الجمهورية: الحريري من اغتال الحسن سينال عقابه

كتبت “الجمهورية ” تقول: إطلاق سراح المعتقلين اللبنانيين التسعة في سوريا، بعد معاناة طويلة، هو الخبر لبنانيّاً. وإعلان المملكة العربية السعودية اعتذارها عن قبول عضوية مجلس الأمن الدولي هو الحدث إقليميّاً ودوليّاً. وإذا كان خبر طيّ ملف المخطوفين عكسَ ارتياحاً لبنانياً عامّاً، فإنّ الحدث السعودي لا يقاس فقط بالأسباب التي عزتها لاعتذارها والتي يمكن اختصارها في ثلاث قضايا أساسية: القضية الفلسطينية، السلاح النووي والأزمة السورية، إنّما أهمّيته تكمن بمدلولاته على مستوى المنطقة والصراع مع إيران، وانعكاساته على مستوى العلاقة مع الغرب عموماً والولايات المتحدة خصوصاً، كما بمؤشّراته، وأبرزها اثنان: تحوّل المملكة إلى رأس حربة في المواجهة والمبادرة، وإصرارها على حلّ القضايا النزاعية لاستعادة القرار العربي إلى قلب المنطقة العربية، ولو اقتضى الأمر قلب الطاولة.
وجّهت الرياض رسالة شديدة اللهجة إلى واشنطن في لحظة اصطدام الأخيرة مع الشارع العربي في ثلاثة عناوين: فلسطيني، سوري، ونووي، وفي العناوين الثلاثة هناك لاعب رئيسي، بالنسبة إلى السعودية، هو الإيراني، وهذا اللاعب بدأ بفكّ الطوق الديبلوماسي الذي يُنذر، في حال نجاحه، في إرساء تسويات وتفاهمات على حساب الأولويات المبدئية التي تحدّثت عنها السعودية.
ومن هنا جاء رفض العضوية في خطوة متمّمة لرفضها إلقاءَ كلمة في اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة، وهذا الموقف إن دلّ على شيء فعلى رسالة تحذيرية فحواها أنّ المملكة التي غطّت سياسات الولايات المتحدة في المنطقة غير مستعدّة على مواصلة هذه المهمة الهادفة إلى مصالحة واشنطن مع شعوب المنطقة شرط تعاونها الجاد في إيجاد الحلول العادلة والدائمة لمنطقة الشرق الأوسط التي تفضي إلى ترسيخ الاستقرار وحفظ الأمن وتحقيق السلم، الأمر غير الممكن تحقيقه قبل حلّ النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي وترسيم حدود الدور الإيراني.
واللافت أيضاً أنّ اعتذار المملكة عن قبول عضويتها ترافق مع استعدادها لتقديم مشروع قرار للأمم المتحدة يدين تدخّل “حزب الله” في سوريا، ما يعني أنّ رفضها المشاركة في سياسىة اللاقرار للأمم المتحدة واستطراداً تغطية هذا الواقع، لا يعني امتناعها عن مواصلة الضغط عبر المنبر الأممي.
ومن مؤشّرات الموقف السعودي أنّ المنطقة مقبلة على مرحلة من السخونة السياسية، وأنّ عنوان الحكومة في لبنان سيبقى معلّقاً حتى إشعار آخر.

الموقف المفاجئ
المفاجأة التي سُجّلت في نهاية الأسبوع تمثّلت باعتذار السعودية وبعد ساعات على انتخابها، عن قبول عضويتها في مجلس الامن، وذلك غداة انتخابها لشغل مقعد غير دائم في الهيئة الدولية، وذلك بسبب “ازدواجية المعايير” في المجلس وفشله خصوصاً في حلّ القضية الفلسطينية والنزاع السوري وعدم جعل الشرق الاوسط خالياً من اسلحة الدمار الشامل.
وقد فوجئ عدد كبير في مجلس الأمن بالقرار السعودي، ونُقل عن دبلوماسيّ في المجلس قوله: “إنّه أمر غير متوقّع تماماً، لقد بحثنا جميعاً في سجلّات المجلس لإيجاد سابقة، فلم نجد”. وأضاف أنّ الترشيح إلى المجلس “يستغرق سنوات من الاستعداد”، وهذا ما يجعل خطوة الرياض بالتالي مفاجئة.
وقال دبلوماسيّ آخر: “قد يحصل انتخاب جديد لكن من الممكن أيضاً إقناع الرياض بتغيير موقفها”.وفي حين أعلن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون أنّ السعودية لم تبلّغ الأمم المتحدة بعد بشكل رسمي رفضها تسلّم مقعدها في مجلس الأمن، شاطرت فرنسا السعودية “إحباطها” إزاء شلل مجلس الأمن في مواجهة الأزمة في سوريا، بينما انتقدت روسيا قرارها ووصفت الحجج التي قُدّمت في هذا الإطار بأنّها “غريبة جدّاً”.

