الجمهورية: قراءات متناقضة لخطاب سليمان وجلسة لمجلس الوزراء قيد الدرس

كتبت “الجمهورية ” تقول : تُظهر أيّ متابعة لمشهد المنطقة أنّها تتّجه إلى مزيد من الضبابية والتعقيد، فيما كان الأمل في أن يشكّل الاتفاق النووي مدخلاً للتبريد السياسي وحلحلة للملفّات الساخنة، من واشنطن التي قالت على لسان رئيسها باراك أوباما في أوّل موقف له بعد هذا الاتفاق إنّ “جميع الخيارات مع إيران هي على الطاولة”، وإنّ “تصرّفها المُخرِّب في المنطقة هو ضدّ المصلحة الأميركية والإقليمية”، إلى المملكة العربية السعودية التي تعتزم تحويل “مجلس التعاون الخليجي” اتّحاداً نتيجة “المتغيّرات الأمنية والسياسية والاقتصادية”، في خطوة تؤشّر إلى طبيعة المرحلة المقبلة وتحدّياتها، وصولاً إلى الأزمة السورية التي بات يصعب على “جنيف 2″، في حال إتمامه في موعده، الخروج بخريطة طريق تقود إلى مرحلة انتقالية فعلية في ظلّ الشرذمة داخل صفوف المعارضة وعجز النظام عن تغيير الوقائع الميدانية وإعادة تبييض صورته العربية والغربية، وانتهاءً في لبنان الذي تحوّلت الأولوية السياسية فيه رئاسية مع تزايد المخاوف من أن ينسحب التعطيل على مستوى الرئاستين الثانية والثالثة إلى فراغ على مستوى الرئاسة الأولى، فتدخل الدولة في حال من الشلل لم تعرفه في عزّ الحرب الأهلية، ناهيك عن الوضع الأمني المكشوف اقتتالاً في طرابلس وغلياناً مستتراً في سائر المناطق، وعودة الإغتيالات والتفجيرات…

وفي ظلّ العجز عن تأليف حكومة كاملة الأوصاف السياسية والدستورية، ودوران البلاد في انتظار مُمِلّ يهدّد بشلل عام في المؤسسات، يواظب رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان على إطلاق مواقف وتوجيه رسائل في اتجاهات عدة داخلية وخارجية، تُخرجه من “وسطيته” وتستدرج ردود فعل وتعليقات مباشرة وغير مباشرة تزيد من تعقيد الأزمة الداخلية وتهدّد بمزيد من الفراغ، خصوصاً إذا تعذّر إجراء الاستحقاق الرئاسي في موعده الدستوري.
ولاحظت مصادر سياسية مؤيّدة لسليمان أنّ خطابه أمس الأوّل في سراي بعبدا تميّز بالآتي:
“أوّلاً: دعوته الصريحة الى تطوير اتّفاق الطائف وتحديد جديد لصلاحيات رئيس الجمهورية، خصوصاً حين قال “إنّ أيّ رئيس مؤتمن على الدستور وعلى واجب المحافظة على استقلال لبنان ووحدته وسلامة أراضيه، يحتاج، بالإضافة الى إعلاء النبرة والصوت وسقف المطالب، إلى توفير مستلزمات النجاح لرؤيته السياسيّة، خصوصاً من خلال ضمان الأداة التنفيذيّة اللازمة، وتوضيح الصلاحيّات المنوطة برئيس الجمهوريّة، بالتماهي مع سلطة تنفيذيّة متجانسة وفاعلة، وسلطة تشريعيّة مراقبة وضابطة للإيقاعات.

ثانياً: للمرّة الأولى، يتحدّث رئيس جمهورية لبنان بعد اتّفاق الطائف عن “الهوية اللبنانية” بعد أن كان “الطائف” قد ذكر أنّ هوية لبنان هي هوية عربية، وقد أثار ذلك في حينه جدلاً داخليّاً، وهو قال: “إنّ صحوة الهويّات الدينيّة والمذهبيّة، المهيمنة راهناً، على حساب الهوية اللبنانيّة والعروبة والدولة الوطنيّة، هي وصفة جاهزة لحروب أهليّة دائمة”.

ثالثاً: تصميمه على تسمية الأشياء بأسمائها من خلال الحديث عن سلاح خارج الدولة، وقوله “إنّ أدهى ما كشفته المراحل السابقة، أنّ أيّ سلاح خارج منظومة الدولة ووحدة قرارها، يتحوّل جزءاً من أدوات النزاع على السلطة أو الهيمنة، أو قوّة احتياط، لتسعير النزاعات والحروب الأهليّة”.

