ثقافة قلب الطاولة

لا يا معالي الوزير، كبيرةٌ عليك أن تهوّل على الناس بقطع او بانقطاع الانترنت عنهم، لا لسبب إلا لأنكَ، كما معظم السياسيين اللبنانيين، تستفيق في الربع الساعة الاخير على واجبات يُفتَرض فيك وفيهم ان يقوموا بها في وقتها وربما قبل وقتها.

لا يا معالي الوزير، ما كان يجدر بك أن تقوم بما قمتَ به في الربع الساعة الأخير، لأنك تعرف، كما غيرك يعرف، ان الانترنت هو أوكسيجين الناس، ومن غير المسموح لا لك ولا لغيرك أن تقطع هذا الاوكسيجين عنهم.
تعرف، يا معالي الوزير أن آخر موعد لسداد المستحقات كان يوم أمس الأحد تحت طائلة إخراج لبنان نهائياً من كونسورتيوم الكابل البحري وخسارة الاستثمار اللبناني في هذا المشروع، فلماذا خاطرتَ؟ ولماذا غامرتَ في احتمال ان يخسر لبنان هذه المكتسبات؟ وما الحكمة من هذا التأخير؟ هل في اعتقادِك انه كان بالإمكان التهرُّب من الدفع؟ وإذا لم يكن الامر كذلك فما هي الذريعة المُبدِعة التي كنت تُخبئها لعدم الدفع؟ بالله عليكَ أَتحِف الناس بإبداعاتك؟

هل كان من الضروري ان تستنفر الدولة كلها لأن وزير الاتصالات قرَّر ان يلعب على حافة الهاوية على صعيد الانترنت؟ أليس من المضحك المبكي أن يُقال إن رئيس الجمهورية تشاور مع كل من رئيس حكومة تصريف الاعمال ووزير الاتصالات في موضوع وجوب تسديد لبنان المستحقات المتوجبة على لبنان لإدارة الكونسورتيوم المالك للكابل الدولي الذي يؤمن خدمة الانترنت الدولي كي يستمر العمل بواسطة هذا الكابل؟ اليس هذا الإجراء هو من صلب تصريف الأعمال الذي يُفتَرَض بالوزير أن يقوم به؟
وضروريٌّ ان يأخذ رئيس الحكومة الأمور على عاتقه ويتعهَّد بدفع المبلغ شخصيًا لتحاشي عدم انقطاع الانترنت؟

هذا الأداء يؤشّر إلى سلوكٍ خطير وهو ثقافة ربع الساعة الأخير، وهذه الثقافة ليست مرتبطة فقط بتأجيل دفع مستحقات الانترنت بل بكثير من الاستحقاقات:
ما هو الشيء الذي أُنجز في هذا البلد قبل ربع الساعة الاخير؟
أين قانون الانتخابات النيابية؟ اليس متروكًا لربع الساعة الاخير؟
أين الموازنة العامة للعام 2014، اليست متروكة إلى الربع الساعة الاخير؟
أين التعيينات والتشكيلات في الإدارات العامة؟ هل يُعقَل ان تبقى بدورها إلى الربع الساعة الاخير؟

ليس بهذه الثقافة يُمكن بناء بلدٍ، وليس بهذه الثقافة يمكن الرهان على مستقبل واعد للشباب.
إن حادثة إحتمال توقف خدمة الانترنت أيقظ لدى الشباب اللبناني والجيل الجديد هاجس ان تتسبَّب الدولة بكارثةٍ لأبنائها، وليس هذا فقط بل إن توقُّف الكثير من خدمات الدولة في حقّ شعبها سيؤدي بهم إلى الانتفاضة عليها، فما من شيء ينفع مع هذه الدولة سوى سياسة قلب الطاولة في مواجهة سياسة ربع الساعة الاخير.

السابق
حماس ومحور المقاومة
التالي
لندن لا تنتظر نتنياهو