذ عشر سنوات، وترعرعت فيه وتتطوّرت. وهي، وان كانت تستهدف الإحتلال الأميركي في حينها من حيث الشكل، الا أنّها في الواقع استهدفت الشوارع والأحياء الشيعيّة، وأوقعت الآلاف من الأبرياء قتلى وجرحى. والسبب أنّ الشيعة، برأي من يرسل هؤلاء الإنتحاريين الجهاديين السنّة، هم من استفاد من الإحتلال الأميركي للعراق، فتسلموا السلطة وحكموا بوصفهم يشكلون المكوّن الأكبر في العراق بعدما زال النظام البعثي وأعدم زعيمه الدكتاتور صدام حسين.

هنا يظهر الهدف الحقيقي من وراء تلك العمليات الإرهابيّة وهو “مشروع السلطة”. فالحركات الأصوليّة والسلفيّة السنيّة ما زالت تعيش حتى اليوم عقدة “الخلافة” الإسلاميّة  التي اندثرت مع زوال الحكم التركي عن بلادنا. وهي لا ترى شرعيّة لأيّ حكم مدني أو ديموقراطي. خصوصا إذا تقلّد رياسة هذا الحكم خصومهم التاريخيين في الدين: “الشيعة”. اذ لم تفلح عقود من التعايش والمهادنة في الدول الوطنيّة الجامعة التي أنشأها المنتدبون الغربيون في بلادنا في أن تمحو ذلك التنافر العقائدي والسياسي بين المذهبين الشقيقين رغم مئات المؤتمرات الحواريّة الإسلاميّة، الوطنيّة والأمميّة، التي عقدت منذ منتصف القرن الفائت وحتى عامنا الحالي.

لذلك فإنه وبمواجهة المشروع الإسلامي المتطرف الذي يريد تطبيق الشريعة بالعنف والحكم باسم الله، لا بدّ من العمل على إحياء المشاريع الوطنيّة الجامعة المبنيّة على الديموقراطيّة واحترام القانون وحقوق الإنسان.

ولا يخفى على أحد أنّ نظام البعث الدكتاتوري القومي في سوريا والعراق هو من زعزع أركان الدولة الوطنيّة وهمّشها بعدما جعل من الحاكم،  المستبد بعسكره وأمنه المرعب، إلها يأمر فيطاع، ومشيئته فوق القانون وفوق أيّ شرعيّة، ما مهّد الطريق أمام حركات التطرّف الديني وأوجد لها أرضا خصبة وبيئة حاضنة ولّدتها النقمة على الظلم ومحاولة مجابهته بظلم أكبر وأكثر فتكا.

 وفي لبنان فإنّ النظام الطائفي الذي يأبى اللبنانيون التخلي عنه هو سبب ضعف دولتهم الأزلي ومسبب الحروب الأوّل في بلدهم، فتندلع القلاقل كلما اختلّ التوازن الطائفي في مرحلة من المراحل، وحاولت فئة فيه ان تسيطر على فئة ثانية.

 وقد اندلعت الأزمة السياسيّة الحاليّة في لبنان مع اغتيال الرئيس رفيق الحريري في شباط 2005 بعد اتهامه من قبل خصومه أنه يريد الاستفراد وطائفته السنيّة في الحكم عبر تطبيق القرار الأممي 1559 الذي قضى بانسحاب الجيش السوري من لبنان وتجريد حزب الله الشيعي أو المقاومة من السلاح. ومنذ ذلك التاريخ يشعر السنّة انهم باتوا مستهدفين، خصوصا بعد اغتيال العديد من زعمائهم ومن قيادات 14 آذار. وهو الحلف الوطني الذي شكل وضم مسيحيين ومسلمين مناوئين لسياسة حزب الله وحلفائه قوى 8 آذار. وهذا الانقسام كان كفيلا بإضعاف المشروع الوطني وتقويضه.

 وبعد اندلاع الثورة في سوريا ضد حكم البعث وانخراط حزب الله في القتال الى جانب النظام وقيام جماعات اسلامية سنيّة  بالتطوّع من أجل نصرة اخوانهم في الدين والمذهب، فإنّ الباب فتح على مصراعيه في لبنان لدخول رياح التطرّف السامّة  المصحوبة بالإرهاب والإنتحار المقدّس في سبيل اعلاء شأن الجماعة المقهورة.

فقد سقطت دعوة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله لخصومه السلفيين الجهاديين لقتالهم وتصفية الحساب معهم على الساحة السوريّة. لأنّهم، بعد خسارتهم في معركة القصير على أيدي مقاتلي حزب الله، تمكنوا من نقل المعركة الى الضاحية الجنوبيّة معقل الحزب عن طريق تفجير سيارات ملغومة يقودها انتحاريون، لمحاولة تعويض هذه الخسارة ونقل المعركة الى الجبهة الداخليّة للـ”العدوّ الشيعي”.

 اذن فالمشروع الوطني هو الحل، وحسنا فعل حزب الله بتنازله عن الفيتو من أجل تشكيل حكومة وحدة وطنيّة، وعسى ان يكون مخلصا في هذا المسعى.

في المقابل فإنّ تيار المستقبل، الذي فصل بين العمل الوطني وبين عمل المحكمة الدوليّة التي اتهمت كوادر في حزب الله باغتيال الرئيس رفيق الحريري.. تقدّم بقيادة زعيمه سعد الحريري خطوة كبيرة أيضا ولاقى خصمه في سبيل العودة بالوطن الى شاطىء السلام والأمان عندما مدّ يده لشراكة الحزب وحلفائه. وهذا من شأنه أن يقطع الطريق على رياح الفتنة المذهبيّة الآتية من الشرق، التي من شأنها اذا ما استمرّت في عتوّها ان تودي بسفينة الوطن الى التحطّم الغرق والهلاك.

السابق
باسيل متلهي بالوزارة.. واسرائيل تسحب نفط لبنان!
التالي
بالضاحية بعض الأمان.. وجبل عامل الأكثر أمانا