السفير: صفقة أعزاز أدوار .. وكبار ومقايضات

كتبت “السفير ” تقول: انتهت “صفقة أعزاز” بتحرر كل من ارتبطوا بخيوطها المعلنة، لكن في عالم الأمن والاستخبارات، تنتهي صفقة.. لتبدأ صفقة وربما صفقات من نوع آخر.
في قضية أعزاز، تداخلت مصالح دول ومجموعات، فلم تنجح الاعتصامات والضغوط والاتصالات وحدها، برغم فعاليتها، في فتح زنازين تبين أن نسخ مفاتيح أقفالها، موجودة في أكثر من بلد.
استعاد رهائن لبنانيون وأتراك وموقوفون سوريون حياتهم اليومية، وهم يروون لذويهم وأصدقائهم يوميات اسر حريتهم، بحلوها ومرّها، غير أن أمورا كثيرة ستبقى غامضة عند هؤلاء.. وكثيرين ممن تابعوا هذه القضية من ألفها الى يائها.
تنشر “السفير” بدءا من اليوم، وعلى حلقات متتالية، وقائع كثيرة متصلة بصفقة أعزاز، بعضها معلن وبعضها الآخر غير معلن، وعلى الأرجح، فان أمورا أخرى ستبقى طي الكتمان، تتعلق بأدوار دول وافراد وبعض الجهات اللبنانية، الى أن يحين أوان فتح كل أرشيف وأوراق هذه القضية السياسية ـ الأمنية التي بقيت مفتوحة طيلة سنة وخمسة اشهر.
اليوم، يمكن الاستنتاج أن فعل الخطف لم يكن بريئا، بل كان مخططا له. أما الهدف، فلا يمكن الجزم، ان كان يقتصر على المال أو السياسة أو الأمن.. أو الثلاثة معا.
ثمة جهات معنية بفعل الخطف وأخرى دخلت على الملف في مراحله اللاحقة أو خواتيمه. هوياتها كثيرة. سورية. لبنانية. قطرية. تركية. أميركية، وغيرها..
حتى أن أدوار بعض الجهات لم تكن ثابتة، بل متحركة ومتحولة، لعل أبرزها قطر التي كان لها دور في البداية، جاء متناقضا كليا مع نهاية قرّرت، هي، حروفها الأخيرة، لأسباب سياسية.
كما أن جهات لبنانية عدة دخلت على الملف، من خارج السياق المعلن، بعضها حاول الاستفادة من “الخيط السلفي” لمد خيوط مع الخاطفين و”اوليائهم” الاقليميين، فكان استثمار معين، صب بعضه في مصلحة المخطوفين وأحيانا الخاطفين، وكاد في بعض الأحيان، أن يعقد القضية ويعطل الصفقة، خاصة عندما أرسلت جهة سلفية لبنانية الى الخاطفين عبر الأتراك لائحة بموقوفين في روميه لضمهم الى الصفقة وفي مقدمهم الموقوف الأردني “عمر القطري”.
و”يسجل” لجهة لبنانية وازنة، أنها دفعت أموالا طائلة جدا للمخطوفين، ليس من أجل حريتهم بل لاحتفاظ الخاطفين بهم أطول فترة ممكنة، بخلاف أدوار ايجابية في الأيام الأولى لتوقيف الزوار، قامت بها شخصيات لبنانية أبرزها سعد الحريري الذي حاول استثمار هذه القضية الانسانية لفتح بعض الأبواب السياسية المقفلة داخليا، حتى أن بعض المحاضر تشي أن جهات استخبارية اقليمية تعهدت “بكف يد فلان.. وفلان (لبناني طبعا)”.
في كل الأحوال، يمكن القول إن عناصر عدة ساهمت في طي هذا الملف، لعل أبرزها خطف الطيارين التركيين على مسافة اشهر قليلة من الانتخابات التركية، وهو الأمر الذي جعل السلطات التركية تجزم بأن من خطط للخطف “ليس بريئا بل عقله سياسي وشيطاني بامتياز ويدرك تداعيات القضية على مستقبل رجب طيب أردوغان (رئيس الوزراء التركي) السياسي”.
كما أن قرار قطر بالاستدارة سياسيا على إيقاع الانفتاح الأميركي والغربي على طهران، حتم عليها أن تقدم أوراق اعتمادها للإيرانيين وحلفائهم في لبنان من خلال “فرصة أعزاز”.
أما العنصر الثالث، فهو المجريات الميدانية المتسارعة على أرض الشمال السوري، وخاصة في أعزاز. وهنا يسجل للقطريين والأتراك أنهم كانوا أكثر “رشاقة” من بندر بن سلطان، بنجاحهم في تهريب اللبنانيين التسعة الى معبر “باب السلامة” قبل وصول “داعش” اليهم بتعليمات سعودية.