مصدر ديبلوماسي

ووصف مصدر ديبلوماسي لبناني موقف السعودية بصرخة احتجاجية استثنائية غير مسبوقة على عجز مجلس الامن عن اتخاذ خطوات لإيقاف نزيف الدم في سوريا منذ سنتين وحتى اليوم.
وقال المصدر لـ”الجمهورية”: أن يصلَ دور بلد ما إلى عضوية مجلس الأمن ويقول لا، فهذا أمر استثنائيّ، والسعودية ليست أيّ بلد، بل أهمّ بلد في المجموعة العربية، وأن تقول لا، فهذا ليس بالأمر البسيط. لكنّ استياءَها الشديد، في الوقت نفسه، من طريقة تعاطي مجلس الأمن مع القضايا التي تصل إليه كان واضحاً جدّاً، فهو يعجز أو يفشل أو أنّه لم يكن مستعدّاً لاتّخاذ القرارات اللازمة إزاء ما آل اليه الوضع في سوريا: 120 ألف قتيل وعنف غير مسبوق على مرّ التاريخ، ولاجئون وإلى ما هنالك…
بالنسبة الى المملكة كان هذا الامر العامل الاساسيّ، إضافة الى الموضوع الفلسطيني الذي لا يزال يراوح مكانه بعد سنوات الفشل الطويل، وقضية البرامج النووية في الشرق الأوسط.
لكن من الواضح جداً أنّ السعودية اتّخذت موقفاً قوياً واستثنائياً عبّرت عنه بطريقة استثنائية امس تحديداً إزاء عجز مجلس الأمن أمام ما يحصل على مستوى الأزمة السورية.
وتحدّث المصدر عن تفهّم وتعاطف مع الموقف السعودي، وقال إنّ التعبير عن الاحتجاج يكون احياناً بطريقة ديبلوماسية وأحياناً بموقف، لكنّ المملكة عبّرت عنه بخطوة ديبلوماسية استثنائية تمثّلت برفض مقعدها في مجلس الأمن تعبيراً عن استهجانها ورفضها لما يجري.
وذكر المصدر أنّه عندما جاء دور لبنان لعضوية مجلس الامن رأى البعض أنّه من الافضل أن يؤجّل دخوله الى مجلس الامن لأنه سينتهج سياسة النأي بالنفس ولا يريد توريط نفسه في مواقف معيّنة، لكن عندما نوقش الموضوع كان الرأي أنّه عندما يصل الدور الى بلد ما لعضوية مجلس الامن لا يجوز ان يرفض مقعده، لأنّ الفرصة لا تتكرّر إلّا بعد كلّ نحو عشرين سنة عبر المداورة، وعليه، قرّر لبنان قبول عضويته.
لذلك نقول إنّ عدم قبول العضوية في المجلس هو خطوة استثنائية جدّاً، وأرادت السعودية ان تعبّر عن موقف استثنائي كي يُفهم موقفها أنّه احتجاج شديد اللهجة.

مشروع قرار سعودي
لكنّ رفض المملكة لمقعدها لم يمنعها من السير قدُماً في حملتها على “حزب الله” والإعداد لقرار يدين تدخّله في سوريا.
وفي هذا الإطار تعتزم السعودية تقديم مشروع قرار إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، تدين فيه التدخّل الخارجي لمقاتلين غير سوريّين في الحرب الدائرة في البلاد، وخصوصاً تدخّل “حزب الله”، إلى جانب تأكيد دعم تطلّعات الشعب السوري لمجتمع سلميّ وديموقراطي.

