سجّادة ظريف

السجّادة الإيرانيّة لم تنته حياكتها بعد ليَفرشها وزير الخارجية أحمد جواد ظريف في قاعة مؤتمر جنيف ـ 2. إنه يسعى الى إنجاز العمل من خلال جولته التي بدأت في بيروت، وتشمل بعض عواصم دوَل المنطقة، قبل أن ينتهي به المطاف في موسكو.

إكتشف اجتماع باريس كم أنّ حضور إيران مهمّ في جنيف ـ 2، ومحوريّ وأساسيّ. تريده واشنطن لكن مقابل الإعتراف ببيان جنيف ـ 1، وسحب مقاتلي “حزب الله” من سوريا، ويردّ ظريف من بيروت: نشارك إذا ما وجّهت الينا دعوة غير مشروطة.

أجمعَ الثلاثة: وزيرا الخارجية الاميركي جون كيري، والروسي سيرغي لافروف، والموفد العربي ـ الأممي الى سوريا الأخضر الإبراهيمي في ختام اجتماع باريس، على دور إيران المهم في جنيف – 2. إختلفوا على مواصفات السجّادة، ومقاييسها، وهل تسحَبها طهران ساعة تريد من تحت أقدام المؤتمرين، أم أنّ عليها أن تمتثِل للإدارة الأميركيّة ـ الروسيّة، وتكون متجاوبة في تنفيذ ما يطلب منها؟ الأيام الفاصلة عن موعد المؤتمر ستكون حُبلى بالتطورات والمفاجآت.

دخلَ ظريف بيروت على بساط من الدم القاني المستورد من مشغل الإشتباك السعودي ـ الإيراني على الساحة. لم يعد تفجير مقرّ السفارة في الجناح هو العنوان، ولا تورّط الإرهابي ماجد الماجد وجماعته، إنّ ما حصل هو النتيجة لا السبب، والسبب هو امتداد نزاع المحاور ما بين الرياض وطهران حول الملفّات المصيريّة المفتوحة من العراق، الى سوريا، الى لبنان، والأردن، وبعض دَول الخليج، وأنتج إرهاباً، أو ساهم في توفير بيئته، وتمكّن الإرهاب من أن يَخلط الأوراق، وينسف الأولويات.

لا قيمة للزيارة إذا كان الهدف منها استفزاز الدور السعودي، فالأمر لا يتطلّب هذا المقدار من العناء، لأنّ ما عندنا يكفي. أهميّتها تكمن في أهدافها: المساهمة في معالجة المَعوقات لإنجاز الإستحقاقات، حكومة، إنتخابات رئاسيّة، إعادة تأهيل المؤسسات. وتحييد الساحة قدر المستطاع عن البركان السوري. والسَّعي الى دور جديد يؤدّيه “حزب الله”، والإنصراف جديّاً الى إعادة ترتيب الدور الإيراني في المنطقة على وَقع الاستعدادات الجارية لترتيب الوضع السوري وفق مسلسل مؤتمرات جنيف. إنها تأتي على وَقع المستجدات المتسارعة، دخل الفاتيكان بقوّة على شبكة التواصل مع عواصم دول القرار.

طَلبه واضح، لبنان ليس العراق، ولا يجوز تحويله ساحة لتصفية الحسابات. فرنسا دخلت بدورها، وبدأت مفاوضات مع إيران حول كثير من الملفات الشرق أوسطية، بينها الوضع في لبنان. الولايات المتحدة ذكّرت بالتزاماتها الواضحة، فهي تعرف لبنان جيداً، وتعرف هشاشة وضعه، وتعرف أكثر أنّ تَمادي العنف والإرهاب لا تقتصر تداعياته على الشيعة والسنّة، بل تعرّض الكيان لخطر الذوبان. روسيا دخلت، تريد جنيف ـ 2 كإطار حلّ شامل لسوريا ودوَل الجوار، بينها لبنان. وهناك التزامات تجاه الكنيسة الروسيّة، وهذه بدورها لها التزامات تجاه لبنان.

ويؤكّد سفراء أوروبيّون أنّ البرنامج النووي يقود الى مشاركة إيران طبيعيّاً في جنيف ـ 2، مفاوضاتها مع مجموعة الـ 5+1 كانت بمثابة تجربة وامتحان، وقد نجحت بامتياز، وهناك دعوة مفتوحة لمنسّقة السياسة الخارجيّة والأمن في الإتحاد الأوروبي كاترين آشتون لزيارة طهران، ومسعى جدّي لإعادة البعثات الغربيّة الى العاصمة الإيرانيّة.

هناك صفحة جديدة قد فتحت مع الولايات المتحدة يسعى الوزير ظريف الى تطويرها وتفعيلها، وتأتي زيارته لبيروت وسط هذا المناخ الجديد للمساهمة في تخفيف كثير من الأثقال عن كاهل لبنان، وفتح صفحة جديدة تتطابَق مواصفاتها مع الأهداف المرسومة لجنيف ـ 2. هناك هدنة ما بين دور بلاده، والدور السعودي على الساحة، ومسار سياسي لا بدّ من أن ينطلق لملء الفراغ على مستوى المؤسسات، وهناك ملف الإرهاب الذي لا بدّ من أن يقفل في لبنان توطئة لإقفاله في سوريا.

لقد وجّه ظريف من بيروت رسائل عدّة في اتجاهات مختلفة، خصوصاً في اتجاه السعوديّة. لبنان لا يستطيع أن يتحمّل أوزار هذا “الكباش” الدامي، وعليه أن يحافظ على دوره. سوريا لا يمكن أن تستمد الاستقرار من “جنيف ـ 2 “، أو أيّ جنيف آخر في ظلّ استمرار النزاع الإقليمي على خلفيّة مذهبيّة سنيّة ـ شيعيّة، ومصير المنطقة لا يجوز أن يتحكّم به الكبار فقط، فالمستقبل والمصير يفترض أن يصنعه أبناؤها لا الآخرين، وأهل الأرض هم أدرى بترابها، والأحَقّ بخيراتها وثرواتها، والبطولة البطولة لا تكمن في تأجيج النزاع، فهو قائم أصلاً، ومُحتدم من دون مِنّة أحد، فيما المطلوب والمرتجى التوَصّل الى تفاهمات تريح دول المنطقة وشعوبها، وتحترم مصالح كلّ طرف.

السابق
الـ”نقطة على السطر”… أين أصبحت؟
التالي
«فيتو الرئيسين».. يعرقل المساعي أم يسهّلها؟