رابعاً: وضع سليمان سقفاً سياسيّا بات على أيّ رئيس مقبل أن يلتزمه وبالثوابت التي عدّدها.

خامساً: حدّد ماهية “الرئيس القوي” من خلال تأكيده “أنّ الشعب يريد رئيساً قويّاً بقوّة الإرادة الوطنية الجامعة، وبقوّة الدستور، وبقوة حكمته وشجاعته وتجرّده”، ومن خلال تشديده على أنّ لبنان “لا يتحمّل الخيارات القصوى، على مستوى الرجال والعقائد والمؤسّسات”، وبهذه العبارة يكون أزال عدداً من المرشّحين قبل أن تبدأ المعركة الانتخابية.
واعتبرت المصادر “أنّ الخطاب هو تجديد لخطاب القسم، أو أنّه “خطاب قسم التجديد”، وأنّه في مجمله، بما تضمّن من طروحات سياسية ودستورية، بدا وكأنّه شروط سليمان للقبول بالتجديد في حال كان مطروحاً”.

وفي المقابل قالت مصادر معارضة لسليمان لـ”الجمهورية” إنّ “ما أعلنه رئيس الجمهورية يشكّل إدانة له، إذ كان في إمكانه أن يعمل بوحيه منذ بداية ولايته، وهو كان قادراً على ذلك من موقعه “التوافقي” الذي انتُخب على أساسه، فما الذي تبدّل في هذه العجالة حتى يعلنه الآن وقبل نحو 5 أشهر على انتهاء ولايته، وهو يدرك تماماً أنّ تنفيذ ما يطرحه يحتاج الى تعديلات دستورية طويلة عريضة لا يمكن تحقيقها بهذه السهولة”؟.
وأضافت هذه المصادر أنّ سليمان ليس في موقع يمكّنه تحديد شروط لكي يقبل بتمديد ولايته أو تجديدها، أوّلاً لأن لا أحد في الداخل أو الخارج قد فاتحَه بأمر التمديد، وأنّه عندما فاتحَ بعض العواصم الكبرى جاءت الردود غير مشجّعة، وثانياً لأنّ كلّ المعلومات والمعطيات تؤكّد انّ هذا التمديد غير مطروح لا الآن ولا لاحقاً، وأنّ مرجعيات وقيادات سياسية ودينية تعمل جدّياً في هذه المرحلة على تظهير صورة الرئيس العتيد ومواصفاته، وهناك مجموعة من المرشّحين الجدّيين يتمّ البحث في اختيار الأنسب منها للمرحلة، وسيبدأ العدّ العكسي لإنجازالاستحقاق الرئاسي في 25 آذار المقبل.

حرب
وفي هذا الإطار قال النائب بطرس حرب لـ”الجمهورية”: “من الطبيعي أن يتحوّل موضوع انتخابات الرئاسة قبل 25 أيار المقبل موضوعاً رئيساً في الجدال السياسي، وإنّ المواقف التي يعلنها رئيس الجمهورية هي المواقف التي تُشكّل المبادئ العامّة التي من المفترض بالرئيس أن يكون حامياً لها ومُتمسّكاً بها.
وأعتقد أنّ كلامه بأنّ الرئيس القوي ليس بقوة عضلاته ولا بقوة أصواته، بمقدار ما هو بأخلاقه ووطنيته وقدرته على فرض احترامه على جميع الأطراف، وليس بالفريق الذي أتى به ليضعه في مواجهة الأطراف الآخرين، هو ردّ مباشر وواضح على القائلين بأنّ الرئيس يكون قوياً بطائفته”.
وأضاف: “طبعاً إذا كان الرئيس مُؤيّداً لدى فريق ما فهذا جيّد، لكن يجب ان تكون المواقف التي يُعبّر عنها هي التي تجمع اللبنانيين، لا أن تفرّقهم وتضعهم في مواجهة بعضهم بعضاً.
يمكن أن يكون لدى مرشّح ما 10 نوّاب أو 20 أو 30 نائباً، فيما النواب الآخرون في مواجهة حادّة معه، وهذا لا يؤهّله الحكم ولا قيادة البلاد الى وحدة الموقف الوطني، أضِف الى انّ هناك المبادئ التي تقوم عليها الدولة والتزامه إعادة بنائها، والنزاع الحاصل هو انّه يريد أن يأخذ الجمهورية له من دون الأخذ في الاعتبار انّها لجميع الناس وليست لفريقه، وليس لكي يستقوي به على الآخرين”.
وهل نحن مقبلون على هذا الإستحقاق أم على فراغ أم على تمديد؟ أجاب حرب: “طموحنا هو انتخاب رئيس جديد للجمهورية وليس الوصول الى فراغ، لكنّ تحقيق ذلك لا يقوم على التمنّيات بمقدار ما يقوم على استعداد الاطراف السياسية، وبصرف النظر عن مصالحها الشخصية، للعمل في سبيل مصلحة الوطن وليس في سبيل مصلحتها الشخصية”.
وأضاف: “طبعاً المخاوف من حصول فراغ موجودة وكبيرة لأنّ الممارسة القائمة اليوم إذا ظلّت على حالها ستؤدّي إلى الفراغ والمرحلة تفرض على كلّ لبناني مسؤول محاولة تلمّس طريقٍ لتفادي هذا الفراغ والتعامل مع الإستحقاق المقبل بروح المسؤولية”.

