أَسقِطوا الخط الأحمر

لن تعرف طرابلس الهدوء والاستقرار قبل إسقاط الخط الأحمر المتمثّل بتوقيف علي ورفعت عيد أو إخراجهما من جبل محسن. ومن دون هذه الخطوة ستبقى كل الإجراءات الأخرى تحت السقف المطلوب، أي لن تتجاوز المسكنات والمهدئات واتفاقات الهدنة الهشّة التي تسقط عند أي تطور ميداني أو إقليمي.
وإسقاط هذا الخط الأحمر يتطلب قراراً سياسياً بالدرجة الأولى، لا التلطي خلف الجيش تعبيراً عن قصور سياسي وعجز عن مواجهة المشكلة الحقيقية. فالجيش سيحاول فرض الأمن بالقوة، ولكنه لن يتمكن من الحسم، لأنّ مدخل الحسم يبدأ من “الجبل” قبل الانتقال إلى التبّانة.
وبالتالي، كل ما سيقوم به أنه سيتعايَش مع الواقع الطرابلسي الذي أنتج لغاية اليوم 18 جولة مرشّحة للتزايد في ظل الاحتقان المذهبي واستمرار الأزمة السورية وغياب الحلول السياسية.
فالمسألة أبعد من سوء تنسيق أو غيابه بين الأجهزة الأمنية، ولن تحلّ الأزمة بمجرد تسليم القيادة إلى جهة محددة، لأنّ المشكلة ليست من طبيعة تقنية أو عسكرية، إنما سياسية بامتياز.
ويبدو أن السلطة العاجزة عن اتخاذ قرارات حاسمة، والساعية لوَقف الجولة 18 بأيّ ثمن، قررت الإعلان عن تسليم الجيش مقاليد القيادة، وكأنّ الجيش غير موجود في طرابلس، في خطوة الهدف منها إحداث نوع من صدمة شكلية لا أكثر ولا أقلّ في ظل غياب البدائل الجدية، علماً أنّ وضع الجيش في الواجهة وبهذا الشكل غير مفيد لهذا الجسم الذي يبقى الورقة الأخيرة والملاذ الأخير للبنانيين.
وفي معزل عن الخلفيات، إن وجدت، وراء تنصّل السلطة السياسية من مسؤولياتها ورَميها على المؤسسة العسكرية، فالمطروح اليوم تمديد المشكلة مجدداً بانتظار ما سيتمخّض عنه “جنيف – 2” أو الحلول المرسومة لسوريا بحدود منتصف العام المقبل، ما يعني أن المطلوب شراء الوقت، وعدم السماح بتدهور الأمور في الوقت الضائع، خصوصاً أن الجولة الأخيرة دَلّت على احتقان مذهبي كبير في ظل المخاوف من اتساعها وتمددها.
وطالما الشيء بالشيء يُذكر، نجح لبنان في العام 2007 في إسقاط الخط الأحمر الذي وضعه “حزب الله” والنظام السوري حول مخيم “نهر البارد”، وهذا الانجاز ما كان ممكناً لولا الغطاء الذي وفّره الرئيس سعد الحريري والضوء الأخضر لمنظمة التحرير الفلسطينية ووجود الرئيس فؤاد السنيورة على رأس الحكومة، ودولة الرئيس الياس المر في وزارة الدفاع، والرئيس ميشال سليمان في قيادة الجيش. وبالتالي، ما انطبق على البارد لن ينسحب على “جبل محسن”، لأنّ العماد جان قهوجي بحاجة لغطاء سياسي غير متوافر اليوم.
ومن المحزن أن يقف لبنان عاجزاً أمام إسقاط الخط الأحمر الجديد الذي وضعه الحزب والنظام، خصوصاً بعد تفجيرَي طرابلس، والأدلة الدامغة والثابتة التي أظهرت بالوقائع تورّط “الحزب العربي الديموقراطي”.
وستبقى طرابلس، ويا للأسف، المدينة التي تدفع ضريبة الدم عن كل لبنان واللبنانيين. كما أنّ سقوطها، لا سمح الله، يعني سقوط كلّ لبنان، لأنها تشكّل بصمودها اليوم تجسيداً لكرامة اللبنانيين وعنفوانهم، ودفاعاً عن آخر منطقة حرة في لبنان.

السابق
الجيش بين «الرغبة» و«الاستطاعة».. وبازار السياسة
التالي
ورشة تدريبية لحركة السلام الدائم حول تمكين الشباب