الجمهورية: لبنان في ثلاجة الإنتظار

كتبت “الجمهورية ” تقول: لم يحجب الخلاف الأميركي ـ السعودي الذي شغل العالم، والتباين الأميركي ـ الإسرائيلي حول الملف النووي الإيراني، الاهتمام عن الأحداث المتسارعة على الساحة السورية، والمترافقة مع حراك ديبلوماسي دوليّ في إطار الضغط على المعارضة للمشاركة في مؤتمر جنيف 2. ففيما زار الوسيط الأممي – العربي للسلام الأخضر الإبراهيمي تركيا، اجتمع السفير الأميركي السابق لدى سوريا روبرت فورد في اسطنبول بقادة المعارضة لإقناعهم بحضور المؤتمر، في وقت أرجأ الائتلاف الوطني السوري المعارض مجدّداً اجتماعه المقرّر الأسبوع المقبل، وأعلنت واشنطن أنّها تعيد جزءاً من سفنها القتالية المنتشرة قرب السواحل السورية إلى قواعدها الأصلية.
في غمرة الحراك الدولي، يبقى لبنان في ثلّاجة الانتظار مُجدِّداً النأي بالنفس عن الأحداث الجارية في محيطه. وعلمت “الجمهورية” أنّ الأخضر الإبراهيمي سيزور بيروت بعد عودة رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان من النمسا التي يتوجّه اليها الأحد المقبل ملبّياً دعوة رسمية تستمرّ يومين، وبالتالي فإنّ الإبراهيمي الذي يواصل جولته الطويلة في المنطقة لن يتسنّى له الوقت لزيارة بيروت في الساعات الأربع والعشرين المقبلة، خصوصاً إذا قرّر التوجّه الى دمشق التي ستكون محادثاته فيها طويلة.
وأكّد مصدر ديبلوماسي لبناني رفيع لـ”الجمهورية” أنّ لبنان إذا تلقّى دعوة من الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون لحضور جنيف 2 فإنّه سيدرسها لناحية تحديد مستوى المشاركة على قاعدة انّه إذا كان قد قرّر تحييد نفسه عن التداعيات السلبية فهذا لا يعني انّه غير معنيّ بالواقع السوري والحلول الممكنة للأزمة السورية، خصوصاً أنّ الموقف اللبناني الرسمي يدعو الى حلّ سياسيّ يعيد الى سوريا استقرارها ويحفظ وحدتها وحقوق جميع مكوّنات شعبها.

وأوضح المصدر أنّ لبنان لن يشارك طرفاً في التفاوض، لكن سيحضر كمعنيّ فقط، ولن تكون هناك ورقة لبنانية عند المشاركة، مذكّراً بأنّ لبنان ذهب الى مؤتمر مدريد للسلام لكي يواكب مشروع الحلّ السلمي، لأنه معنيّ به وبانعكاساته على ساحته، وهو الآن سيلعب الدور نفسه.
وقال أن “لا خلاف بين مكوّنات الحكومة على المشاركة في جنيف ـ 2، لكن هناك مقاربات داخلية غير معارضة تتأنّى في اتّخاذ القرار، وفي النهاية فإنّ الحكومة هي مَن يقرّر هذا الأمر وبالمنطق”.
وكان رئيس حكومة تصريف الإعمال نجيب ميقاتي أعلن من بعبدا أمس انّ أيّ مؤتمر دولي ينعقد للبحث في مصير سوريا، سيتحمّل لبنان بالدرجة الاولى تداعياته وتأثيراته المباشرة. وأكّد انّه “عندما تصلنا الدعوة الى مؤتمر جنيف 2 سنبحث فيها، ولا أستبعد أبداً أن يكون لبنان ممثّلاً وحاضراً فيه”.