ميقاتي إلى جوهانسبورغ
ومساء امس توجّه رئيس الحكومة المستقيلة نجيب ميقاتي الى جنوب افريقيا لتمثيل لبنان في مراسم دفن الرئيس الأسبق الراحل نيلسون مانديلا، ويلتقي على هامشها عدداً من رؤساء الوفود التي ستشارك في المناسبة.
وعلمت “الجمهورية” أنّ ميقاتي سيلتقي الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون وعدداً من المسؤولين الأوروبّيين، ولا سيّما منهم الفرنسيين والبريطانيين المشاركين في الجنازة.
ويُنتظر أن يتوجه ميقاتي بين 11 و13 الجاري الى مونتي كارلو للمشاركة في مؤتمر تنظّمه المؤسسة الفرنسية للعلاقات الدولية، حيث سيلقي كلمة الى جانب عدد من نظرائه المشاركين في هذا المؤتمر. وقد دُعي الى حضور المؤتمر نفسِه نائب رئيس حزب الكتائب سجعان قزّي.

برّي لـ”الجمهورية”
وفيما تتداول الأوساط كلاماً عن رغبة ميقاتي بعقد جلسة لمجلس الوزراء، قال رئيس مجلس النواب نبيه برّي لـ”الجمهورية”: “سألتقي الرئيس ميقاتي يوم الثلثاء المقبل (غداً) لنبحث بكلّ الملفات المطروحة، وسأسأله عن هذا الموضوع، ولا أريد أن أستبق هذا اللقاء”. لكنّ برّي استدرك قائلا: “إذا كانت هذه الجلسة الوزارية مخصّصة للملف النفطي فأنا أؤيّدها بشدّة، وإذا كانت مخصصة للوضع الامني فنريد أن نناقش هذا الوضع لكي نصل الى نتيجة تعزّز الاستقرار في البلاد، لا ان نخرج من الجلسة ونقول العكس”.
وردّاً على سؤال عن حكومة 9+9+6 التي يؤيّدها قال برّي: “إنّها لمصلحة فريق 14 آذار، وقد قلنا لهم ذلك لكنّهم لم يتجاوبوا. فمن كان لديه رئيس حكومة يتعاطف معه فهذا يكفيه ضماناً ليقبل المشاركة في الحكومة، فكيف اذا أضيف له الثلث الضامن والثلث زائداً واحداً؟” وعلّق برّي على كلام رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع من أنّه لا يكفي أن يدعو الى جلسة لمجلس النواب فقط، بل أن يحضر نوّابه هذه الجلسة أيضاً.
فقال: “هذا ما نفعله دائماً، ولكنّني أسأل الآخرين: أنا دعوت وأدعو الى جلسات نيابية، وهناك دعوة الى جلسة في 18 الجاري، فلماذا لا يحضرون؟ وهل يمكن لعاقل ان يقول إنّ البلاد لا تحتاج الى تشريع خصوصاً في هذه الظروف؟”وكرر برّي التأكيد انّه لن يتحدث في الإستحقاق الرئاسي قبل 25 آذار المقبل مشدّداً على وجوب إجراء إنتخابات الرئاسة في موعدها.