الخاتمة السعيدة للمخطوفين

محلياً، نجحت الوساطات التي تولّتها السلطة اللبنانية وراء الكواليس عبر عمل ديبلوماسي رفيع، بإطلاق سراح المعتقلين اللبنانيين التسعة في سوريا تزامُناً مع الإفراج عن الطيّارين التركيين والسجينات السوريات من السجون السورية، واللواتي قُدّر عددهنّ بحوالى 112 سجينة سوريّة ومن جنسيات مختلفة.
وقالت مراجع تراقب التطوّرات في اللحظات الأخيرة إنّ العملية تمّت بعد يومين على الوعد الذي قطعه أمير قطر الأمير تميم بن حمد بن خليفة آل ثاني الى رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، عندما قال له صباح أوّل أمس حرفيّاً: “فخامة الرئيس، اعتبِر الموضوع منتهياً”، ردّاً على تمَنٍّ من سليمان بالإسراع بالخطوات الكفيلة بإنهاء الملف وإقفاله بأسرع وقت ممكن.

ومع إعلان وزير الخارجية القطري خالد العطية توصّل الوساطة القطرية إلى إطلاق سراح المعتقلين اللبنانيين التسعة في سوريا، عمّت الاحتفالات بعض المناطق اللبنانية، وبشكل خاص منطقة الضاحية الجنوبية، وتلاحقت المواقف، فأكّد اللواء عبّاس ابراهيم أنّ المخطوفين أصبحوا في تركيا، وأنّهم سيصلون الى لبنان بين 24 و48 ساعة، لافتاً إلى أنّنا “ننتظر الترتيبات البروتوكولية، والبيان القطري صدر بعد إجتماع بيني وبين وزير الخارجية القطري الذي أنتظرُ معه وصول اللبنانيين إلى إسطنبول.وقرابة منتصف الليل أبلغ الوزير شربل “الجمهورية” أنّ عملية التبادل الشاملة ستجري في الساعات القليلة المقبلة.
وعلمت “الجمهورية” انّ الطيارين التركيين سيكونان صباح يوم السبت على ابعد تقدير بتصرّف القوى الأمنية اللبنانية.وفي هذا السياق، اعلن وزير الخارجية التركي احمد داود اوغلو عن قرب الافراج عن الطيارين، قائلاً: “ثمة تطورات ايجابية جدا تتعلق بالطيارين التركيين، تم حل جزء كبير من هذه القضية”.
من جهته، تابع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي هذا الملف عبر سلسلة اتصالات مع كلّ من وزير خارجية قطر الموجود في تركيا، ووزير خارجية تركيا أحمد داوود اوغلو، ومع المدير العام للأمن العام الذي أبلغه ليلاً “أنّ اللبنانيين المحرّرين باتوا في مكان آمن تمهيداً لعودتهم”.
وتبلّغ ميقاتي من العطية “أنّه سيرافق اللبنانيين المحرّرين الى لبنان شخصيّاً قبل ان ينتقل الى قطر”. وأشاد ميقاتي بجهود الرئيس الفلسطيني محمود عباس في معالجة هذا الملف.

