اضمحلال السياسة الداخلية اللبنانية حتى إشعار آخر

السياسة الداخلية اللبنانية تندثر. العين مثبتة على الاقليم المحيط بنا، سواء تسارعت الحركة فيه أو تباطأت. يبدو البلد “معلّقاً”، مع فارق انّه، لم نعد نعرف تماماً هو “معلّق” على ماذا؟
فقبل مدة قليلة، كان يمكن القول، سواء في معشر هذا الفريق المتنازع أو ذاك، ان البلد معلّق على مآل الأمور في سوريا. طبعاً، كل يوم يمرّ تزيد فيه تداعيات الوضع السوري على لبنان، وتداعيات مشاركة “حزب الله” في القتال في سوريا على البلدين. مع ذلك، كل يوم يمرّ نبتعد فيه اكثر فأكثر من بساطة القول ان السياسة في لبنان ستستأنف بمساحتها الداخلية الوطنية الوافية ما ان تعرف الأزمة السورية خاتمة لها.
في ظل اضمحلال السياسة الداخلية، يستعاض عنها بتداول الأمني من الملفات بالدرجة الأولى، بشكل يظهر الحوادث الأمنية اللبنانية كـ”طرفية”، نسبة الى “مركزية” التطاحن الدامي على الأرض السورية. في الوقت نفسه، تساق انماط متعددة من الاطمئنان الذاتي الى انّ الوضع الأمني اللبناني على تخلّعه، الا انه سيبقى “معلقّاً” هو الآخر، اذا عنينا بذلك، الانفجار الشامل، او التعافي الكامل.
وتأتي في المنزلة الثانية المساعي واللامساعي المتعلقة بمسألة تشكيل حكومة عتيدة. هنا أيضاً، يبدو كما لو انّها مسألة متحرّرة من “مهل دستورية” ومعلّقة في الفضاء، في وقت يصرّ فيه “حزب الله” على انتهاج الشيء ونقيضه: الاصرار على ان “المقاومة” لا تحتاج الى اجماع وطني، والاصرار على توقيع اجماع وطني رسمي عليها من قبل جميع الفرقاء في صيغة بيان وزاري، سواء مثّل ذلك قناعة الآخرين او لم يمثّل. كما انّ الحزب، تجده رافضاً لأي اخراج له من التشكيلة الحكومية، ورافضاً لاعلان بعبدا للنأي بلبنان عن الأتون السوري، في آن. خلاصة ذلك تأتيك لاحقاً على لسان النائب محمد رعد، فهو يستهزئ بالمطالبين بالاسراع في تشكيل حكومة بشروط لا يرضاها الحزب، الى انهم سينتظرون الى ما شاء الله. أليست تخبرنا فرحة نائب عن احد اكبر الاحزاب اللبنانية من ان حزبه يعوق تشكيل حكومة جديدة ليس اليوم وغداً وانما الى ابعد وقت، عن مشكلة هذا الحزب مع ابسط معاني الوطنية اللبنانية؟
تشكيل الحكومة معلّق. الملفات الأمنية عالقة. لكن أيضاً، مسألة النازحين السوريين. فرغم الأخذ والرد بين من يطرح مقولات عنصرية أو مرتفعة درجة الاسفاف بصددهم، او من يشدد في المقابل على رابطة الجيرة والدم والمؤازرة، يبقى انّ الامور هنا ايضاً معلّقة. فلا احد سوف يكون بامكانه ان يطرح جدياً اقفال الباب على النازحين الوافدين من سوريا. ولا احد في الوقت نفسه بامكانه ان يطرح جدياً اي طرح متكامل للارتفاع الى مستوى التحدي الاغاثي المطلوب.
السياسة الداخلية معلّقة. حتى هذه المواضيع، الشأن الحكومي، الشأن الأمني، الشأن الاغاثي، فهي لا تطرح بشكل سياسي حتى الآن. انما تطرح فقط بقصد التدليل على ان حلولها عالقة.
كيف الخروج من هذه الدوامة؟ اول ذلك يكون بالاقرار بأن “اعلان بعبدا” يحتاج الى شيء مزيد: لا يمكن النأي بلبنان عن الأتون السوري الا باعادة الاعتبار للشأن السياسي الوطني اللبناني.

السابق
سلهب: الوضع الداخلي يتجه نحو استقرار أمني وعدم استقرار سياسي
التالي
مايلي سايروس تطلّ بجلسة تصوير مثيرة