تعديلات «حزب الله» الدستورية…الثلاثة

لم يصدر عن “حزب الله” منذ لحظة انكشافه الإقليمي بعد الخروج السوري من لبنان ودخوله في مواجهة مباشرة مع شريحة واسعة من اللبنانيين أيّ موقف علنيّ مطالب بتغيير اتفاق الطائف أو تعديله، وكلّ ما صدر عنه لا يتجاوز التمسّك بسلاحه الذي تحوّل إلى عنوان المواجهة الأساسي، نظراً للأخطار التي يجرّها على البلد ومصادرته لقرار الدولة، إلّا أنّ الإشارة الأولى التي أعطاها باتجاه الإمساك بقرار السلطة التنفيذية تمثّلت في اتفاق الدوحة الذي منحه الثلث المعطّل في أولى حكومات ما بعد هذا الاتفاق.

وقد كشفت تطوّرات السنوات الأخيرة التي أدرك فيها “حزب الله” مدى أهمّية مدّ نفوذه داخل مؤسّسات الدولة سعيَه إلى ترسيخ أعراف جديدة ضامنة لمشروعه الإقليمي بانتظار أن يتمكّن من إدخالها في صلب الدستور مع انعقاد المؤتمر التأسيسي الذي يتطلع إليه.وقد دلّت الممارسة، بالنسبة إلى الحزب، إلى وجود ثلاث ثغرات يقتضي إقفالها: حكومية، برلمانية وأمنية.

أوّلاً، على المستوى الحكومي: لا عودة عن الثلث المعطّل الذي يحوّل الطائفة الشيعية إلى شريك أساسي في السلطة التنفيذية، حيث انتقلت المشاركة وفق هذا المبدأ من مفهوم الشراكة الطائفية إلى الشراكة المذهبية، وهذه الشراكة لا يريدها أن تستقرّ على الجانب التعطيلي الذي يضطرّ للّجوء إليه لإسقاط الحكومة أو تعطيلها أو منع تمرير القرارات والقوانين التي يعترض عليها، إنّما يريد أن يكون أيضاً شريكاً لرئيس الحكومة من بوّابة وزارة المالية التي تمنحه القدرة على وقف أو تجميد أو تمرير أيّ معاملة حكومية.

ثانياً، على المستوى البرلماني: النقاش الدستوري الذي نشأ على خلفية التشريع أو عدمه في ظلّ حكومة مستقيلة بين الثنائية الحزبية الشيعية التي تقول بجوازه و14 آذار القائلة بعدمه، يؤشّر إلى وجود توجّه يرمي إلى جعل وجود الحكومة أو غيابها غير مؤثّر وطنياً في ظلّ قدرة المجلس على التشريع وتسيير شؤون البلد من دونها، الأمر الذي يضرب مبدأ الفصل بين السلطات وتعاونها، ويجعل مؤسّسة مجلس الوزراء هامشية وتحصيل حاصل.

ثالثاً، على المستوى الأمني: إستخدام “حزب الله” لسلاحه في أحداث 7 أيّار 2008 أساء كثيراً إلى الصورة التي لطالما حاول إعطاءَها لنفسه، الأمر الذي دفعه إلى التفكير في كيفية التصدّي للحالات الأمنية التي يعتبرها تشكّل مصدر إزعاج له من دون التورّط بشكل مباشر في مواجهتها، خصوصاً أنّه يحرص على تجنّب الاصطدام المذهبي، وبالتالي وجد أنّ الوسيلة الفضلى لهذه الغاية تتمثّل باستخدام الدولة تحقيقاً لأهدافه، ما جعله يسعى جدّياً لتطوير هذه الوضعية وتعزيزها ومأسَستها بغية أن تشكّل الغطاء المطلوب للعصا الغليظة التي يريد استخدامها في مواجهة هذه الجهة أو تلك.

تأسيساً على ما تقدّم، من الواضح أنّ “حزب الله” انتقل من فكرة الهيمنة على البلد بسلاحه أو فرض وصاية على طريقة الوصاية السورية، إلى حكم البلد بواسطة مؤسّساته، والنتيجة واحدة مع فارق أنّ التلطّي بالمؤسّسات يكسبه شرعية ومشروعية، خصوصاً أنّ الأحداث في المنطقة، وتحديداً الثورة السورية، أظهرت له أنّ العودة بلبنان إلى ما قبل العام 2005 من سابع المستحيلات، وبالتالي وجد أنّ الوسيلة الأنجع تكون بالتحكّم بالدولة من داخلها لا خارجها، ولذلك لن يتوانى عن مواصلة مشروعه المثلّث الأضلاع: حكوميّاً عبر الثلث المعطل، وبرلمانيّاً عبر إطلاق يده بالتشريع، وأمنيّاً عبر تحويل أجهزة الدولة إلى أذرعته.

هذا من جهة “حزب الله”، ولكن ماذا عن 14 آذار، وكيف تواجه محاولات سيطرة الحزب على لبنان؟

السابق
وداعاً .. محمد دكروب
التالي
قتيل و11 جريحا في اشتباكات طرابلس ليلا