ملفّ النازحين
لى ذلك فقد حضر ملفّ النازحين بكلّ تشعّباته في قصر بعبدا خلال اجتماعين عقدهما رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان أمس مع ممثلي الدول الاعضاء الدائمين في مجلس الامن الدولي بحضور بلامبلي، والمجموعة الاوروبية. وحدّد سليمان السبل الآيلة لمتابعة تنفيذ خلاصات اجتماع مجموعة الدعم الدولية من أجل لبنان الذي انعقد في نيويورك في 25 أيلول الفائت، حيث مثّل هذا الاجتماع اهتماماً خاصاً بلبنان من أعلى المرجعيات الدولية، والتزاماً منها لدعمه في مجالات صون الاستقرار وتقديم المساعدات للقوّات المسلّحة وللجهد القائم في مواجهة الأعباء المتزايدة جرّاء تنامي أعداد اللاجئين السوريين. وإذ  دعا إلى بذل جهود إضافية لتسريع عملية التفاوض والتوصّل الى حلّ سياسي للأزمة السورية، فإنّه نبّه الى انّ المشاركة بالأعباء المالية لا زالت غير كافية، فيما لا تزال المشاركة في تقاسم الأعباء العددية رمزية. وأكّد انّ هذا الالتزام الدولي غير موقوف على دعم موضوع النزوح فقط، بل يجب متابعة الدعم للبنان وتعويض الضرر الذي لحق به جرّاء الأزمة السورية.
وأكّدت مصادر شاركت في لقاءات بعبدا أمس لـ”الجمهورية”، على أهمية ما كرّسته هذه اللقاءات من تفهّم دولي فاق كلّ التوقّعات بشأن حاجة لبنان للتعويض عن الخسائر التي لحقت بالإقتصاد وميادين مختلفة من أضرار قدّرها البنك الدولي في تقريره الى مؤتمر “مجموعة العمل من أجل لبنان” بسبعة مليارات ونصف المليار.
ونُقل عن رئيس الجمهورية قوله في الإجتماع: المهم أن تعترفوا بحقّنا بالتعويض عن الخسائر الكبيرة التي لحقت بلبنان، وبالدعم الذي نطالب به سياسيا وأمنيا وعسكريا وإقتصاديا والذي يمتدّ للسنوات المقبلة.
ووعد سليمان السفراء باستمرار المساعي من أجل حكومة جديدة جامعة، والمهم ان تحظى بالأكثرية النيابية التي تمحضها الثقة البرلمانية التي تحتاجها أيّ حكومة في لبنان. وقدّم السفير الروسي ألكسندر زاسيبكين مداخلة شدّد فيها على العودة الى مقتضيات سياسة النأي بالنفس، وانسحاب اللبنانيين من الأزمة السورية، والعودة الى مقتضيات اعلان بعبدا في شكله ومضمونه وغاياته. وأكّد دعمه للجيش اللبناني في مهامّه لضبط الوضع الأمني في البلاد.
أمّا السفير الفرنسي باتريس باولي فكشف عن وصول بعثة فرنسية الى بيروت الأسبوع المقبل للبحث في بعض المساعدات العاجلة للجيش اللبناني.
كما سُجّلت مداخلات لسفراء المانيا وسويسرا والولايات المتحدة الأميركية شدّدت على النأي بالنفس ومضمون إعلان بعبدا وضرورة تأليف حكومة جديدة سريعاً. كما عُلم أنّ بعثة بريطانية ستتوجّه الى بيروت قريباً للبتّ في مساعدات اقتصادية وعسكرية مباشرة للجيش اللبناني.
وعلمت “الجمهورية” أنّ سليمان تبلّغ من ممثلي البنك الدولي رفع المساعدات المخصّصة للبنان وفق البرامج المقرّرة الى العام 2015 بشكل مضاعف وفي مجالات أساسية ومهمة وحيوية.

ذكرى الحسن
وعلى صعيد آخر، يحيي لبنان اليوم الذكرى الأولى لاستشهاد رئيس شعبة المعلومات اللواء وسام الحسن، في سلسلة احتفالات في مبنى المديرية العامة لقوى الامن الداخلي، وفي مكان الانفجار في الاشرفية وفي البيال.
وعشيّة الذكرى، قال رئيس الجمهورية إنّ “الجهد الذي قام به فرع المعلومات مميّز، بحيث نلاحظ السرعة بالكشف عن الجرائم، إضافةً الى كشف شبكات التجسّس، ما جعله جهازاً محترفاً”.
ورأى سليمان أنّ “الرابط بين كلّ الضحايا هو تعلّقهم بالدولة وحرصهم على المواطن والسيادة الوطنية”.واعتبر انّه “عندما نتوصل إلى أن نحمي الوطن والمواطن ونعزّز المؤسّسات، نكون قد وفّينا الشهداء حقّهم.
وبدوره، أكّد الرئيس سعد الحريري عزمه على ملاحقة هذه القضية لكشف القتلة ومَن وراءَهم، وإحالتهم الى المحاكمة لينالوا جزاءهم. وأكّد أنّه سيعود الى لبنان قريباً، لافتاً الى انّ قرار العودة كان وشيكاً، ولكنّ اغتيال الحسن أظهر مرّةً اخرى إستهداف هؤلاء المجرمين للرموز اللبنانية، ولذلك تأجّلت العودة. وعلى الرغم من أنّ الكثيرين لا يريدون عودتي، إلّا أنّني سأعود إلى لبنان.

السابق
الأخبار: قطر تُكفّر عن ذنبها وتحرّر مخطوفي أعزاز
التالي
البناء: المخطوفون التسعة إلى الحرية ولبنان يحتضنهم اليوم أو غداً