الشروط لمشاركة لبنان في جنيف 2؟

صدرت مجموعة مواقف رسمية وغير رسمية، أخيراً، مؤيّدة للمشاركة في مؤتمر «جنيف 2» في حال دعي لبنان إليه، ولكن من دون أن تقدّم تبريراً او تفسيراً لسبل التوفيق بين المشاركة في هذا المؤتمر، وبين التزام سياسة النأي بالنفس.

الشعار الذي اتخذته الحكومة الميقاتية لسياستها الخارجية تحت عنوان النأي بالنفس كان موفّقاً لو نجحت في تطبيقه وترجمته على أرض الواقع، إلا انّ “حزب الله” حوّله إلى عنوان من دون مضمون، لأن علّة وجود الحزب تتناقض مع هذا العنوان انطلاقاً من رؤيته التي لا تحدها حدود الدول والكيانات، حيث يرى كل الساحات مجالاً لعَمله في سياق مشروعه الإقليمي الذي يتعارض كلياً مع مبدأ التحييد، وذلك من إبقاء لبنان رأس حربة في المواجهة مع إسرائيل، إلى القتال في سوريا في سابقة لا مثيل لها لبنانياً، وما بينهما تنفيذ عمليات أمنية في دول عربية وأوروبية.

فمَن أسقط سياسة النأي بالنفس للحكومة الميقاتية هو “حزب الله” عبر قتاله في سوريا، كما بجعله الموقف الرسمي اللبناني من خلال وزير الخارجية متطابقاً مع سياسة النظام السوري ومتعارضاً مع السياسة العربية والدولية، الأمر الذي أضرّ بصورة لبنان ودوره، وأدى الى مزيد من الخلل والانقسام الداخليين.

فالانقسام اللبناني حال ويحول دون تأدية لبنان أيّ دور خارجي، وخلاف ذلك سيكون أيّ دور لمصلحة أحد طرفي النزاع 8 أو 14 آذار، إلا في حال الحياد الذي من دون تطبيقه سيبقى لبنان غير مستقر وساحة للقوى الخارجية التي لا يمكن وقف تدخلاتها في الشؤون اللبنانية إلا من خلال تطبيق سياسة الحياد.

ومن هنا تكمن مصلحة لبنان في عدم المشاركة في “جنيف 2” إلّا وفق الشروط الآتية:

أولاً، إدراج قضية اللاجئين السوريين في صلب المؤتمر، أي بجعلها بنداً أساسياً، لا ثانوياً، وذلك وفق خطة عملية تعمل على حسن توزيعهم والعناية بهم، واستطراداً عدم ترك لبنان يتخبّط وحيداً في معالجة هذا الملف الذي أصبح أكبر من طاقته وقدراته. وفي حال عدم إدراج هذا البند وبهذا الوضوح، فلا لزوم لمشاركة لبنان.

ثانياً، تمثيل لبنان بوفد يمثّل جميع اللبنانيين لا فئة منهم، وذلك عبر استبعاد مشاركة وزير الخارجية وجَعل كل ما يتصِل بالمؤتمر من مسؤولية رئيس الجمهورية، خصوصاً أنّ كل التجارب مع عدنان منصور غير مشجعة كونه جسّد بمواقفه في المؤتمرات العربية والدولية موقف النظام السوري لا الحكومة اللبنانية إلى درجة أنه نشأ داخل هذه الحكومة ازدواجية ديبلوماسية.

ثالثاً، حَصر لبنان مداخلته بما يتصِل بقضية اللاجئين من دون التطرق إلى المسألة السياسية المتصِلة بالأزمة السورية، لأنّ أي مداخلة دعماً للنظام أو ضده تشكّل خروجاً عن سياسة النأي بالنفس وتنعكس سلباً على الواقع اللبناني.

وإذا كان يفترض بلبنان عدم تغييب نفسه عن أي مؤتمر دولي يُعنى بشؤون المنطقة خشية من إتمام صفقة على حساب سيادته واستقلاله، إلا أنّ الأولوية تبقى في إبعاد كلّ ما من شأنه أن يرفع منسوب التوتر والاحتقان الداخليين عبر تغليب وجهة نظر على أخرى، الأمر الذي ينطبق تحديداً على الحماس الزائد للمشاركة في “جنيف 2″، هذه المشاركة التي تؤشر الى وجود توجّه لتشكيل جبهة للدفاع عن النظام السوري.

ومن هنا أهمية تفويت الفرصة على مَن يريد استخدام لبنان ووضعه في مواجهة واشنطن وباريس والرياض، وبما أنّ الحكومة مستقيلة فإنّ ذلك لا يجعلها في وَضع يخوّلها تمثيل لبنان في مؤتمر بهذا الحجم، إضافة الى أن لا مصلحة لرئيس الجمهورية بأن يطلّ لبنان في نهاية ولايته بإطلالة فئوية.

فمعيار مشاركة لبنان في أيّ مؤتمر هو في تجنيبه المزيد من التشرذم والانقسامات وفتح الملفات السجالية الساخنة، وبالتالي فإنّ التحدي الأساس أمام الرئيس سليمان يكمن في كيفية إدارة هذا الملف الذي من الواضح انّ “حزب الله” يريده كمنصّة للدفاع عن حليفه السوري.

السابق
وكالة الامن القومي الاميركية تنفي معرفة اوباما بالتنصت على ميركل
التالي
فنيش: للعودة إلى منطق الدولة وبناء المؤسسات