الرئيس: حكومة جديدة أو التفاوض

قبل ان تنقضي 2013، تحمل الايام الاولى من 2014 اسبابا وافية للاضطراب اذا صحّ ان الرئيسين ميشال سليمان وتمام سلام قررا في الاسبوعين الاولين منها توقيع مراسيم حكومة حيادية ترضي 14 آذار وتستبعد 8 آذار. اذ ذاك يخرج الخلاف على الحكومة من الورق الى اي مكان آخر

في كل لقاء يعقده رئيس الجمهورية ميشال سليمان مع زائر أو وفد يؤكد جدية سعيه الى تأليف حكومة جديدة في مدى قريب لا يتجاوز منتصف الشهر المقبل، فاتحة التحضير لانتخابات رئاسة الجمهورية. ورغم تنبّهه الى اخطار تأليف حكومة قد لا تحظى بموافقة قوى 8 آذار، يصر سليمان على المواصفات التي يرغب فيها، وكذلك الرئيس المكلف تمام سلام شريكه في التأليف: حيادية، مصغرة، تستعد للاستحقاق الرئاسي بشقيه انتخاب رئيس جديد او فراغ محتمل.

في مواقفه امام زواره هؤلاء، يتحدث الرئيس عن بضع قواعد تملي عليه خيار استعجال التأليف:

اولاها، «ما لم يتحرك الحجر في المياه» سيبقى المأزق الحكومي يراوح مكانه. من خلال حكومة حيادية يستخدم رئيس الجمهورية والرئيس المكلف صلاحياتهما الدستورية كاملة في التأليف ـــ وفي احسن الاحوال يعيدان الاعتبار الى تلك الصلاحيات للمرة الاولى منذ عام 2008 ـــ تتحرك مياه الازمة في أحد اتجاهين: التسليم بالحكومة الجديدة، او حمل الافرقاء جميعا الى طاولة التفاوض مجددا تحت وطأة خطورة الوضع وانهياره. يشمل التفاوض عندئذ الحكومة والرئاسة معا. ثانيها، لن يترك سليمان الرئاسة ويخلف وراءه حكومة الرئيس نجيب ميقاتي التي يجدها حكومة فريق واحد تستبعد الفريق الآخر. وقد لا تكون هذه حال الحكومة الحيادية. مع ذلك تحدّث سفراء دول غربية كبرى الى بعض معاوني رئيس الجمهورية في الايام الاخيرة، قبل تصاعد وتيرة استعجال التأليف، عن اولوية استقرار لبنان لدى حكوماتهم. قال بعضهم، النافذ، ان ما يعني الغرب والمجتمع الدولي هو استقرار لبنان باحد اربعة خيارات: انتخاب رئيس جديد للجمهورية او التمديد للرئيس الحالي، تأليف حكومة جديدة او الابقاء على حكومة ميقاتي. قال هؤلاء ايضا، في معرض تبديد اي التباس او سوء فهم وجهة نظرهم، انهم غير متمسكين سوى بالخيار الذي يضمن هذا الاستقرار ويحافظ عليه.

ثالثها، فقد رئيس الجمهورية الامل في تأليف حكومة 8 ـــ 8 ـــ 8 او حكومة 9 ـــ 9 ـــ 6 بسبب رفض الرئيس المكلف المعادلتين معا، وكذلك قوى 14 آذار التي تعارض توزير «حزب الله» تطابقا مع موقف السعودية في رفض توزيره. لم يعد المخرج سوى بحكومة محايدة تستبعد الطرفين. الا ان مغزاها يكمن في اقصاء «حزب الله» عنها رغما عنه، لاول مرة منذ عام 2005. ظل سليمان مقتنعا بامرار معادلة 9 – 9 – 6 الى ان اكد له سلام رفضه اياها وسعيه الى حكومة غير سياسية. وهو لن يتقدم من رئيس الجمهورية سوى باقتراح تشكيلة حكومة حيادية. كذلك لن يعتذر عن عدم التأليف.