لكن ماذا عن النتائج؟
يمكن القول أن كل من نجح في “صفقة أعزاز” له حصته في نزع فتيل توتر سني شيعي كبير، مثلما ساهم في تجنيب لبنان “انفجارا عنصريا” كان سيصيب اللاجئين السوريين، ولا يوفر بيئة المقاومة من نتائجه السلبية.
يقود ذلك للاستنتاج أن هذا الانجاز حمى المقاومة والأمن الوطني اللبناني، وفتح الأبواب أمام من يريد الاستثمار لاحقا في مجال رأب الصدع السني الشيعي، والتصدي لكل خطاب عنصري يصيب الأخوة السوريين في لبنان.
ولعل هذا الملف خير “دليل حي” على فرصة كبيرة فوّتها لبنان على نفسه، منذ اندلاع الأزمة السورية، فهل كان لزاما عليه أن “ينأى بنفسه” الى حد انخراط أبرز مكوناته في المعركة الجارية على سوريا.. وعلى أرضها، أم كان بمقدوره أن يلعب دورا مختلفا لمصلحة كل مكونات الشعب السوري وبالتالي استقرار سوريا ومعه استقرار لبنان والاقليم؟ وألا تدل حاجة النظام والمعارضة في محطات عدة الى “وسيط” في قضايا عدة مثل الأسرى لدى الجانبين، الى أن لبنان كان صاحب فرصة لم تتوفر عند آخرين من أهل الجوار السوري.
هذه الأسئلة أكثر من ملحة على عتبة مشاركة لبنان في “جنيف 2″، لا بل شراكة لبنان في إعادة صناعة السلم الأهلي السوري.
في المقابل، يصح القول أن سوريا أثبتت، ومن خلال تسهيلات معينة كان يمكن أن ترفضها أو تتخذ موقفا سلبيا منها، أنها وبرغم أزمتها الوطنية وجراحها الكثيرة، ما زالت لاعبا اساسيا في الملفات اللبنانية، بدليل شراكتها غير المباشرة مع قطر وتركيا.. وشراكتها المباشرة مع الرئاسة اللبنانية ممثلة بمدير عام الأمن العام، في انجاز هذا الملف برغم التناقضات الكثيرة القائمة بين كل هؤلاء “الشركاء” وغيرهم!
وفي الوقت نفسه، كان لافتا للانتباه أن النظام السوري، وضع خطوطا حمراء لم يتمكن أحد من تجاوزها، وخاصة الجانب الأميركي الذي اشترط أن تكون المعتقلة السورية طل الملوحي، في صلب اية صفقة تبادل، لكن الرئيس بشار الأسد رفض تقديم أي تنازل على قاعدة ان الملوحي موقوفة بجرم التجسس لمصلحة جهاز “السي آي ايه” منذ العام 2009.
وعلى الصعيد الاقليمي، يمكن القول أن هذه الصفقة ساهمت في فتح بعض الأبواب الاقليمية وأعادت بعض الحرارة الى العلاقة بين قطر ومكونات لبنانية، كما اسست لرأب صدوع اصابت العلاقات التركية ـــ اللبنانية عموما وعلاقات أنقرة بأطراف لبنانية محددة. ابعد من ذلك، يمكن القول أن هذا الملف يضع اساسا أوليا لاعادة صياغة محتملة للعلاقات بين سوريا وقطر وتركيا..
ويسجل لفلسطين أن اسمها كان صلة وصل ولعب أشخاص في “سلطتها” دورا ايجابيا يشكل دليلا اضافيا على استمرار حضور البعد القومي والوجداني الجامع للقضية الفلسطينية، في مطارح كثيرة، ومنها لبنان، بمعزل عن الاعتبارات المذهبية والفئوية الضيقة، بعكس محاولات البعض دمغ فلسطين وجمهورها في مخيمات لبنان بتهم كثيرة.
ولعل هذه التقاطعات والأبعاد والنتائج والاستنتاجات كلها، تشكل أرضية صالحة لانجاز ثان في ملف المطرانين المخطوفين يوحنا ابراهيم وبولس اليازجي، برغم المعطيات المتناقضة والمصير المجهول لأحدهما والمعروف لثانيهما.واذا كانت “الصفقة” قد فتحت “شهية” أطراف الأزمة السورية، على مقايضات انسانية جديدة، بدور لبناني وازن فيها، فان “نقطة التقاطع” التي صنعت انجاز أعزاز، ستثير “شهية” آخرين، من أصحاب المصالح، خاصة الدول التي تبحث عن مخطوفين وتدقق في لوائح “جهاديين” صدّرتهم الى سوريا وتخشى عودتهم اليها.. وهو ملف قررت القيادة السورية أن تقاربه بطريقة مغايرة للمألوف حتى الآن، بمعنى أنه صار له “كلمة سر” جملتها الأولى “اعادة فتح أبواب سفارات غربية في العاصمة السورية”

السابق
النهار: بري صار بدّها حكومة..
التالي
الديار: المفاوضات الإيرانيّة ــ الغربية الى 20 الحالي