سليمان

وفي غمرة هذا المشهد سُجّل موقفان لكلّ من سليمان ورئيس مجلس النواب نبيه برّي، فيما يترقّب الجميع المواقف التي سيعلنها الأمين العام لـ”حزب الله” السيّد حسن نصرالله بعد ظهر الإثنين المقبل، خلال احتفال “مؤسّسة الشهيد”.
فقد دعا سليمان خلال افتتاح “جادة الرئيس العماد ميشال سليمان” و”القصر البلدي الجديد” في الحازمية، الجميع الى تسهيل تأليف الحكومة، وشدّد على ضرورة معاودة الحوار انطلاقاً من المقرّرات السابقة التي اتّخذت فيه و”إعلان بعبدا” بدرجة أولى.
وقال: “سعدت جداً لسماعي كلاماً منسوباً إلى رئيس مجلس النواب لجهة إقرار القانون الانتخابي وتقصير الولاية. طبعاً يجب تقصير الولاية، وما حصل لجهة التمديد وتعطيل إنعقاد المجلس الدستوري كان خطأً كبيراً في حقّ الديموقراطية ودولة القانون والدستور في لبنان”.
وشدّد على عدم جواز مقاطعة مجلس النوّاب، “لأنّ المقاطعة ليست عملاً ديموقراطيا، بل إنّها مع تعطيل النصاب عمل قانونيّ، ولكن الديموقراطية تنصّ على الالتقاء والتصويت وليس على المقاطعة.
فليسمحوا لي، ولا يقول لنا أحد إنّ المقاطعة عمل ديموقراطيّ، وتعطيل النصاب ايضاً، لأنّه عمل يأتي بفعل القوّة القاهرة، أي مرض اجتاح البلاد، أو كارثة طبيعية، أو احتلال… ولكن يتمّ تحديد جلسات متتالية في اليوم نفسه ويبقى النصاب متعذّراً.
لا يجب وضع المقاطعة نصب أعيننا، فيتمّ تعطيل انتخاب الرئيس او الجلسات النيابية او انعقاد المجلس الدستوري، كلّا، هذا عمل غير ديموقراطي، وهذه الفكرة مستعدّ للمناقشة فيها”. وشدّد على دعم الجيش “وهذا يعني ضرورة إقرار الاستراتيجية الدفاعية”، ودعا إلى متابعة “مسيرة التنقيب عن الغاز، وهي مسيرة تدار جيّداً باعتراف جميع العاملين في هذا القطاع ولكنّها تتطلب التروّي”.
إلى ذلك، قالت مصادر شاركت في ترتيبات زيارة سليمان للنمسا، لـ”الجمهورية” إنّه سيسعى الى زيادة الدعم الدولي للبنان بعد مؤتمر “المجموعة الدولية من أجل لبنان” الأخير في نيويورك، بغية معالجة الآثار المترتّبة عليه نتيجة الأزمة السورية. وسيرافق سليمان وفد رسميّ وعدد من الإقتصاديّين والمستشارين الذين شاركوا في ترتيبات مؤتمر نيويورك.

مواقف برّي
من جهته، أشار بري في إحتفال أقامته نقابة المحامين تكريماً له ولعدد من المحامين الى أن “لا جديد في السياسة، عملة لها وجهان: وجه عنوانه لا حوار، وآخر عنوانه التعطيل”. وقال: “تركيا تكشف لإيران عن جواسيس اسرائيليين، وتتكلّمان بعضهما مع بعض.
اميركا تتجسّس على بلجيكا وشركاتها، وتتكلّمان بعضهما مع بعض. وتتجسّس على فرنسا، “بتطلع طبيعتهم شوي” ويتكلّمون مع بعضهم البعض. اميركا تتجسّس على المانيا، حتى على المستشارة الالمانية وعلى منزلها، ويتكلّمون مع بعضهم. روسيا وأميركا تجتمعان في إيران وبدأ كلام الصباح مباح.
الغرب يستدين من الصين، اميركا في ذكرى مثل هذه الايام تحاصر كوبا الشيوعية اقتصادياً منذ الثورة، والصين الشيوعية تساعد اميركا اقتصادياً، ويتكلمون بعضهم مع بعض. وفي لبنان نتبختر بأثوابنا الكبرى المذهبية والطائفية والنار تشعّ وتعسعس في اطرافها. ولا نرى ما يدور في البعيد ولا القريب، ونحن لا نلتقى فقط إلّا على عدم التلاقي. ما اعظم هذا البلاء”.
وأضاف: “وإلى المشهد العربي، فإنّ شلّال الدم النازف سيبقى هو الطاغي، وسيبقى العصف المتفجّر والحروب الصغيرة مستمرّة لتبديد قوة العرب وتفكيك نظامهم القطري، على امل ان ينعقد جنيف 2 في الثلث الاخير من الشهر المقبل ويفتح الطريق للحلّ السياسي في سوريا ويحقّق استقرارها، ويبقى لنا ان نصنع سلامنا الحقيقي لجعل بلدنا أنموذجا للوحدة، وإقامة النظام لكي يرجع لبنان يشعّ على كلّ المنطقة”.