رابعها، يتحدث رئيس الجمهورية باستمرار عن خشيته من تآكل المهل المتبقية امامه للتأليف قبل ولوج مجلس النواب المهلة الدستورية لانتخاب الرئيس الجديد للجمهورية في 25 آذار. قاده قلقه هذا الى ترجيح ابصارها النور منتصف هذا الشهر المقبل لابقاء المهل مفتوحة حتى 25 آذار على احتمال استقالتها، او اسقاطها، او تعذر مثولها امام البرلمان لنيل الثقة. يسارع سليمان على الاثر الى اجراء استشارات نيابية ملزمة جديدة توطئة لتسمية سلام او رئيس مكلف آخر، وفتح الباب على دورة اخرى من مفاوضات التأليف. في أسوأ الاحتمالات تمسي الحكومة، المولودة ميتة، حكومة تصريف اعمال للمرحلة التالية.

لا يقلل تشبث رئيس الجمهورية بتأليف الحكومة حتى منتصف كانون الثاني وطأة اعتراضات قد تجبهها حكومة حيادية من ثلاثة اطراف ارسلوا، مباشرة وبالواسطة، رسائل اليه تنبه مما قد يترتب على فرضها:

ـــ رفض رئيس المجلس نبيه برّي حكومة حيادية وتمسكه بحكومة سياسية، حمله على التأكيد انه لا يكتفي بمعارضتها في مجلس النواب، بل بعدم السماح بمثولها امامه لمناقشة البيان الوزاري ونيل الثقة. لاقاه في الموقف الامين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله برفض حكومة «امر واقع»، قبل ان يفضي في ما بعد اجتماع رئيس الجمهورية بالنائب محمد رعد الى نتيجة سلبية. اصغى رعد الى الرئيس يؤكد استعجاله تأليف الحكومة بعد الاعياد رغم معرفته بمعارضة الحزب هذا الاستعجال ومواصفاتها على السواء. سمع الموقف نفسه الوزير علي حسن خليل والحاج حسين الخليل من الرئيس المكلف جازماً بالتأليف بعد الاعياد كما يريده الرئيسان. خرجا من المقابلة وخلفا وراءها تحذيرا من خطورة الخطوة.

ـــ كرّر رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط تمسكه بحكومة 9 ـــ 9 ـــ 6 يتمثل فيها «حزب الله». لم يكتف بالتلويح بحجب الثقة عن حكومة حيادية، بل ايضا بسحب وزرائه منها. لاول مرة منذ تكليف سلام تأليف الحكومة، يفترق الزعيم الدرزي عن رئيس الجمهورية والرئيس المكلف بعدما جمعتهما على مرّ الاشهر التسعة المنصرمة مقاربة مشتركة. قال سليمان وسلام مرارا انهما لا يقدمان على تأليف حكومة لا يدعمها جنبلاط.

ـــ باتت المواجهة المعلنة بين سليمان وسلام وقوى 8 آذار، وبدا ان قوى 14 آذار في منأى عن هذا النزاع، بالتزامن مع ما اشاعه بعض افرقائها من ان رئيس الجمهورية اضحى اخيرا في عداد هذا الفريق او اوشك، وهو يتبنى الحكومة التي يطالب بها «تيار المستقبل» وحلفاؤه ويصر عليها الرئيس المكلف.

ـــ يواكب تأليف الحكومة الجديدة في كانون الثاني استحقاقان بالغا الاهمية، احدهما ثقيل الوطأة على «حزب الله» هو التئام المحكمة الدولية في اولى جلساتها العلنية، والآخر يشوبه غموض وجهته ونتائجه هو انعقاد مؤتمر جنيف ـــ 2 للبحث في الحرب السورية. ما يضع الحزب ـــ وهو يبصر نفسه وقد اخرج من الحكومة ـــ وجها لوجه امام وزر ثلاثة تحديات مهمة ومصيرية.

تبعا للمطلعين عن قرب على موقفه، يبدو رئيس الجمهورية حاسما وقاطعا في استعجال التأليف وتجاوز عراقيل الاشهر التسعة المنصرمة، وتجنب ختم ولايته بازمة فراغ حكومي يُسأل عنه مباشرة لوقوع التأليف في صلب صلاحياته الدستورية.

بيد ان الامر لا يقتصر على هذا الجانب، خصوصا عند تعذّر انتخاب رئيس جديد للجمهورية.

منتصف ليل 24 ايار المقبل يخرج الرئيس من معادلة الحكم والسلطة وموازين القوى الداخلية المؤثرة والفاعلة مع مغادرته قصر بعبدا. اذ ذاك ربّ قائل، بين حلفائه ومعارضيه، ماذا خلّف وراءه؟

السابق
دعم الدولة في مقابل الميليشيا؟
التالي
تحديات اعلان الضاحية