زمن تغيير الدول يؤخّر حكومة سلام

ليس هناك أيّ تقدّم ملموس يُحرَز في اتجاه تأليف الحكومة، ويوماً بعد يوم تتأكّد استحالة هذا التأليف نتيجة تعثّر انعقاد مؤتمر «جنيف ـ 2» الذي ينبئ بأنّ سوريا مرشّحة لأن تشهد مزيداً من التصعيد بين النظام والمعارضة، حيث غايةُ كلّ منهما تحقيق إنجازات في الميدان يحملها رصيداً إلى «جنيف ـ 2» لجذبِ الفريق الآخر إلى جادة التنازل ليحقّق مكاسب في الحلّ السياسي المنشود.

وهذه الحال هي نفسها تسود في لبنان المنتظر على قارعة طريقِ تأليف الحكومة، إذ إنّ كلّ فريق لا يجد نفسه مضطرّاً إلى التنازل أمام الفريق الآخر، في زمن “تغيير الدول” الذي أطلقته التسوية الدولية الكبرى التي تجلّت لحظة إلغاء الضربة العسكرية الأميركية ضدّ سوريا.

فمنذ اللحظة الاولى لتكليف الرئيس تمّام سلام تأليفَ الحكومة الجديدة بادرَ فريق 14 آذار الى المناداة بحكومة حيادية أو “تكنوقراط”، فيما كان سلام يتحدّث عن “حكومة مصلحة وطنية”. وفي المقابل نادى فريق 8 آذار بـ”حكومة وحدة وطنية” او حكومة “شراكة وطنية”، بحيث تكون أحجام تمثيل القوى السياسية فيها بمقدار احجامها التمثيلية في مجلس النواب.

ثم تطوّرت الطروحات والاقتراحات وتناقضت أكثر على وقع الخلافات الداخلية تارةً، وعلى وقع التطوّرات الاقليمية طوراً، الى أن بلغ الامر بفريق 14 آذار بعد معركة القصير أن يضع “فيتو” علنيّ على مشاركة حزب الله في الحكومة، وتطوّر هذا الموقف اكثر الى حدّ اشتراط انسحاب الحزب من سوريا، مثلما هي الحال الآن لقبول مشاركته في الحكومة وكذلك في طاولة الحوار، في ضوء المبادرة التي أطلقها رئيس مجلس النواب نبيه بري في ذكرى تغييب الإمام الصدر في 31 آب الماضي، وما تلاها من تلميحات لرئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان حول استعداده للدعوة الى الحوار.

وقد ازداد ملفّ التأليف تعقيداً إثر الموقف الاعتراضي الذي عبّرت عنه المملكة العربية السعودية، بدءاً من أواخر أيلول الماضي إزاء السياسة الاميركية التي تبدّلت بعد الاتفاق مع الروس على تدمير ترسانة السلاح الكيماوي السوري، والانفتاح على ايران بغية الاتفاق معها على حلٍّ لملفّها النووي.

علماً أنّ جوّاً من التفاؤل كان ساد في اتجاه إمكان ولادة الحكومة إثر المواقف الانفتاحية التي عبّرت عنها إيران بشخص رئيسها الجديد الشيخ حسن روحاني إزاء الرياض التي ردّت عليها إيجاباً، خصوصاً مع الإعلان عن دعوة وجّهها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز الى روحاني لتأدية فريضة الحجّ في موسم الحج الأخير، والتي كان متوقّعاً لها أن تتحوّل حجّاً سياسيّاً من شأنه ان يفتح صفحة جديدة بين البلدين تنعكس إيجاباً على المنطقة عموماً، وعلى لبنان أقلّه خصوصاً.

لكنّ الاعتراض السعودي على السياسة الاميركية، والذي تأتّى من تجاهل واشنطن المملكة في كلّ ما حاكته من اتفاقات مع الروس حول سوريا والملف النووي الايراني، أعاد تجميع الدِيَم في سماء السياسة اللبنانية، ثمّ جاءت أحداث طرابلس لترفع من منسوب التشنّج الداخلي الى درجة انّ صيغة تشكيلة حكومة على قاعدة 9+9+6 التي تعطي الثلث المعطل لكلّ من فريقي 8 و14 لم تلقَ قبولاً لدى فريق 14 آذار، وهي صيغة كان فريق 8 آذار رفضها عندما حاول رئيس “جبهة النضال الوطني” النائب وليد جنبلاط تسويقها قبل أشهر، ولكنّه عاد وقبلها في الآونة الاخيرة، ولكنّ فريق 14 آذار رفضها، وعاد الى الحديث عن حكومة لا تضمّ سياسيين، أي حكومة حيادية.

وإذ حصل تعويل هنا وهناك على زيارة وزير الخارجية الاميركي جون كيري الاخيرة للرياض بأنّها قد تنهي الخلاف الاميركي ـ السعودي بما ينعكس بنحوٍ غير مباشر على لبنان ويدفع فريق 14 آذار الى القبول بحكومة 9+9+6.

فإنّ ما أعلنه كيري من الرياض من أنه “يجب عدم السماح لـ”حزب الله” بالتحكّم بمستقبل لبنان”، قد أعطِي تفسيرين متناقضين، الأوّل يقول بأنّ رئيس الديبلوماسية الاميركية دعا مداورةً فريق 14 آذار إلى مشاركة حزب الله في حكومة 9 + 9 + 6 أو غيرها حتى لا يستأثر بالبلد. أمّا التفسير الثاني فيقول إنّ كيري قد حرّض هذا الفريق ضدّ حزب الله والتصدّي له.

غالب الظنّ أنّ صيغة حكومة 9+9+6 ستكون نتاجَ أيّ تفاهمات أو اتفاقات داخلية أو إقليمية، وهي تسوية اللاغالب واللامغلوب لبنانياً، خصوصاً إذا كان هناك فعلا نيّات جدّية في إنجاز استحقاق انتخابات رئاسة الجمهورية في موعدها في أيّار المقبل.

ولكنّ التطوّرات الجارية تشير الى أنّ مرحلة الانتظار اللبنانية مستمرّة، ولا يمكن أحداً التكهّنُ بموعد انتهائها، ولهذا فإنّ الرئيس المكلّف كان ولا يزال معتصماً بالصبر وعدم الإعتذار، على أمل أن ينتهي الانتظار قبل حلول موعد ذلك الاستحقاق الرئاسي لئلّا تدخل البلاد في فراغ في موقع رئاسة الدولة.

علماً أنّ ثمّة من يعتقد أنّ الدول الخمسة زائداً واحداً إذا اتفقت وايران على حلّ لملفّها النووي فإنّ هذا الإتفاق سيفتح الباب امام انفراجات في العلاقات الاقليمية، وخصوصاً بين الرياض وطهران، حيث إنّ كثيرين بدأوا يعوّلون على “س. أ” منذ أن لاحت في الأفق إمكانية للتقارب بين البلدين.

السابق
عن لبنان الممزَّق وتعدُّد الولاءات!
التالي
فتح تواجه السلفية في الرشيدية