الاتّحاد الأوروبّي
وكان الاتحاد الاوروبي دعا مجلس النواب الى معاودة جلساته وفق جدول أعماله، وذكر في بيان انّه خصّ لبنان بعدد من البنود في القرارات التي أصدرها بعد اجتماعه الأخير، فـ”دعا مجلس النواب اللبناني الى إقرار قانون الإنتخابات في أسرع وقت ممكن”، لافتاً الى انّ هذه الدعوة “جاءت متوافقة مع ما شدّد ويشدّد عليه الرئيس نبيه بري مراراً، ومع طلبه من لجنة الإدارة والعدل في الجلسة الأخيرة للمجلس الإنكباب على درس قانون الإنتخابات بغية إقراره في أقرب مهلة ممكنة”.

الاجتماع الأمنيّ
وفي هذه الأجواء، انشغل الداخل اللبناني بالأحداث الأمنية المتنقلة من طرابلس الى البقاع، الذي أفيد منه ليلاً عن انتشار كثيف للجيش اللبناني في بلدة بر الياس، تمهيداً لدخول مجدل عنجر.
وعلى وقع التوتّر المستمر والظهور العلني المسلّح في طرابلس التي شهدت جولة جديدة من الاشتباكات بين باب التبّانة وجبل محسن، انعقد اجتماع أمنيّ في بعبدا برئاسة سليمان، ودعا ميقاتي بعده الجميع الى “التعاون مع الأجهزة الامنية”، معلناً أنّ “الوضع الحالي في مدينة طرابلس لا يجوز ان يستمر، ويجب وضع حد للاستهتار الأمني الحاصل في المدينة”.
وقال: “هناك سلسلة من الإجراءات ستُتّخذ بكلّ جدّية، خصوصاً أنّ المواطن الطرابلسي يبقى رهانه على الدولة ولا رهان آخر عنده، ويجب أن نُشعره بأنّ رهانه صحيح وأنّ الدولة الى جانبه”.
وقد أدّت الاشتباكات أمس الى مقتل المسؤول العسكري في “الحزب العربي الديموقراطي” بسام عبد الله في جبل محسن وجرح عدد من الأشخاص، ما رفع حصيلة عدد الضحايا منذ بدء الاشتباكات الى 4 قتلى وأكثر من 36 جريحاً.
وفيما حذّر الامين العام لـ”الحزب العربي الديموقراطي” رفعت عيد من انّ معارك طرابلس ستمتدّ الى كل لبنان، مُتهماً تيار “المستقبل” بإشعال الوضع داخليّاً، طالب الشيخ سالم الرافعي بعد اجتماع في مكتبه لـ”قادة المحاور” والمشايخ، بحلّ الحزب العربي الديموقراطي، محذّراً من أنّ “ما قبل تفجيري مسجدي التقوى والسلام ليس كما بعدهما”.

