الفايسبوك… الذي زاد من عزلة المرأة وقيودها

لم يشكل العالم الافتراضي للمرأة سوى محطة لبثّ لواعجها العاطفية. لماذا؟ لأنّ الممنوع في العالم العربي والتقاليد فرضا عليها دوما البحث عن نافذة تطل منها على الخارج. لكنّه زاد من عزلتها ومن تكبيلها بدل أن يحرّرها فعلا، في العمق.

دخلت المرأة / الانثى العالم الافتراضي الفايسبوكي، كما الرجل، منذ انطلاقته في العام 2004 على يد ماركزوكربيرج. ذلك الشاب الذي اتهم انه سرق فكرة الفايسوك من رفاق له في الجامعة. ولم يكن العالم الافتراضي بعيدا عن متناول يد اي امرأة في العالم العربي والعالم الاسلامي الا ما حددته كل من دولتي الاسلام الرسمي الشيعي والسني الكبريتين، اي السعودية وايران.

والعالم الافتراضي الذي يختلف جدا عن العالم الحقيقي الواقعي لجهة تقريب البعيد وابعاد القريب، إذ انه لطالما التقينا من نحبهم ورحنا نتحاور معهم على الفابسيوك، لكننا نشعر كم هم غرباء عنا حين نلتقيهم وجها لوجه.

أعدناجميعنا في العالم الافتراضي، كأفراد لبنانيين، التواصل الاجتماعي بيننا وبين اقاربنا البعيدين عنا في كل من اوروبا واميركا واستراليا وافريقيا… الذين لم يتسنّ لنا الاستمرار في ترابطنا المستمر معهم في الافراح والأتراح كون المسافات والتكاليف والزمنىأثقلت كاهل الطرفين.

لبّ الموضوع هنا اننا كنساء فرحنا بالفايسبوك كونه شكّل المتنفس لنا في التعبير عن مكنوناتنا الخاصة والشخصية في نقل حيّ  ومباشر كما هو حال التلفزيونات الاخبارية.

نفتح ملفات، ونصنع ألبومات، ونعلق على ما نريد من مواقف صادرة سياسية وثقافية ودينية ونسائية الى درجة رحنا نعرض الالبسة والاحذية والماكياج وكافة متعلقاتنا الشخصية… وصور اطفالنا واهلنا وحفلاتنا ومناسباتنا واحزاننا.

لكنّ المهم بالعرض هذا هو ان الفايسبوك اخرج مكنوناتنا من دواخلنا، فصرنا كلنا شاعرات واديبات وكاتبات وفنانات في تصوير النفس البشرية من الداخل بكاميرتنا الخاصة لا بكاميرة البعيد.

لعب الفايسبوك دوره في اخراج المواهب الحميمة الى العلن لدرجة ان صور العاريات تملأ الصفحات الخاصة والمفتوحة بالوقت عينه على الآخر الذي يفتش ويبحث.

فمن المعروف ان اللبناني يهوى التجسس والتلصص على القريب والبعيد، على المجهول والمعلوم، وعبر الشبابيك التي لم تعد اليوم شبابيك المنزل، بل باتت شبابيك العالم الافتراضي الذي يُخفي اهدافه الحقيقية وهو في الوقت عينه يقوم على البحث عن خبايا الجار والاصدقاء والزملاء…

والدليل ان صاحب اي صفحة افتراضية يهدد غالبا من قَبِل صداقتهم وأدخلهم منزله الافتراضي بالطرد كما هو حال الاولاد حين يلعبون لعبة (بيت بيوت).

ففي حياتنا الحقيقية نهين من نتشاجر معه، ولا نهدده بالطرد الا ان الغرفة الافتراضية مهذبة جدا على عكس الواقع الفج والوقح والقاسي.

اما الاهم فهو ان معظم النساء هنا – افتراضيا – مهذبات لطيفات انيقات جميلات خائفات على سمعتهن يبتعدن عن الفضائح لأنّ ذلك يطال عوائلهن. فالمجتمع يُجبر المرأة ان تظهر بكامل اناقتها المجتمعية وكذبها ونفاقها وصورتها المارة على برنامج الفوتوشوب باستمرار.

اذن لم يحرر العالم الافتراضي المرأة كما هو مفترض، بل كبّلها اكثر وسجنها في سجن السمعة والعائلة والتقاليد… فبقيت كما هي بكامل “روتوشها”.

ومن تهوى الحرية والتفلت لجأت الى اسم وهمي او صورة وهمية او تغيير الجنس من انثى الى ذكر، لتعبّر عما في داخلها من ممنوعات وامامها من فيتوات.

وخلاصة التعليق هو ان التقانة لم تشد المرأة الى الأعلى وتحررها، بل دفعتها اكثر نحو الكبت والغرائزية والتفاهة، ونادرا ما نجد صفحات بعضهن من الجدية بمكان، ومن الالتزام بمعبر ايضا.                         

صحيح ان الصفحات الأسرية والإجتماعية والنسوية كثيرة ومتنوعة، اضافة الى صفحات الجمعيّات والروابط، الا ان الفرد الانثى غالبا ما تمحور تعبيرها عن نفسها حول شكلها وجمالها ولباسها وكلامها الإباحي المدلول، والعاطفيّ المعنى، وكأن لا مهنة للعرب الا الحب والجنس.

امرأة الفايسبوك لم تجد نفسها الا في خانات الادوار المساندة كالدوبلير وليس صاحبة الدور الرئيس. دائما هي مساندة وداعمة لآخر – هو ذكر على الدوام – يحلّق في البحث والعلم والاختراع والسياسة والاجتماع..

تسانده في حفلات الدعم العاطفي الذي تؤمنه له ليواصل ابداعاته واحلامه وتحقيق طموحاته، ويواصل في الوقت عينه تصنيفها في خانة مواطن وانسان درجة ثانية، كما فعلت الديانات السماوية الثلاث الكبرى.

السابق
فرانسين حدد مهلة تقديم الدفوع حول القرار الاتهامي بقضية مرعي حتى15شباط
التالي
صور أسيرة الإشاعات رغم عراقة التعايش