تعويم الحكومة؟
ولم تستبعد مصادر معنية ان يكون هناك توجّه لدى بعض المرجعيات والقوى السياسية الى تعويم الحكومة من خلال إعادة الحديث عن عقد جلسات مجلس الوزراء. وأشارت الى انّ جانباً من السعي الى التعويم الحكومي يكشف مدى التعقيد الذي بلغته المساعي لتأليف الحكومة الجديدة، وهذا التعقيد يتفاقم كلّما اقترب الاستحقاق الرئاسي، بعدما تبيّن انّه لا يمكن لحكومة تؤلّف ولا تنال ثقة نيابية أن تحلّ محلّ الحكومة الحاليّة المستقيلة لتصريف الاعمال، وكذلك لا يمكنها تحمّل مسؤوليات البلاد في حال لم تحصل انتخابات رئاسة الجمهورية في موعدها. إذ إنّ الحكومة المستقيلة وعلى رغم استقالتها ما تزال تتمتّع بثقة مجلس النوّاب، وهي التي تستطيع إدارة شؤون البلاد في حال حصول فراغ في سدّة الرئاسة الاولى.

أحمد كرامي
وقال وزير الدولة أحمد كرامي لـ”الجمهورية” إنّ “الدعوة الى انعقاد جلسة لمجلس الوزراء هي قيد الدرس لدى الرئيس نجيب ميقاتي، لكنّه لم يتّخذ بعد قراراً نهائياً حيالها”. وأشار الى “وجود بعض القضايا التي لم تعُد تتحمّل التأجيل”.
ولفت الى “أنّ حكومة تصريف الاعمال لا تكون لكلّ هذه المدّة الطويلة، لذلك نتمنّى ان تتألف الحكومة اليوم قبل الغد، غير أنّ هذا الأمر مستبعَد نظراً الى بقاء الخلاف السياسي على حاله، لكنّ الناس لم يعودوا يتحمّلون”.
ومن جهة أخرى أكّد كرامي “أنّ الوضع في طرابلس هادئ”، وقال: “نحن مع الجيش، وعليه فرض الأمن، ولا نيّة عند أحد بالوقوف ضدّه، لكن على القضاء التسريع في قضية تفجير المسجدين لأنّ من شأن ذلك إراحة أبناء المدينة”.

الجميّل في واشنطن
على صعيد آخر، غادر رئيس حزب الكتائب الرئيس أمين الجميّل الى واشنطن للمشاركة في ورشة عمل تنظمها مؤسسة “جيرمان مارشال فاند” الاميركية ومؤسسة “بيت المستقبل” اللبنانية بعنوان” “بعد العاصفة: الديموقراطية والنموّ في الشرق الأوسط الجديد”.
وسيُصار خلال المؤتمر الى اعلان الشراكة بين المؤسستين في ورشة عمل حول “الحوكمة الصالحة والإنماء الشامل في المنطقة العربية”. وعلمت”الجمهورية” أنّ الجميّل سيلتقي عدداً من المسؤولين الكبار في البيت الأبيض ومجلس الأمن القومي تحديداً ووزارة الخارجية والكونغرس الأميركي، بعدما أعِدّت له مواعيد في مؤسّسات رسمية أخرى.
وقالت المصادر إنّ الجميّل يحمل معه مقترحات تتّصل بضرورة تحييد لبنان عمّا يجري في المنطقة، والسعي الى تعزيز حياده عن نتائج ما يجري على رغم تورّط مكوّنات مختلفة منه في مسار المعارك، وتؤكّد على حقّ لبنان في الأمن والسلام والسيادة والاستقلال، وتشدّد على ضرورة إنقاذ الكيان اللبناني وسط المتغيّرات الجارية في المنطقة.

إعادة نظر بقرار تكليف الجيش
أمنيّاً، استمرّ الهدوء الحذر مسيطراً على المحاور التقليدية في طرابلس، ما سمح بإعادة فتح جميع الجامعات والمدارس أبوابها من اليوم، في حين ظلّت المخاوف من انتكاسة جديدة للوضع قائمة.
وقالت مصادر أمنية لـ”الجمهورية” إنّ اللغط الحاصل في المهمّات الأمنية التي أوكِلت الى الجيش اللبناني انتهى إلى وضع القوّة الأمنية، من قوى الأمن الداخلي التي أضيفت الى القوى الموجودة أصلاً في المدينة، وهي في حدود 600 ضابط وعسكري, بتصرّف وإمرة الجيش، بالإضافة الى القوى العملانية الأخرى الي شاركت في تنفيذ الخطة الأمنية، ومنها وحدة الأمن العام. وأمّا قيادة منطقة الشمال الإقليمية في قوى الأمن الداخلي فتبقى خارج نطاق الإمرة العسكرية للجيش.

السابق
الأخبار: طرابلس تستعدّ للجولة الـ 19
التالي
البلد: لبنان يستعد للعاصفة والحكومة على حالها