إجتماع قضائي موسّع
واستكمالاً للإجتماع الأمني في بعبدا، دعا ميقاتي الى اجتماع قضائي موسّع يضم، الى وزير العدل شكيب قرطباوي، النائب العام التمييزي والمدّعين العامين والنيابات العامة في المناطق، لإستكمال البحث في الأوضاع القضائية وسُبل مواكبة الترتيبات الأمنية المُعدّة لطرابلس قضائياً، ليكون العمل متكاملاً على مختلف المستويات.
وقالت مراجع امنية شاركت في إجتماع بعبدا لـ”الجمهورية” إنّ ما تقرّر من خطوات وإجراءات سيبقى طيّ الكتمان، على الأقلّ في المرحلة التحضيرية للخطوات اللاحقة التي سيتلمّسها الطرابلسيون بدءاً من نهاية الأسبوع الجاري.
وأضافت: “لن تكون هناك مفاجآت، فهناك بعض الخطوات التي ستعزّز من الإجراءات الأمنية المُتخذة في المدينة بمزيد من التصلب والتشدّد لمنع الظهور المسلح وضبط الأوضاع في المناطق الحسّاسة والساخنة التي تشكّل في كلّ مرّة سبباً لتوسّع الإشتباكات في المدينة”.
ولفتت الى أنّ الإشتباكات التي شهدتها المدينة منذ الأحد الماضي قد أفضت حتى مساء أمس الى مقتل اربعة مواطنين وجرح أكثر من 39 جريحاً آخرين بمن فيهم الجرحى العسكريّون الأربعة.

الملف الحكومي
وعلى رغم غياب أيّ معطى رسميّ عن التأليف الحكومي، ظلّت المواقف المتصلة بهذا الاستحقاق حاضرة في المواقف والاتّهامات المتبادلة بالتعطيل. وأعلن نائب الأمين العام لـ”حزب الله” الشيخ نعيم قاسم أنّ “هناك دولة عربية خليجية أمرت فريق 14 آذار بتجميد تأليف الحكومة، في انتظار التطوّرات في سوريا، لأنّ هذه الدولة تأمل أن تقلب المعادلة إلى مصلحته خلال شهرين أو ثلاثة شهور، وعندها يستطيع التحكّم بتأليف حكومة تناسبه في لبنان”.
وقال: “إذا كان هذا هو الحساب، فلا الشهران ولا خمسة أشهر ولا غيرها من الأشهر، لأنّ هؤلاء يحلمون، مؤكّداً أنّهم سيبقون البلد بلا حكومة إلى الانتخابات الرئاسية”.

“14 آذار” والحريري
إلى ذلك، علمت “الجمهورية” أنّ منسّق الأمانة العامة في قوى 14 آذار النائب السابق الدكتور فارس سعيد وعضو الأمانة النائب السابق سمير فرنجية سيتوجّهان الى باريس غداً للقاء رئيس تيّار “المستقبل” سعد الحريري للاطمئنان الى صحّته بعد الجراحة التي خضع لها. وستكون مناسبة للبحث في آخر الأوضاع والتطوّرات من كلّ جوانبها.
وعلى صعيد قضية المطرانين المخطوفين بولس يازجي ويوحنا ابراهيم، علمت “الجمهورية” أنّ المدير العام للأمن العام اللواء عبّاس ابراهيم توجّه أمس إلى الدوحة للبحث في صيغة تؤدّي الى إطلاقهما، وهو التقى المسؤولين القطريّين الكبار والمعنيين بالشؤون الأمنية، ومن بينهم نظيره القطري، بعدما نمت بينهما علاقات صداقة عميقة بدأت قبل أن يشرفا معاً على الترتيبات الخاصة بالإفراج عن مخطوفي إعزاز اللبنانيين التسعة.

السابق
الأخبار: الجيش يشتبك مع خلية ارهابية في حوش الحريمة
التالي
البناء: طرابلس تدفع ثمن رهانات البعض على حصول متغيّرات خارجية